نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية في مختلف انماط السلوك ومن ذلك الدعاء الذي يقرأ بعد زيارة الجامعة للائمة عليهم السلام حيث قدمنا مقاطع متسلسلة فيه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى ان يحبب الى قارئ الدعاء عبادته الى ان يقول (وتوفقني لتأديتها كما فرضت وامرت به على سنة رسولك صلواتك عليه وآله ورحمتك وبركاتك، خضوعاً وخشوعاً).
ان هذا المقطع امتداداً لسابقه من حيث تناوله للموضوع العبادي العام أي العمل بمبادئ الله تعالى فبعد ان توسل بالله تعالى بان ينشطنا لها بنحو عام توسل بالله تعالى بان يوفقني لتأديتها كما فرض تعالى وامر به على سنة رسوله(ص)، والسؤال الان هو ماذا نستخلص من العبارتين الواردتين هنا حيث ان العبارة الاولى تشير الى ان يوفقنا الله تعالى بان نؤدي العبادة "كما فرضها" والعبارة الثانية تتوسل بالله تعالى بان نؤديها كما امر بها على سنة رسوله(ص) والسؤال هو ما المقصود من العبارة المأمور بها على الفرض والعبادة المأمور بها على سنة الرسول(ص)؟
الجواب يتطلب مزيداً من التوضيح، عندما يرد نص شرعي يشير الى الفرض واخر يشير الى السنة فان الاحتمالات الواردة في تفسير ذلك تتفاوت من نص الى آخر على المستوى الفقهي في تحديد الحكم الشرعي.
ونحن تبعاً لذلك نشير الى امثلة هذه الاحتمالات حيث ان مصطلح الفرض قد يرد بمعنى الواجب واما السنة فيرد بمعنى المندوب وفي ضوء الاحتمال المذكور من الممكن ان يستخلص قارئ الدعاء ان فقرات الدعاء المذكورة تعني ان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يوفقنا الى ممارسة العبادة بنمطيها الواجب والمندوب مثل اداء الصلاة نمطها الواجب والمندوب ومثل ممارسة الصوم بنمطيه الواجب والمندوب وهكذا سائر الممارسات العبادية حيث ان الاقتصار على الواجب لا يعد عبادة كاملة لذلك ورد في الحديث ان النوافل من الصلاة تكمل ما نقص من الواجب مثلاً وهكذا.
بعد ذلك نواجه عبارات جديدة تقرر بان ممارسة العبادة ينبغي ان تقترن بالخضوع والخشوع.
والسؤال الجديد هو ما المقصود بالخضوع وافتراقه عن الخشوع؟ وهذا ما يتطلب توضيحاً بدوره، الخضوع كما نعرف ذلك جميعاً هو ان يمارس العبد عبادته من خلال تسليمه بان العمل الذي يصدر عن العبد انما هو استجابة للامر من الله تعالى أي الانصياع من العبد لله تعالى وهناك فارق بين ان يمارس العبد عمله وهو منصاع وجدانياً بذلك لانه عبد يخضع لله تعالى وبين ان يقترن عمله باحساس متورم والعياذ بالله تعالى.
وهذا فيما يتصل بمعنى الخضوع حيث ان الخضوع هو تسليم من العبد للسيد، واما ما يتصل بالخشوع فهذا يعني الاخبات مقابل الخضوع الذي يعني الانصياع مطلقاً بينما يعني الاخبات انكسار القلب وبكلمة اكثر وضوحاً، الخضوع هو الانصياع للامر بغض النظر عن اقترانه بانكسار القلب او عدمه بينما الخشوع هو الانكسار أي الانفعال الوجداني او القلبي مع العمل العبادي كما يخشع في الصلاة مثلاً بحيث يرتجف بدنه او يضطرب قلبه خشية وتهيباً لله تعالى.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الدلالات التي رسمت به هذه العبارات الواردة في الدعاء حيث نسأل الباري تعالى ان يوفقنا فعلاً الى ممارسة ما هو الواجب وما هو المندوب بشكل خاضع وخاشع وان نتصاعد بذلك الى النحو المطلوب.
*******