نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء المقروء بعد زيارة الائمة عليهم السلام بالنسبة الى الزيارة الموسومة بـ الجامعة الكبيرة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا الى مقطع يبدأ بعبارة "اسألك توبة نصوحاً" الى ان يقول وتجعل دمعي غزيراً في طاعتك وعبرتي جارية في التقرب اليك وقلبي عطوفاً على اوليائك، العبارة الاخيرة هي موضوع حديثنا الان حيث اوضحنا في لقاء سابق فلسفة جعل الدمع غزيراً والعبرة جارية من حيث صلاتهما بالممارسة العبادية المتمثلة في البكاء من خشية الله تعالى، وجريان العبرة شوقاً الى الله تعالى.
هنا نحسب بان قارئ الدعاء سوف يكتشف بان الدعاء يهدف الى تدريب الشخصية على ان تنمو لديها النزعة الانسانية أي ليونة القلب بدلاً من قسوته حيث ان المعروف بان القلب القاسي لا يعرف البتة تجربة البكاء او اسالة العبرة شوقاً الى الله تعالى.
كذلك بالنسبة الى علاقة الانسان باخيه حيث ان الدعاء حرص على تربية الشخصية في تليين قلبها حيال الله تعالى من حيث علاقتها بالله تعالى ومن حيث علاقتها بالبشر ايضاً بصفة ان النزعة الانسانية الحقة هي ما تتعامل مع الله تعالى ومع اولياء الله تعالى بقلب لين.
لذلك قابل بين التعامل مع الله تعالى وبين التعامل مع الاخر متمثلاً في اولياء الله تعالى، حيث توسل بان يجعل الله تعالى قلب قارئ الدعاء عطوفاً على اولياء الله تعالى.
والسؤال الآن هو لماذا خص الدعاء اولياء الله تعالى دون سواهم هذا ما نحاول الاجابة عنه الان.
من البين ان قلب الشخصية المؤمنة ينزع الى محبة الآخر حتى لو كان عدواً لله تعالى، ولكن ليس من حيث كونه عدواً بل من حيث عدم توفيقه الى الايمان ولذلك لوحظ ان الحسين عليه السلام بكى على اعدائه لانهم سيخلدون في جهنم بسبب محاربتهم اياه لكن في الآن ذاته فان المعيار هو النزعة الانسانية المقرونة بالتعامل مع الله تعالى أي بما ان الله تعالى هو المعيار في حبنا او بغضنا للاطراف الاخرى لذلك فان الدعاء خصص التوسل بالله تعالى بجعل قلب قارئ الدعاء عطوفاً على اولياء الله تعالى بالدرجة الاولى بصفة ان عطفه على الاعداء بما هم اعداء الله يعني تواصله مع ما يتنافى مع اصل النزعة الانسانية وهي محبة الله تعالى، ونتساءل من جديد كيف نجمع بين النصوص الشرعية النادبة الى مساعدة الآخر حتى لو كان غير ملتزم؟ الجواب هو ثمة فارق بين ان نعطف على شخص وبين ان نساعده فالمساعدة هي تعبير عن النزعة الانسانية العامة وهذا ما لاحظناه مثلاً في توصية الامام علي(ع) الى واليه بمساعدة الاخر حتى لو لم يكن مؤمناً حيث اوضح له بان الانسان اما ان يكون اخاً له في الدين او في الانسانية لذلك نجدد طرح السؤال القائل لماذا فرقت النصوص الشرعية بين العطف على المؤمن دون سواه وبين مساعدة غير المؤمن؟
الجواب هو: ان العطف على اولياء الله تعالى يعني النزعة الحقيقية لمحبة الانسان حيال الله تعالى، أي بما ان الاصل هو الله تعالى حينئذ فان المحبة الاصلية تنحصر في سبيله تعالى، ومن هنا نفهم بان المؤمن يستحق العطف من اخيه المؤمن بسبب مشاركتهما في محبة الله تعالى.
ان معنى العطف هو التواصل الحقيقي أي التعاطف الوجداني الاصيل وهذا ينحصر في الشخصيات المؤمنة لان المعيار كما كررنا هو محبة الله تعالى فحسب.
بعد ذلك يتجه الدعاء الى المقابلة بين ما هو مطلوب من العبد حيال الله تعالى وبين ما يطلبه هو لنفسه وهذا ما جسدته العبارات المتوسلة بالله تعالى بان يصونه تعالى من الشدائد المختلفة حيث يقول النص وتصونني من العاهات والافات والامراض الشديدة والاسقام المزمنة.
ان هذا القسم من التوسل حافل بنكات مختلفة من حيث كونه يشير الى كلمات تبدو وكأنها مترادفة المعنى مثل العاهات والامراض والآفات حيث ان العبارات المتقدمة تشير الى دلالات متشابهة وكذلك عبارة الاسقام حيث تشترك مع الامراض والعاهات والآفات، وكذلك عبارات اخرى سنحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأل الله تعالى ان يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******