لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من الموضوعات العبادية في مختلف مجالات المعرفة مثل المعرفة العقائدية والاخلاقية ونحوهما، وقد حدثناك عن احد الادعية التي تتضمن مفهومات تربوية وسواها، حيث قدمنا مقاطع متسلسلة من الدعاء وهو دعاء يقرأ بعد زيارة الائمة عليهم السلام وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يجعل قارئ الدعاء بمنأى عن الاخلاق السيئة كالنفاق والكذب والبهت وقول الزور، هذه المفردات من السلوك السلبي ونعني بها النفاق والكذب والبهت وقول الزور، نبدأ بالقاء الاضاءة اليها ونستهل ذلك بالحديث عن ظاهرة النفاق ...
من الواضح ان ظاهرة النفاق من حيث دلالتها العامة تعني ان تسلك الشخصية سلوكين احدهما ظاهر والاخر باطن أي ان الشخصية المنافقة هي التي تتظاهر بسلوك يختلف عن سلوكها التي تستبطنه حقيقة، وهذا كالمنافقين مثلاً في صدر الاسلام ممن يستنبطون الكفر ويظهرون الايمان في زمن رسول الله(ص) مستهدفين من ذلك تحقيق مكاسب شخصية اقتصادية بخاصة، ولكن النفاق في الواقع هو سلوك عام يشمل الازمنة والامكنة والحالات المختلفة يستوي ذلك ان يكون في مجال العقيدة او السياسة او الاقتصاد، وحتى في مجال العلاقات الفردية الصغيرة كالعلاقة الاسرية والصداقة والجوار، او الدراسة والخ.
وما يعنينا الان هو ان نلفت نظر قارئ الدعاء الى السمة المرضية أي الاضطراب النفسي للشخصية المنافقة وهذا ما نبدأ به الان.
المنافق، وهذا ما تجمع عليه العيادات النفسية هو شخصية عصابية تعاني من الاضطرابات النفسية بشكل ملحوظ وسبب ذلك هو التمحور حول الذات أي المصلحة الفردية للشخص، ان الشخصية التي لا تعنى الا بمصلحتها الفردية كما اشرنا في لقاءات سابقة تظل سالكة على ما هو المضطرب من السلوك غير المتوازن فمثلاً الشخصية التي تتطلع الى منصب اجتماعي او الى مكسب اقتصادي او الى امن شخصي غير مصحوب بشدائد الحياة، نجدها وهي مؤمنة نظرياً بالله تعالى تتظاهر بالكفر وبالعلمنة وبالفسق فتماري الكفار والفساق وتشاركهم حتى في السلوك العملي كشرب الخمر مثلاً او الصلاة خلف الفاسق مع انهما محرمان كل ذلك من اجل اشباع بعض حاجاتها كالعيش بامن او برفاهية او حفظ لمنصب اداري.
ان امثلة هذه الشخصيات بالاضافة الى فقدانها لمبادئ الالتزام العبادي نجدها تحيا مضطربة من الزاوية النفسية لانها تتصارع مع ذاتها - ولو لا شعورياً - وذلك لانها تؤمن بشيء وتخالفه في آن واحد، وهذا ما يجعلها متوترة متمزقة مضطربة لا يقر لها قرار كما هو واضح وهذا هو ما يجعلها منتسبة الى الشخصية المريضة كما قلنا. وهذا كله فيما يتصل بالشخصية المنافقة.
ولكن ماذا بالنسبة الى السمات الاخرى التي عرضنا لها ونعني بها الكذب والبهت وقول الزور؟ هذا ما يحتاج الى مزيد من التوضيح ...
قبل ان نحدثك عن هذه السمات السلبية نلفت نظرك الى انها جميعاً تنتسب الى مظهر واحد من السلوك هو السلوك اللفظي أي السلوك المرتبط بالكلام حيث ان السلوك البشري يتفاوت في طبيعته واتجاهاته، فهناك السلوك العملي او الحركي كممارسة الافعال المرتبطة بحركة البدن وهناك السلوك الفكري كالعقائد وهناك السلوك اللفظي كالكلام وهذا نعني به في هذا المقطع من الدعاء حيث ان الكذب والبهتان وقول الزور تنتسب جميعاً الى السلوك اللفظي أي ما ينطق به الانسان من الكلمات وهو امر سنحدثك عنه في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
اما الان فحسبنا ان نتجه الى الله تعالى ونسأله ان يبعدنا عن السلوك السلبي في مختلف انماطه وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******