بسم اللهِ الرحمن الرّحيم الحمدُ لله وليّ النّعمَ والآلاء، وأزكى صلواتِه على رسولِه سيدِ الأنبياء، وعلى آلهِ سادةِ الأوصياء. السلامُ عليكم إخوتنا الأماجد ورحمةُ الله وبركاتُه، وأهلاً بكم في عودةً عاجلة إلى الآية المباركة قولُه تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" النور: ۳٦، حيث وردت في ظلّها عددٌ من الروايات الشريفة، هذا بعضُها: في (تفسير البرهان) روى السيد هاشم البحرانيّ عن مصادر عديدة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآلِه لمّا تلا الآيةَ الشريفة سئل: أيُّ بيوتٍ هذه يا رسول الله؟ فقال: "بيوت الأنبياء"، فسأله أبوبكر وقد أشار إلى بيت عليٍّ وفاطمةَ عليهما السلام: هذا البيتُ منها؟ فأجابه صلى الله عليه وآله: "نعم، من أفضلها" وفي روايةٍ أخرى: "نعم، من أفاضلها". وفي رواية أسندها إلى محمّد بن الفضيل أنّه قال: سألتُ أبا الحسن (ولعلّه يقصد الإمام موسى الكاظمَ عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" فقال: "بيوتُ محمّدٍ صلى الله عليه وآله ثمّ بيوتُ عليٍّ عليه السلام". وفي روايةٍ أخرى عنه أنّه قال: "بيوتُ آلِ محمّد..."، روى ذلك الأسترآباديُّ شرفُ الدين في (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة)، والشيخ المجلسيّ في الجزء الثالث والعشرين من (بحارالأنوار).
ونبقى أيها الإخوةُ الأكارم مع الآية الكريمة، آيةِ بيوت الله ورسوله، والتي أذن اللهُ أن تُرفع، وقد رُفعت، إذ ذُكر فيها اسمُه ذكراً عابقاً زاكياً من أفواهٍ عاطرةٍ بالإيمان والتقوى والقول الأحسن، من آلِ الله، محمّدٍ وآلِ محمّد صلواتُ الله عليه وعليهم، فهُم لا سواهُم أهلُ الذكر والعبادة والطاعة المطلقة لله تعالى، وهُم أهل العصمة والطهارة والنور والمعرفة، وأهلُ كلِّ فضيلةٍ ومنقبةٍ وخير ٍوصلاحٍ ومأثُرة فبيوتهم، أي حُجَرُهم هي البيوتُ التي أذن اللهُ أن تُرفع، وهي الأحقُّ من غيرها أن تُرفع، تُرفع منزلةً وكرامةً وبركة ومقاماً بين البيوت. وهُم سلامُ الله عليهم قد ذكروا أنّ الآية عَنَت بُيوتَهم لا سواها، إذ هُم أهلُ بيت النبوّة، وموضعِ الرسالة، ومُختلف الملائكةِ ومهبطِ الوحي، في بيوتهم نزل القرآن، وهُم أدرى بما جرى فيها وتُلي فيها من آيات الوحي المبين.
روى الصفّارُ القمّيّ في (بصائر الدرجات) أنّ رجلاً لقيَ الإمامَ الحسينَ عليه السلام في طريقة إلى كربلاء، فسأله عليه السلام: "من أيِّ البلدانِ أنت؟!" فقال الرجل: من أهل الكوفة، فقال له الحسينُ سلامُ اللهِ عليه: "يا أخا أهل الكوفة، أما واللهِ لو لَقِيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثَرَ جبرئيلَ من دارِنا ونزولِه على جدّي بالوحي. يا أخا أهلِ الكوفة، مستقى العِلمِ من عندنا، أفَعِلموا وجَهلنا؟! هذا ما لا يكون". وفي روايةٍ أخرى قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "عجباً للناس! يقولون أنّهم أخذوا علمَهم كلَّه من رسول الله صلى الله عليه وآله فعلموا به واهتدوا، ويرون أنّا أهلَ بيته وذريته لم نأخذ علمَه؟! ونحنُ أهلُ بيتِه وذُريتُه، في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا خرج العلمُ إليهم، أفيرونَ أنّهم علموا واهتدوا، وجهلنا نحنُ وضللنا؟! إنّ هذا لَمُحال!".
ولقد تسالمت أيها الإخوةُ الأفاضل مصادرُ أهل السنّة بتفاسيرها وكُتب أحاديثها وأخبارها، أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم أكّد أنّ بيت عليّ وفاطمة عليهما أفضلُ الصلاة والسلام من بيوت الأنبياء، بل من أفاضلها أو من أفضلها، وهي التي أذنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويذَكَرَ فيها اسمُه. وأكّدَت ذلك مصادرُ الشيعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله مرّة، وعن أئمّة الحقّ والهدى مرّة أخرى، فكان ممّا رواه الطبرسيّ في (مجمع البيان في تفسير القرآن) عن جابر بن يزيد الجُعفيّ أنّ الإمام محمّدَ الباقر عليه السلام قال في ظلّ قوله تعالى: "في بيوتٍ أذنَ اللهُ أن تُرفَعَ" هي "بيوتُ الأنبياء، وبيتُ عليٍّ عليه السلام منها". ولا شكَ أيها الإخوةُ الأحبّة أنّ بيتَ عليٍّ هو بيتُ فاطمة، فهُما سلامُ اللهِ عليهما أهلُ تلك البيوت الرفيعةِ الذّكر، العاليةِ المنزلة والمقام والشرف، وأهلُ تلك البيوت التي يذكرَ فيها اللهُ سبحانه آناءَ اللّيلِ وأطرافَ النهار، إذ فيها رجالٌ يسبّحون اللهَ بالغدوِّ والآصال، هُم محمّدٌ وآله صلواتُ الله عليهم ومعهُم الصدّيقةُ الزهراءُ فاطمةُ عليها السلام، فأيُّ أولياءَ هُم في ذلك البيت، وأيُّ بيتٍ ياللهِ هو؟! قال الإمام الباقرعليه السلام: "بيتُ عليٍّ وفاطمةَ من حجرةِ رسول الله صلى الله عليه وآله، وسقفُ بيتِهم عرشُ ربّ العالمين، وفي قعرِ بيوتهم فرجةٌ مكشوطةٌ إلى العرش معراج الوحي، والملائكةُ تنزل عليهم بالوحيِ صباحاً ومساءً، وفي كلِّ ساعةٍ وطرفةِ عين، والملائكةُ لا ينقطعُ فَوجُهم، فوجٌ ينزل وفوجٌ يصعَد". ويرتقي معنى البيوت، فيكون أئمّةُ الهدى هُم البيوتُ التي تُنسَبُ إلى الله تعالى، ويعلو منها ذكرُ الله وتسبيحُه، وتشعُّ منها أنوارُ المعرفة والعلم والهداية. روى ثقةُ الإسلامِ الكلينيُّ في (الكافي) أنّ فقيهَ أهلِ البصرة قتادةَ بن دعامة البصريّ قال للإمام الباقر عليه السلام: واللهِ لقد جلستُ بينَ يديِ الفقهاء، وقدّامَ ابنِ عبّاس، فما اضطَرَب قلبي قدّامَ واحدٍ منهم ما اضطَرَب قدّامَك! فقال له الباقر سلامُ الله عليه: "ويحَك! تدري أين أنت؟! أنتَ بين يدي بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويذكَرَ فيها اسمُه، يسبّحُ له فيها بالغُدُوِّ والآصالِ، رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ اللهِ وإقام الصّلاةِ وإيتاء الزكاة. فأنتَ ثمّ ونحنُ أولئك". فقال قتادة: صدقتَ واللهِ، جعلني اللهُ فداك، واللهِ ماه ي بيوتَ حجارةٍ ولا طين.