فالحسين (عليه السلام) هو سبط حبيب الله تعالى، ولا يوجد ابن بنت نبي على وجه البسيطة غيره، وسيد شباب أهل الجنة ، وبجده ختم الله تعالى النبوات والرسالات، فإحياء ذكراه وإقامة العزاء لمصابه انما يعني مؤاساة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والزهراء وسائر أهل البيت (عليهم السلام) وفي نفس الوقت نشر الكلمة الطيبة والحكمة المؤثرة التي تنعش النفوس وتربي الأجيال وتوثق العلاقة بينها وبين صاحب الذكرى أو العزاء، وكان للمنبر الحسيني الدور الفاعل لنشر قضية الحسين (عليه السلام) وثورته والنكسة الكبرى التي وصمت جبين أعداء الحرية .
ومن رواد هذه المنابر وله الفضل الكبير في إيصال الصدى الحسيني إلى أرجاء العالم القارئ عبد الزهرة الكعبي ( رحمه الله )الذي ارتبط أسمة بمقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، ونحن نذكره اليوم في هذه السطور القليلة و يتردد في أسماعنا صوته الدافئ وهو يتلو مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) أو اربعينيته وأحداثها.
من هو عبد الزهراء الكعبي؟
الشيخ عبد الزهراء الكعبي بن فلاح بن عباس بن وادي آل منصور من قبيلة بني كعب الشهيرة. وقد نزحت أسرته من المشخاب واستوطنت كربلاء. وهو رجل عراقي يعد من أشهر خطباء المنبر الحسيني في العراق والدول العربية. وهو أول من أحسن قراءة مقتل الإمام الحسين في يوم العاشر من المحرم وقراءة مسير السبايا في يوم الأربعين.
ولد الشهيد الكعبي في مدينة المشخاب في يوم العشرين من شهر جمادى الآخر عام 1327هـ الموافق 8 يوليو 1909م، في يوم ذكرى مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ولذلك سمي بـ (عبد الزهرة).
نشأ وترعرع في ربوع كربلاء المقدسة بعد أن شد عوده وقوي ساعده دخل معاهد العلم والأدب عند الكتاتيب آنذاك يسمى بـ(الملا) فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم كله وهو في سن مبكر خلال ستة أشهر على يد المرحوم الشيخ محمد السراج في الصحن الحسيني الشريف، وفي علم العروض على يد الشيخ عبد الحسين الحويزي، ثم أصبح من أساتذه الحوزة العلمية الشريفة في كربلاء حيث كان يلقي دروسه في الفقه الإسلامي واللغة العربية وفن الخطابة على عدد من طلبة الحوزة والعلوم الدينية وتولى التدريس في مدرسة الإمام القائم ومدرسة السيد المجدد الشيرازي ومدرسة (باد كوبة) الدينية وغيرها كما درس الأحاديث النبوية وخطب نهج البلاغة.
حضر مباديء العلوم على الحجة الشيخ علي بن فليح الرماحي، ثم درس الفقه والأصول على العلامة الشيخ محمد داود الخطيب، وأخذ المنطق والبلاغة على العلامة الحجة الشيخ جعفر الرشتي.
أما الخطابة فقد أخذها على الخطيبين الجليلين الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري المعروف بـ(الواعظ) وخطيب كربلاء الأوحد الشيخ محسن بن حسن أبو الحب الخفاجي ثم برع فيها واشتهر، وذاع صيته في الآفاق مخلصاً متفانياً في خدمة الإمام الحسين سيد الشهداء .
فكانت له المجالس العامرة بالجماهير من الرجال والنساء والأطفال في مساجد كربلاء وحسينياتها ودورها وأسواقها فضلاً عن مجالسه في مدن العراق الأخرى مثل بغداد والنجف والحلة والدجيل والمشخاب والبصرة والديوانية والشطرة والمجر الكبير والأهواز.
وقد سافر لعدد من الدول العربية من أجل التبليغ بإشارة من مراجع الدين العظام أمثال آية الله السيد محسن الحكيم وآية الله السيد الشيرازي وبعض أهل العلم والفضيلة فذهب إلى مملكة البحرين والقطيف والأحساء وجنوب إيران وغيرها من البلدان خارج العراق. ونال إعجاب المستمعين وتأثرهم بمجالسه، لما له من دور متميز في هذا الفن، فضلاً عن سجاياه الحميدة وطباعه الكريمة التي شهد بها له الصديق والعدو والقريب والبعيد.
كان الشيخ عبد الزهرة الكعبي رحمة الله من الخطباء الذين لهم مقام خاص كم من العيون أبكاها على ابا عبد الله الحسين سيد الشهداء عليه السلام لعله ألاف بل ملايين العيون ولحد الان. كثيرين الذي قرأوا المقتل ولكن لم يتمكن أحد ان يكون بديل له وهذا توفيق من الله تعالى له ….
عَلَما لأهل البيت (عليهم السلام)
لقد كان الشيخ الكعبي علما بارزا من معالم المنبر الحسيني والدعوة إلى طريق الحسين (عليه السلام) ونهجه قلبا وقالبا وعملا، وما قراءة المقتل الحسيني واربعينة الإمام (عليه السلام) ومسير السبايا المعروفة لدى المسلمين والتي شرفه الله تعالى بها حتى اقترن ذكره بذلك، وما هي إلا واحدة من حالات العطاء والتوفيق الإلهي والفيض الحسيني الذي حباه الله تعالى إياه وخصه بالمنزلة الخصيصة والدرجة الرفيعة، ولعل السر في ذلك يعود إلى إخلاص ومثابرة والانقطاع في خدمة المنبر الحسيني والاندكاك في واعية الحسين (عليه السلام) وما جرى في كربلاء على أهل بيت النبوة (صلى الله عليه وآله) من مصائب وآهات.
تجسدت في الشيخ الكعبي (رحمه الله) الكرامة الحسينية بصورتها الجليّة وكان كل شئ فيه يُذكر بالإمام الحسين(عليه السلام) وكربلاء وعاشوراء في العَبرة و العِبرة، فاستحق بذلك ان يكون داعيا لأهل البيت (عليه السلام) ونصرتهم بلسانه وقلبه وقوله وعمله ، واخذ من الخير والعطاء وحسن المثوبة وجميل الذكر ، ذلك لأنه اتصل بالكوثر الذي لا ينفذ والمعين الذي لا ينضب في الدارين محمد وآله الطاهرين.
الصوت الشجي فضلا عن الشمائل النادرة في الأخلاق والطاعة وتهذيب النفس
كان يتمتع الشيخ الكعبي بذلك الصوت الشجي الحزين والبحة الممتزجة بالغصة والأسى، الذي يأسر السامعين وتستدر العبرات وتستمطر الزفرات والآهات حزنا على صاحب المصيبة الراتبة والدمعة الساكبة الحسين الشهيد وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام).
يتنقل بك الشيخ الكعبي من على منبره إلى حيث الدعوة إلى الله تعالى والدفاع عن الثقلين، حتى بذل نفسه الشريفة في سبيل إنعاش الشعائر وأحياء الذكريات الطاهرة، فعاش حميدا وقضى سعيدا، وهو في كل ادوار حياته خادما للرسالة المحمدية ومستشفعا بأهل الرسالة في كل كلمة يقولها أو منبر يصعده أو عمل يقصده، وفي كل مكان يكون فيه إما أن يكون خطيبا أو مرشدا أو ناعيا أو ناشدا.
راح صوت الكعبي يناغم الإسماع والنفوس المحبة لبيت الرسالة (صلى الله عليه وآله) وما أن خرج صوته من فمه إلا رن في مسامع الناس وبيوتها، فحمل صوت الإمام الحسين وصدى الإمام الحسين(عليه السلام) ولنعلم ان الشيخ حمل رسالة الإمام الحسين بكل بسالة وإخلاص وولاء، وكانت خدمة الإمام (عليه السلام) وعاشوراء تملأ عليه كل أركان حياته وجوانبها، فالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم هو دينه وديدنه في نهاره وليله وسره وعلنه، وهذه رسالته السامية التي جند نفسه الطاهرة لأجلها.
المقتل بثوبه الجديد
قد يعد مقتل الشيخ الكعبي (رحمه الله) جزءاً من يوم الحسين(عليه السلام) في كربلاء نشأ معه وبقي بعده وانتقل عبر الأزمنة والأجيال فتشعر وكأن الشيخ واحد من أنصار الحسين، فنجد فيه صلابة الإيمان وعظيم الصبر وقوة الجهاد ، وكما تجد فيه فداحة الخطب وفجيعة المأساة وشجاوة الثكل بالحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، فمقتل الكعبي يعني عاشوراء متجددة في كل يوم وكربلاء متجددة في كل ارض.
ولقد ابتكر الشيخ الكعبي قراءة مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) بثوبه الجديد و اشتهر بقراءته أمام حشود الناس في صبيحة كل يوم عاشوراء من قلب مدينة كربلاء، وكانت قراءة القسم الأول منه يذاع من إذاعة بغداد والاذعات الأخرى، كما انه كان يقرأ القسم الثاني منه في الحسينية الحيدرية يوم العشرين من صفر الذكرى أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام)، وكذلك كانت إذاعة بغداد وإذاعات أخرى تذيع ذلك سنويا.
كما كانت له المجالس العامرة بالجماهير من الرجال والنساء والأطفال في مساجد كربلاء وحسينياتها ودورها وأسواقها فضلا عن مجالسه في مدن بغداد والنجف الاشرف والحلة والدجيل والمشخاب والبصرة والديوانية والشطرة والمجر الكبير وخارج العراق كالبحرين والأهواز والإحساء والقطيف وغيرها.
ولعل سر نجاح الشيخ في قراءة المقتل وخلوده يرجع إلى أمور منها :
1- إن قراءة الكعبي تنطلق من أعماق الولاء والحب الحقيقي والانتماء الصادق للإمام الحسين(عليه السلام)، يصحبه خلوص النية لوجه الله تعالى.
2- يطوف بالأرواح مع الركب الحسيني حيث الحل والارتحال، ثم يوجهها لتلبية داعي الله بعد أن يخوض بهم غمار ساحة المعركة التاريخية الخالدة بين الحق والباطل حيث الإمام الحسين (عليه السلام) يحث الأجيال مناديا عبر التاريخ : هل من ناصر ينصرني.
قبسات من سيرته رحمه الله
شيخنا كان ربعة اقرب إلى الطول اسمر اللون مشرق الوجه بنور الإيمان، عليه سيماء العبادة، سريع الخطوة، نحيف الجسم، كان ينام في اليوم والليل اربع ساعات او خمسا ويكتفي بذلك حرصا منه على وقته وعمره الذي جنده للحق – كان بسيطا جدا ومتواضعا جدا يبذل من نفسه ورعايته لكل احد، ويختلط مع كل احد ويصغي إلى الآخرين ويبتدئهم بالسلام والحديث ويؤثر فيهم بمظهره البسيط وروحه الكبيرة.
– كان يعيش شظف العيش غالبا ويصبر على الضراء ويشكر في السراء، ويسكن في دار قديم صغيرة قبل أن ينتقل إلى أخرى أواخر أعوام حياته. – كان يؤثر الآخرين على نفسه وعياله.
– كان كريما جدا في عطائه لا يعتني بأي مبلغ يحصل عليه. – كان حسينيا في كل شئ ومع كل شئ. – كان ورعا تقيا كثير العبادة والدعاء مثابرا على زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه أبي الفضل العباس – كان فصيحا بليغا أديبا نحويا عروضيا حجة في علوم العربية.
وفاته
كانت الأيام الفاطمية ايام استشهاده مسموما وذلك في الخامس من شهر جمادي الثاني عام 1394هـ – 1974م، كما كانت ولادته في الأيام الفاطمية .
المصدر: الاجتهاد