البث المباشر

الخواطر

السبت 10 يوليو 2021 - 18:31 بتوقيت طهران
الخواطر

إذاعة طهران- الأدب الحسيني:


الخاطرة - كما كررنا- تجسد احساساً، أو شعوراً بسيطاً مفرداً تفرضه مواجهة لظاهرة من ظواهر الانسان، أو تفرضه (مقابلة)، أو (مناظرة) أو غيرها من المناسبات... من ذلك، ما سبق أن اشرنا اليه من أن خطيب الخوارج (نافع بن الأزرق) سأل الامام (عليه السلام) بأن يصف له الله تعالى فقال:
«من وضع دينه على القياس، لم يزل الدهر في الالتباس، مائلاً اذا كبا عن المنهاج، ظاعناً بالاعواج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل. يا ابن الأزرق اصف الهي بما وصف به نفسه: لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير مستقصي، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا اله الا هو الكبير المتعال».(٥)
الملاحظ ان هذه الخاطرة قد اعتمدت الفواصل المقفاة بنحو ملحوظ - مع انه (عليه السلام) في صدد العرض لظاهرة تتطلب المنطق الذي يحرص على التعريف والشرح... لكن- كما أكدنا - أن الامام (عليه السلام) يصوغ خطبه ورسائله وخواطره واحاديثه: وفق متطلبات السياق... وبما ان (السائل) خطيب معروف- والخطابة تقترن بالعناية (في احد عناصرها) بالايقاع (ومنه: السجع) حينئذ، فان الامام (عليه السلام) راعى هذا الجانب فأجابه بهذه اللغة المقفاة ‌التي يعنى بها هذا الخطيب السائل... لذلك نجد الامام (عليه السلام) في نص آخر يتحدث فيه عن (التوحيد) ايضاً، اي في نفس الموضوع السابق نجده لا يعتني بالفواصل المقفاة ‌اي: ‌السجع الا عابراً،.... وهذا مثل قوله:
«لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الاحوال، ولا تنزل عليه الاحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته، لأنه ليس له في الاشياء عديل، ولا تدركه العلماء بالبابها...
هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه، ومن الأشياء بائن لا بينونة ‌غائب عنها.. الخ»
.(٦)
اذن، ثمة ملاحظة جديرة بالنظر هي أنه (عليه السلام) يحرص على مراعاة القيم الفنية حرصاً بالغ الشدة بحيث يصوغها وفق متطلبات السياق وليس وفق المعايير الفنية المطلقة: كما لحظنا ذلك في خطبه ورسائله وخواطره... ويمكننا ملاحظة ذلك في سياق آخر هو مقابلته مع معاوية - ومعاوية يعي الكلام الفني: وقد سبق ان لحظنا اعترافه بأن الحسين والهاشميين بعامة هم معدن الفصاحة والبلاغة-، ‌حيث بادر معاوية الى الحسين مخبراً بأنه قتل حجراً وأصحابه وكفنوا وصلي عليهم، فأجابه (عليه السلام):
«اما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم، وقد بلغني وقوعك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب، وايم الله لقد اوترت غير قوسك ورميت غير غرضك، ولقد اطعت امرئاً ما قدم ايمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك... »(۷)
ففي هذا النص لا نجد حتى فقرة واحدة مقفاة مع ان معاوية يعنى بالزخرف اللفظي، لكن بما ان الحسين (عليه السلام) يعي تماماً بأن (فن التعبير) لا ينحصر في قيم ايقاعية وصورية فحسب. بل ان اصابة الهدف وفق لغة استدلالية مفحمة، مشفوعة بعنصر التقابل والتضاد، موشحة بالاشراق اللفظي: هي مسائل يعنى بها معاوية، لذلك قابله بهذه العناصر، وفي مقدمتها كلامه المفحم: «اما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم...» فالمقابلة بين أصحابه (عليه السلام) وأصحاب معاوية، رده بأنه لو ظفر بجماعة معاوية لما كفنهم وصلى عليهم ينطوي على السر الفني الذي بهر الرجل واسكته، لأنه كان يستهدف ايذاءه من جانب واظهار كونه قد راعى بعض الجوانب الانسانية في تكفينهم والصلاة عليهم من جانب آخر،... وحينئذ أجابه (عليه السلام) بكلام مسح عن معاوية صفته الاسلامية والانسانية على حد سواء،.. وهذا هو الفن الذي يحقق فاعليته في اثارة النفوس.
وما لحظناه في الخواطر، وفي الرسائل، وفي الخطب من مراعاة القيم الفنية من خلال السياق الذي يفرض هذه الخصيصة الفنية أو تلك نلحظه في فن آخر هو:

*******


(٥) المجالس السنية: ج ۲، ص ۳۱.
(٦) تحف العقول: ص ۲٤۸-۲٤۹.
(۷) المجالس السنية: ج ۱، ص ۲۹.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة