مستمعينا الاكارم! نرحب بكم اجمل ترحيب في حلقة اخرى من برنامجكم الاسبوعي (شعراء الرسول).
وكلنا امل في ان تقضوا معنا دقائق مفيدة وممتعة تحت ظلال قصائد المدح النبويّ.
احبتنا المستمعين! من بين الشعراء المعاصرين'>الشعراء المعاصرين الاخرين الذي لانعدم في دواوينهم قصائد مدحوا بها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله.
الشاعر محمد البزم حيث طالعتنا في ديوانه قصيدة عصماء، قوية الحبكة، متينة الديباجة، تذكرنا بقصائد الشعراء الكلاسيكيين من اسلافه في العصور الاسلامية.
مناسبة هذه القصيدة ذكرى ولادة فخر الكائنات وسيدها محمد المصطفى صلى الله عليه وآله تطرق فيها الشاعر الى صفات النبي صلى الله عليه وآله في جانبه القيادي الرسالي، والانجازات العظيمة التي حققها في فترة قياسية مستمداً العون من الله سبحانه وتعالى، اولاً، ومن الثلة المؤمنة التي صاغها الوحي الالهي فاستطاعت ان تحقق المعجزات.
هكذا يستهل الشاعر قصيدته:
نبيٌّ حبا عدنان فضلاً وسُؤدُداً
فعمّتْ جميع العالمين مواهبُهْ
اخو هممٍ لايُدركُ الدهرُ شَأْوَها
ويجهلُها اعداؤُه وأقاربُهْ
رأى الكونَ في تيهٍ من الجهلِ اَسْفَعٍ
تشقُّ عُبابَ الداجياتِ مراكبهْ
فأطْلَعَ في آفاقهِ فرقَدَ الهدى
الى ان اصابَ الحقَّ في الليلِ حاطِبُهْ
وقيّدَتْ له الدنيا مَقادةَ طائعٍ
ذلولٍ فكانت في سواها مآرِبُهْ
ويعترف الشاعر بعجزه عن مديح هذه الشخصية التي مدحها الله في محكم كتابه الكريم، فاذا ببيانه لا يُسعِفُه، وريشته الشعرية تسقط عاجزة عن رسم صورة تستحقها هذه الشخصية التي لم ينجب التاريخ مثلها.
كيف لا وقد حققت هذه الشخصية تلك الانجازات الهائلة التي لم تستطع شخصية اخرى ان تحققها، فاذا بالدهر يردُّ شاباً فتياً حافلاً بالحيوية والعطاء والعنفوان بعد ان شاخ بفعل الجاهلية الجهلاء.
واذا بشمس رسالته تشق على ظلمات العالم فتحيل هذه الظلمات الى نور يسطع بالايمان والهدى بفضل الوحي الالهي الذي كان يهبط على قلبه الكريم.
فتجسد هذا الوحي في القرآن الكريم الذي ضمّ بين دفتيه كل هادٍ ومرشدٍ من الحكم والمواعظ والارشادات التي كانت بمثابة كواكب بددت دياجير الوجود.
واوقفت الظالمين والطغاة عند حدودهم، والقت بهم في مهاوي الهلكة، والرّدى، كما يحدثنا بذلك الشاعر محمد البزم مستعرضاً جانباً من الانجازات التي حققها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله.
ومتصفحاً صفحات مشرقة، ساطعة بالنور من السيرة النبوية الكريمة حيث كل شيء نور يهدي ويرشد، ونار تحرق الظلم والظالمين لتستحيل بعد ذلك نوراً يزرع الحياة، ويضيء الدروب.
محمدٌ انّي عن مَديحكَ عاجزٌ
وشَأُوُ بَياني دونَ ما أنا طالبُهْ
أتيتَ وقد شاخَ الزمانُ فَردَّهُ
نِداكَ فَتيّاً بَعد ما اربدَّ حالِبُهْ
سَطَعتَ وليلُ الغَيّ مُلْقِ جرانَهُ
على الكَونِ تَهمي بالرزايا سَحائِبُهْ
يُواتيكَ وَحيٌ لايُرامُ ومَنطِقٌ
بَوادُرُه محمودةٌ وعَواقبُهْ
فجئتَ بقرآنٍ حوى كلَّ حِكمةٍ
أنارَتْ دياجي الكائناتِ كواكبُهْ
يُنَصُّ فَتُصْمي الظالمين حدُودُهُ
ويُتْلى فَتُرْدي المارقين تَواقبُهْ
وبهذه الرسالة السماوية الخالدة الواضحة المعالم استطاع النبي الاميّ صلى الله عليه وآله ان يواجه المستبدين والجبابرة، ويتعامل مع الضالين الغواة مرة باللّين والرفق، ومرة بالحزم والقوة، وثالثة بالمغالبة والصراع حتى يثوب الى الحق، ويرجع عن غوايته.
فازاح بذلك العمى عن القلوب، فارّتدت بصيرة، ومزّق حجب الضلال عن القلوب فعادت واعية سميعة، وهو في كل ذلك كان يتخذ من التسامح، والبعد عن روح التطرف منجاً في التعامل مع اصحاب الديانات الاخرى.
حتى نعمت الكنائس والصوامع، والمعابد بالامن في عهده، موصياً المسلمين بأهلها خيراً مجسداً بذلك المبدأ الاسلامي الذي ينص على عدم الاكراه في الدين بعد ان تبين الرشد من الغيّ.
وبكلمة واحدة فقد نعم الدهر كله بالامن في عهده صلى الله عليه وآله فانسحبت عقارب الشرّ الى حجرها، وتقلّمت اظفار الزمان فأصبح المستضعفون والمعذّبون يتمتعون بالسلام بعد ان كان الطغاة والجبابرة يسومونهم سوء العذاب، كما يشير الى ذلك شاعرنا قائلا:
ورُضْتَ جِماحَ المُسْتبدّين راكباً
من الحقّ مَتْناً يوضّحُ السَّمْتَ لاحِبُهْ
تلطَّفْتَ بالغاوي فُطوراً تُلينُه
وحيناً تُصاديهِ، وآناً تُغالِبُهْ
جَلَوْتَ عِماياتِ القلوبِ فأبصرتْ
وزيحتْ عن اللُبّ السليمِ غياهبُهْ
ودافَعْتَ عن ذاتِ الالهِ بعزْمَهِ
متى رامتِ الجَبَّارَ صاحتْ نوادبُهْ
واوصَيْتَ خيراً بالكنائسِ مانعاً
ذَويها، وجيشُ الحقّ تمضي قَواضِبُهْ
صقلْتَ حواشي الدهرِ فانصاعَ طَيِّعاً
واذْعَنَ لاتَسري بِشَرٍّ عَقاربُهْ
وقلّمتَ اظفارَ الزمان فأعرضَتْ
عن الضارعِ المسكين تَنْأى مصائبُهْ
وبهذه الاخلاق والشمائل اللينة السمحة استطاع النبي المصطفى صلى الله عليه وآله ان يكسب ودّ الجميع حتى اعدائه الذين كثيراً ما كانوا يحاربونه ويوجهون اليه الاذى.
وازاء مكارم الاخلاق هذه حار الاعداء الالداء في مواجهة هذه الشخصية العظيمة، فعادوا كالجهلة المفتقرين الى الخبرات والتجارب في ساحة المواجهة.
ومن جهة اخرى كانت الانتصارات العسكرية تتوالى على جند التوحيد والايمان رغم قلة عدده، وضعف عدته، ورغم انه كان يواجه الجيوش الجرارة العرمرم المدججة بانواع السلاح.
وكانت المعجزة الالهية الساطعة عندما بعث الله عزوجل الرعب في قلوب جنود الكفر والشرك، وعندما وقعت هذه الجيوش في اسر قوة التوحيد والايمان، لتجرّ وراءها اذيال الفشل والخسران، دون ان يتجاوز جند الايمان حدود المروءة في الانتقام من العدو.
فلقد علّمتهم الرسالة الاسلامية السمحة ان لا يجهزوا على جريح، ولايؤذوا شيخاً، ولايعذبوا اسيراً، ولا يعتدوا على اطفال ونساء، ولعل هذا هو سرّ انتشار الاسلامي في تلك الفترة القياسية القصيرة.
فلقد اقبلت عليه الشعوب والامم زرافات ووحداناً بعد ان لمست الفرق الشاسع بين النظم الظالمة التي كانت تحكمها، وبين الشريعة الاسلامية بمبادئها، واحكامها الانسانية الهادفة الى نشر العدل والمساواة، والقضاء على مظاهر الظلم.
*******