بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحنّان المنّان، واسمى صلواته على المصطفى حبيب الرحمان، وعلى آله ابواب الايمان. ايها الاخوة الاعزّة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واهلا ومرحبا بكم في رحلةٍ اخرى قصيرة هي الاخرى في احد الافاق القرآنية النيرة، نسمع فيها بعض فضائل اهل البيت وخصائصهم في كتاب الله تبارك وتعالى، حيث يقول في احدى ايآته الشريفة مخاطبا رسوله المنتجب محمّدا صلى الله عليه واله: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" هكذا في سورة الاسراء، اما في سورة الروم فقد تصدّرت الاية فاء لا واو، فجاء النصُّ المبارك على هذه الصورة: "فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" ، وكلا الايتين اخوتنا الاكارم امر من الباري تبارك وتعالى باعطاء حقٍّ خاصّ الى قربى خاصّين، وهم القرابة المقربة لرسول الله صلى الله عليه واله، و ذلك بين في كلام المفسّرين، وكذا المحدّثين، وحتّى المؤرخين، كما سنرى بعد هذه الوقفة القصيرة.
*******
"وَآتِ ذَا الْقُرْبَى" فمن يا ترى اولئك القربى الذين امر النّبي صلى الله عليه واله ان يؤتيهم حقّهم ؟ لقد تكرّر مصطلح القربى في القران الكريم منسوبا في ظاهر السياق الى رسول الله صلى الله عليه واله، وكان من حقّ الصحابة ان يسألوا، كما كان من لطف النبوّة ان تبين، وقد اتفق المفسّرون على ان القربى مثلا في اية المودّة هم قربى النبيّ صلى الله عليه واله، في قوله تعالى: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" (سورة الشورى الآية ۲۳)، ولكن من هم المعنيون من قرابته يا ترى وفيهم عمّه ابو لهب، وعدةٌ من المشركين؟ يجيبنا على هذا عدد من اصحاب التفسير والرواية، منهم: الزمخشريّ، حيث كتب في تفسيره (الكشاف) انّ رسول الله صلى الله عليه واله سئل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: "على وفاطمةُ وابناهما" . وينقل الفخر الرازيُّ هذه الرواية بعينها في كتابه (التفسير الكبير) ثمّ يؤكد قائلا: فثبت انّ هؤلاء الاربعة هم اقارب النّبي صلى الله عليه واله، واذا ثبت هذا والكلام ما زال للرازي، فقد وجب ان يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم.
ويورد الرواية ذاتها الحافظ السيوطيُّ الشافعيّ في تفسيره (الدّر المنثور) ويسندها الى ابن عبّاس، كذلك يثبّتها المحبّ الطبريّ في (ذخائر العقبي) ويخرجها بتوثيق احمد بن حنبل في (مناقب الصحابة)، والهيثمي الشافعيّفي (مجمع الزوائد)، وابن حجر في (الصواعق المحرقة)، وغيرهم. كل اولئك عن ابن عبّاس، فيما ينقل الحسكانيُّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل) انّ سعيد بن جُبير (الشهيد على يد الحجّاج) عرّف القربى بقوله: القربى هم ال محمّد صلى الله عليه واله. وفي كلّ ما مرّ ويأتي، تتعين القرابة المقرّبة لرسول الله في فاطمة الزهراء صلوات الله عليها مع زوجها امير المؤمنين، وولديها الحسن والحسين صلوات الله عليهم اجمعين، وتتأكد في الاية المباركة: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" حيث اجمع كبار المفسّرين والمحدّثين لدى الفريقين كالطبرسي والزمخشريّ والشوكانيّ والطبريّ، وغيرهم، ان الاية نازلة في امر الله تعالى رسوله بان يعطي فاطمة فدكاً، ففعل.
*******
والان، دعونا ايها الاخوة الافاضل ان نتوثّق في المعنى المراد من قوله تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" من خلال الاخبار المسندة الوثيقة، لقد جاء في ما يقرب من اربعين مصدرا ومؤلّفا، عن ابي سعيد الخُدريّ وغيره باسانيد صحيحة، انّه لما نزلت الاية المباركة اعطى رسول الله صلى الله عليه واله فدكا، جاء ذلك في عدد وافر من طرق الحديث. وتسالمت عليه مشاهير الكتب، منها ميزان الاعتدال للذهبيّ، وينابيع المودّة للقندوزيّ الحنفي، والمعجم الكبير للطبرانيّ، والاتحاف بحبّ الاشراف للشبراويّ الشافعيّ، وغيرها، مُجمعةً تلك المؤلفات انّ المقصود بقربى النبيّ، على وفاطمة والحسنان عليهم السلام.
وهنا لا بأس ايها الاخوة الافاضل ان نذهب الى الشيخ الصدوق لنرى ماذا روى لنا حول هذه الاية الكريمة، اجل نجده في كتابه (عيون اخبار الرضا عليه السلام) ينقل روايةً مطولةً في اجابات الامام الرضا عليه السلام على اسئلة المأمون، فيبين له المعاني الدقيقة لمصطلحات اهل البيت، والآل، والعترة، والاصطفاء والقربى، حتّى يقول عليه السلام: (والايةُ الخامسة قول الله عزوجل: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ" ، خصوصيةٌ خصّهم الله العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على الامّة، فلمّا نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه واله قال: ادعوا لي فاطمة. فدعيت له، فقال: يا فاطمة، قالت: لبّيك يا رسول الله، فقال: هذه فدك، هي ممّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب، وهي لي خاصّة دون المسلمين، وقد جعلتها لك لما امرني الله تعالى به، فخذيها لك ولولدك). واذا كانت هذه الرواية من الروايات الخاصة، قان في الروايات العامّة كثيرا من الاخبار تقاربها عددا ومعنى، اوردها السيوطّي، والقندوزيُّ والحسكانيّ، وغيرهم.
نعرض ذلك على مسامعكم الكريمة ايها الاخوة الاحبة ان شاء الله تعالى في لقائنا القادم، فالى ذلك الحين نرجو لكم ساعات هانئة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******