نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة الامام المهدي(ع)) حيث قدمنا جملة من مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (اللهم ومد في عمره وزد في حلمه، واعنه على ما وليته واسترعيته، وزد في كرامتك له، فانه الهادي المهدي، والقائم المهتدي، والطاهر الزكي التقي المرضي الصابر الشكور المجتهد) ...
هذا المقطع يتضمن اربعة محاور الاول منها حدثناك عنه الا وهو التوسل بالله تعالى بان يمد في عمر الامام(ع) ويزيد اجله، وكرامته له، ويعينه على ما ولاه، واسترعاه، واما المحاور الاخرى فنحدثك عنها الان وهي جملة من السمات التي خلعها الدعاء على الامام(ع) منها سمتان هما "الهادي المهدي" ومنها سمتان القائم المهتدي ومنها سمات متواصلة لا يفصل بينها حرف الواو وهي على الصياغة الآتية "الطاهر الزكي، التقي الرضي، المرضي، الصابر، الشكور، المجتهد" ...
والسؤال الان هو ماذا تعني هذه السمات وما هي صلتها بالتوسل الذي لاحظناه أي ان يمد الله تعالى في عمر الامام(ع) ويزيد في اجله ...الخ؟
نبدأ بالحديث عن السمتين القائلتين بانه(ع) الهادي المهدي والسمتين القائلتين القائم المهتدي.
طبيعياً هناك فارق بين ان يقول الدعاء عن الامام(ع) بانه الهادي والمهدي وبين ان يقول الهادي المهدي بدون حرف الواو ... كما ان هناك فرقاً بين ان يقول الدعاء القائم والمهتدي، وبين ان يقول القائم المهتدي، بدون حرف الواو ...
هذه النكات تتصل بمبادئ البلاغة وقارئ الدعاء قد لا يعنيه هذا الجانب لانه في صدد ان يقرأ ويفهم اجمالاً ماذا يقرأ ... ولكن الامر ليس كذلك بالنسبة الى احاديثنا المتصلة بالدعاء لاننا استهدفنا منذ البداية بان نتحدث عن الادعية من حيث مكوناتها الدلالية بعامة ومن ذلك النكات الدقيقة التي تتضمنها الادعية فمثلاً اليس من حق قارئ النص الشرعي قرآناً كان او دعاءً منفصلاً كقوله تعالى: (اعف عنا واغفر لنا) او قوله تعالى: (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا)، نقول: أليس من حق قارئ هذا النص ان يفهم الفارق بين "العفو" و"الصفح" و"المغفرة"؟ اليست جميعاً تتناول مفهوماً هو التجاوز عن الذنب، ولكن لماذا جاء احدها بعبارة "العفو" والثاني بعبارة "الصفح" والثالث بعبارة "المغفرة"؟
ان قارئ النص اذا كان يقرأ بدون وعي او دقة فان قراءته تظل مبتورة بلا ادنى شك... وكلنا نعرف بان المعصومين (عليهم السلام) عندما يقرأون القرآن يتدبرون في معانيه ودقائق دلالاته والمناسبة التي يتلى فيها ...الخ!
اذن على قارئ الدعاء ان ينتبه على هذا الموضوع ومن ثم نعيد السؤال السابق لماذا قال الدعاء عن الامام(ع) بانه "الهادي المهدي" ولم يقل "الهادي" و"المهدي"؟ ولماذا قال الدعاء "القائم المهتدي" ولم يقل "القائم والمهتدي"؟ ...هذا ما نحاول الاجابة عنه الان ...
في تصورنا ان هذه النكات تحتاج الى مزيد من التوضيحات ولعل الاحالة الى القرآن الكريم اولاً، تجعل قارئ الدعاء اكثر تفهماً لهذا الموضوع.
خذ مثلاً قوله تعالى عن المنافقين حيث وصفهم بالوصف الآتي (صم بكم عمي) ... ولكنه عندما وصف الكفار في اليوم الآخر قال:(عمياً وبكماً وصماً)، فهنا نلاحظ بان النص فصل بين العمى والبكم والصم بالواو، بينهما وصل هذه الصفات في النص الاسبق أي بدون الواو ...
هنا، ثمة نكات بلاغية متنوعة لا مجال لتفصيل الحديث عنها، لكن يمكن القول اجمالاً بان المنافق قد طبعه الانحراف الكامل بحيث اطبق عليه، لذلك اصبحت الصفات المذكورة ممتزجة في آن واحد، لكنه بالنسبة الى حشر الكفار في اليوم الآخر نجد ان كل صفة في صدر الكافر عنها فهو اعمى عن النظر الى نعم الآخرة او كما كان في الدنيا فلذلك في الآخرة وهكذا بالنسبة الى الصفتين الاخريين.
اذن ثمة نكات يتعين على قارئ الدعاء ملاحظتها ومنها النكات المتصلة بصفات الهدى وصيغه التي لاحظناها "الهادي المهدي المهتدي" ووصل او فصل صفتين عن الاخرى وهكذا وهو ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
اخيراً نسأله تعالى ان يوفقنا لممارسة مهمتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******