البث المباشر

فاطمة عليها السلام في آية التطهير ـ۳

الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 14:42 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 42

 

بسم الله الرّحمن الرحيم الحمد لله الودود الوهّاب وأزكى الصّلواتِ على النبي المصطفى وآله الأطياب. إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاتُه وأهلاً بكم في عودةٍ أخرى الى آية التطهير،: قولُه تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"، حيث اقتضى البحث أيها الإخوة أن يفهم معنى إذهاب الرجس بأجمعه، ومعنى التطهير المطلق كليهما، وذلك من قبل الإرادة الإلهية الحكيمة والمشيئة الربّانية العليمةِ العالمة. إنّ علماء اللغة يرون أنّ الطهارة تعني النقاء من الدّنس، كما تعني البراءة من العيب، وهي على أنواع: طهارةٍ مادّية، كما في قوله تعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ" (الأنفال:۱۱) وطهارةٍ معنوية، كما في قوله تعالى: "يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ" (آل عمران:٤۲) وطهارةٍ تكوينية، قال جلّ وعلا: "وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً" (الإنسان:۲۱) وطهارةٍ اعتقادية، قال عزّوجلّ: "أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ" (المائدة:٤۱) وطهارةٍ أخلاقية، قال عزّ من قائل: "فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ"(الأحزاب:٥۳)، وطهارةٍ أعمالية، كما في قوله سبحانه: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" ( البقرة:۲۲۲)، أمّا التطهيرُ المطلق أيها الإخوةُ الأفاضل فهو التنزّهُ عن كلِّ عيبٍ ورجسٍ ودنسٍ: ماديٍّ ومعنويّ، وفي أيِّ مرتبةٍ وحالةٍ وصورة، عملياً كان أو تكوينياً. وذلك التطهيرُ هو الكمالُ الأتمّ، والبلوغ الى منتهى النورانية، وهو المعنى الذي تريده آية التطهير. الى فهم ذلك أيها الإخوةُ الأعزّة، بعد هذه الوقفة القصيرة.
في (الفصول المختارة) كتب الشيخُ المفيد أعلى الله مقامه في ظلّ آية التطهير: إنّ إذهاب الرجس لا يكونُ إلاّ بالعصمةِ من الذنوب، لأنّ الذنوب من أرجسِ الرجس، والخبرُ عن الإرادة هاهنا "إنّما يريدُ الله" هو خبرٌ عن وقوع الفعل خاصّةً دون الإرادة التي يكون بها لفظُ الأمر أمراً. فلمّا خصَّ اللهُ تبارك وتعالى أهل البيتِ عليهم السلام بإرادةِ إذهاب الرجس عنهم، دلّ على ما وصفناه، وذلك بموجبٍ للعصمة. وفي الاتّفاق على ارتفاع العصمةِ عن أزواج النبيّ دليلٌ على بطلانِ من زعم أنّ آية التطهير نزلت فيهنّ.
هذا، فيما كتب السيد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله في تفسيره (الميزان): من المتعّين حملُ إذهاب الرجس في آية التطهير على العصمة، فيكون المرادُ بالتطهير في قوله تعالى: "وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" وقد أُكّد بالمصدر المفعول المطلق، المرادُ هو إزالةُ أثر الرجس بإيراد ما يقابله. ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل (الرجس) هو الاعتقادُ الحقّ (الطهارة)، فتطهيرُ الله تعالى أهل البيت هو تجهيزُهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل. ثمّ قال السيد الطباطبائيّ أيها الإخوةُ الأكارم جامعاً لمعنى مهم: والمعنى أنّ الله سبحانه تستمرُّ إرادتُه بأن يخصَّ أهل البيت بموهبة العصمة، وذلك بإذهاب الاعتقادِ الباطل وأثر العمل السييء عن أهل البيت، وإيراد ما يزيلُ أثر ذلك عليهم، وتلك هي العصمة. والآن يعود السؤال المهمّ من أولئك الذين أراد اللهُ تعالى عصمتهم؟ أو فيمن نزلت آية التطهير والعصمة؟ وهنا دعونا أيها الإخوة الأحبّة نجنح الى الرواية من أطرافٍ عديدة، الى ذلك بعد هذه الاستراحة القصيرة.
كتب محبُّ الدين الطبريُّ الشافعيّ في (ذخائر العقبي لذوي القربى): عن أبي سعيد الخُدري قال: نزلت الآية (آيةُ التطهير) في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليٍّ وفاطمة، والحسن والحسين. ثمّ كتب الطبريّ: أخرجه أحمدُ بن حنبل في (مناقب الصحابة)، والطبرانيّ وفي (علل الشرائع) كتب الشيخ الصدوق: عن عبد الرحمان بن كثير قال: قلتُ لأبي عبدالله (الصادق) عليه السلام: ما عني اللهُ بقوله: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"، فقال عليه السلام: (نزلت في النبيّ وأمير المؤمنين، والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام). وروى البغداديّ في (تاريخ بغداد)، والقندوزيُّ الحنفيُّ في (ينابيع المودّة) وعن (سنن الترمذيّ) أيضاً، أنّ أمّ المؤمنين أمّ سلمة قالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله جلّل علياً والحسن والحسين وفاطمة كساءً ثمّ قال: "اللهمّ هؤلاءِ أهل بيتي، وخاصّتي، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً". وكان ذلك بعد نزول الآية المباركة، فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال لها: قفي مكانك، إنّك الى خير. ونقرأ أيها الإخوةُ الأعزّة في (تفسير الصافي) للفيض الكاشانيّ هذا الاستدلال العلميّ للشهيد زيد ابن الإمام زين العابدين عليه السلام، حيث قال: "إنّ جهّالاً من الناس يزعمون أنّه إنّما أراد اللهُ بآية التطهير زوجاتِ النبيّ صلى الله عليه وآله، وقد كذبوا وأثموا. وأيم الله، لو كان الله عنى زوجات النبيّ لقال: ليذهب عنكنَّ الرجسَ ويطهّركنّ تطهيراً. ولكانَ الكلام مؤنثّاً كما جاء من بعد: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ"" (الأحزاب :۳٤). وروى عالمُ أهل السنّة الشهير أبو نعيم الأصفهاني في كتابه (النور المشتعل) عن أمّ سلمة رضى الله عنها أنّها قالت: نزلت هذه الآية، آية التطهير، في رسول الله وعليّ، وفاطمة والحسن والحسين. فيما روى النّسائي في (خصائص أمير المؤمنين) عن عامر بن سعيد بن أبي وقّاص، أنّ معاوية كان يلوم سعداً فيقول له: ما يمنعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ أي علياً صلوات الله عليه، فأجابه سعد: ما ذكرتُ ثلاثاً قالهُن رسولُ الله فلن أسُبّه. الى ان قال: ولمّا نزلت "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"، دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : "اللهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة