بسم الله وله الحمد أن جعلنا من أهل التمسك بعروة النجاة من الضلالة وحبل الهداية ثقلي المصطفى الأمين كتاب الله وأهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله.
لا يخفى عليكم أيها الأعزاء، أن من أهم سبل الإنتفاع من بركات القرآن الكريم معرفة الأهداف التي أنزل لتحقيقها، والسعي لبلوغها، لنتوجه معاً الى كتاب الله ليخبرنا عن أهدافه ولنرجع الى السنة الشريفة لتفسرها لنا. كونوا معنا:
قال الله عزّ من قائل في آيات عدة من كتابه المجيد:
" إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " (الأسراء ۹)
" قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ{۱٥} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{۱٦} " . (المائدة ۱٥- ۱٦)
وقال تعالى عن فرقانه العظيم أنه أنزله: " هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ " . (الجاثية ۱۰)
" وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " . (الأعراف ٥۲)
" هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى " ووصفه في آيات أخرى بأنه هدى للمسلمين، وقال عنه " هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ " . (أبراهيم ٥۲)
أما في السنة الشريفة فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن القرآن: " هو الدليل يدل على خير سبيل" .
وقال وصيه المرتضى ( عليه السلام ) : " إستفتحوا بكتاب الله فإنه إمام مشفق وهادٍ مرشد... ودليل يؤدي الى جنة الله " .
وقال – عليه السلام – في أحاديث أخرى: " ومن إتخذ قوله (تعالى) دليلاً هدي للتي هي أقوم " وهو " هدى لم أئتم به " .
وعن الصديقة الزهراء (سلام الله عليه) قالت في صفة القرآن أنه: " قائد الى الرضوان إتباعه مؤدّ الى النجاة إستماعة " .
مستمعينا الأفاضل، النصوص الشريفة المتقدمة واضحة الدلالة على أن الهدف الأول للقرآن المجيد هو الهداية الى الصراط المستقيم وسبل النجاة وأفضل مناهج الحياة الطيبة الكريمة في الدنيا والآخرة.
ومثل هذه الهداية أمرٌ لا يستغني عنه أحد من البشر، فجميع بني البشر يطلبون بفطرتهم الإهتداء الصراط الأقوم الذي يوصلهم الى السلام الحقيقي أي السكينة والأمن والطمأنينة والنجاة من أشكال المخاوف والأخطار والشقاء والقلق والإضطراب وفي ذلك تتحقق لهم السعادة الحقيقية.
وهذه الحقيقة فطرية وجدانية يتفق عليها جميع العقلاء بمختلف إتجاهاتهم الفكرية والدينية.
ولذلك فجميع الناس – من المسلمين وغيرهم ومن المؤمنين والمتقين وغيرهم – أي في مرتبة كانوا هم بحاجة الى من يهديهم الى سبل السلام الحقيقي، ولذلك لاحظنا أن الآيات القرآنية المتقدمة تصرح بأن القرآن كتاب هداية بهذا المعنى العام للناس أي عموم البشر من المسلمين وغيرهم، وللمسلمين وللذين آمنوا ولأهل مرتبة اليقين أيضاً؛ لأنه يهدي الى سبل السلام الحقيقي.
وهذا يعني أن القرآن الكريم قادر على هداية جميع هؤلاء الى مايناسبه من مراتب الكمال والسلام الحقيقي، فلا غنى للإنسان في أي مرتبة من مراتب الكمال عن الإستهداء به لبلوغ المرتبة الأسمي، فغير المسلم يهتدي به للإسلام، والمسلم يهتدي به لبلوغ مرتبة الإيمان، والمؤمن يستهدي به لبلوغ مرتبة اليقين.
مستمعينا الأفاضل، وتصرح النصوص الشريفة بكل وضوح أن ما تقدم هو من خصوصيات القرآن الكريم، فلا يوجد كتاب هداية يستطيع هداية البشر بمختلف مراتبهم كل الى مرتبة أسمي.
كما تصرح النوص الشريفة بأنحصار الهدى بمصداقه الكامل والحقيقي في هذا الكتاب الإلهي الكريم، قال رسول الله – صلى الله عليه وآله –:
" من آثره (يعني القرآن الكريم) على ماسواه هداه الله، ومن طلب الهدى في غيره أضله الله )) (( هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهواء ولا تلبسه الألسنة" وقال الإمام علي بن موسى الرضا – عليه السلام –:
" كلام الله لا تتجاوزه " ، وقال – عليه السلام – موصياً أصحابه: " لا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا" .
وعليه يتضح أن علينا أن نستهدي بالقرآن الكريم لا بغيره، لأن الهدى الحقيقي هو هدى الله جلت حكمته لا غير، فهو سبحانه وتعالى المنزه من أن تتطرق إليه الأهواء الفكرية الظاهرة والخفية، والمنزه من أن يعتريه اللبس والإشتباه في البيان أو العجز عن توضيح المراد لأنه الكتاب الذي:
" لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " (فصلت ٤۲)
ولايخفى أن الإستهداء بالعلماء الذين لا يفارقونه طرفة عين حتى يردوا معه الحوض هو إستهداء به لا بغيره وهم العترة المحمدية الطاهرة كما يصرح به حديث الثقلين المبارك.
وهذه هي النتيجة المحورية الــتي نخلص إليها من ثاني حلقات برنامج من بركات القرآن الكريم إستمعتم لها أعزاءنا من إذاعة طهران، شكراً لكم والسلام عليكم.