نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة وهو الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) وذلك بعد فريضة العصر من يوم الجمعة وقد قدمنا جملة مقاطع متسلسلة منه ووصلنا من ذلك الى عبارة تتوسل بالله بان يعيد دينه على يد الامام(ع) غضاً ثم يقول «حتى تطفيء بعدله نيران الكافرين» هذه العبارة او الاستعارة ونعني بها اطفاء الله تعالى بعدله نيران الكافرين تظل من الوضوح بمكان ولكنها تحتاج الى اضاءة خاصة حتى تتبين النكات والاسرار الكامنة وراء ذلك، وهذا ما نبدأ به الآن ...
من الواضح ان المنحرفين او الكافرين مطلقاً وهم اجناس وطوائف ومجتمعات متنوعة تعلن عداءها لاتباع المذهب الحق (مذهب أهل البيت عليهم السلام) حيث اوصى الله تعالى بالتمسك بهم وبالثقل الاكبر كتاب الله تعالى وامر بطاعته وطاعة نبيه(ص) واولي الامر وهم اهل البيت عليهم السلام نقول ان اعداء الاسلام ممن نصب عداءه للمذهب الحق اطلق الدعاء عليهم مصطلح الكافرين بصفة ان الكفر ملة واحدة ومن ثم ربط الدعاء بين ظهور الامام(ع) واشاعة العدل وبين اطفائه نار الكافرين والسؤال المهم هو ما هي الاسرار او النكات الكامنة اولاً وراء انتخاب مصطلح العدل الالهي بدلاً من السمات الالهية الاخرى؟ ثم ثانياً ما هي الاسرار او النكات الكامنة وراء الصفة التي اطلقها على الكافرين وهي النار دون سواها من الظواهر السلبية الصادرة من الكافرين ... هذا ما نحاول الاجابة عنه ..
بالنسبة الى العدل فانه يظل تعبيراً عن النزعة الخيرة في اعماق الانسان بنحو عام حيث لا يمكننا ان نتصور امكانية قيام مجتمع تتنازعه تيارات العدوان بحيث يسطو القوي منهم على الضعيف في مختلف الصعد المادية والاقتصادية والسياسية. لذلك فان العدل دون سواه يحتل الاهمية ذات الدرجة الاولى في تحقيق التوازن الاجتماعي فانت مثلاً حين تفضل شخصاً على سواه في مختلف المجالات دون ان تكون التقوى او المصلحة العامة هي المعيار في ذلك عندئذ فان الجور او الظلم يظل هو المتحكم في سلوك الانسان، وهذا ما نلحظه بوضوح في مجتمعاتنا المعاصرة على سبيل المثال حيث ان الدول المستكبرة والطوائف المماثلة لها في الاستكبار والعلو والفساد في الارض تتحكم في مختلف بقاع الارض ويظل القوي ممتلك للسلاح وللموقع وللاقتصاد وسواه هو المسيطر على البشرية وهذا ما يقر به علماء الاجتماع المختصون بدراسة بناء المجتمعات الحديثة وهم محايدون حيث يعدون عصرنا بعصر الظلام وليس بعصر النور او التنوير نظراً للجور المسيطر وانعدام العدل تماماً.
من هنا فان الدعاء الذي نتحدث عنه حينما يتوسل بالله تعالى بان يزيل الكفار او لنقل نار الكافرين بعدله تعالى الذي سوف ينتشر على بقاع الارض فانما يعني ازالة تلك القوى المسيطرة والظالمة الكارهة لاقامة العدل، ومن ثم اقامة العدل المنشود من خلال وراثة الاسلاميين للارض.
يبقى ان نجيب عن السؤال المرتبط بالاستعارة المطالبة باطفاء نار الكفار بعدله تعالى على يد الامام(ع) وفي هذا الميدان نقول: ان النار هي المادة التي تحرق الشيء ولا تبقي له اثراً وبالنسبة الى نار الكافرين فان الجور الذي يمارسونه يتماثل مع النار المحرقة لاقامة العدل والحق في المجتمعات ان نيران الكافرين لا تنطفئ الا من خلال قوة اقوى منها في الفاعلية الا وهي ارادته تعالى، حيث شاء تعالى ان يحقق مجتمع العدالة على يد الامام المهدي(ع) ويطفئ بذلك نيران الجور ليعود الدين جديداً وغضاً وصحيحاً كما نطق بذلك الدعاء الذي نتحدث عنه.
اخيراً نسأله تعالى ان يوفقنا لخوض المعركة مع الامام المهدي(ع) حتى تنطفئ نيران الكفر وحتى نمارس عبادة الله تعالى والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******