أدب الامام الحسن (عليه السلام)
الامام الحسن (عليه السلام) مثل سائر المعصومين (عليهم السلام) توفر على النتاج الفني فيما أثر عنه (عليه السلام) من الخطب والرسائل والاحاديث... الخ، بحسب ما يتطلبه الموقف من صياغة خاصة لهذا النمط من النصوص أو ذاك. انه وسائر المعصومين (عليهم السلام) امتداد لشخصية النبي (صلى الله عليه وآله) من حيث كونه قد خلفهم عترة أوصل اليهم ميراث العلم والأدب، كل ما في الأمر أن كل واحد منهم (عليهم السلام) أتيحت له ظروف خاصة في نشر الفكر الاسلامي (ومنه: اللغة الفنية لهذا الفكر) من حيث نسبة النتاج الصادر عنهم (عليهم السلام).
وقد خبر رجال الثقافة الذين عاصروا الائمة (عليهم السلام) - ومنهم الامام الحسن (عليه السلام)- المستوى المتفرد الذي يطبع شخصية الامام (عليه السلام)، حتى ان (الحسن البصري) وهو احد كبار رجال الفكر الذين عرفوا ببراعتهم في علوم الكلام والأدب وسواهما كتب الى الامام الحسن (عليه السلام) طالباً الافادة منه في بعض المسائل الكلامية:
(أما بعد: فانكم معشر بني هاشم: الفلك الجارية واللجج الغامرة والاعلام النيرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون، كتبت اليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في (القدر) وحيرتنا في الاستطاعة فاخبرنا بالذي عليه رايك ورأي آبائك (عليهم السلام) فان من علم الله علمكم وانتم شهداء على الناس والله لشاهد عليكم ذرية بعضها من بعض والله سميع). (۱)
ان هذه الرسالة تعد وثيقة خطيرة كل الخطورة حيث ان كاتبها يعد في نظر المؤرخين أبرز شخصية عرفتها الفترة التي نؤرخ لها وما بعدها من الفترات، بخاصة في مقدرتها الخطابية وفي تخصصها في علم الكلام الذي بدأت معالمه تأخذ بالاتساع في هذا العصر،.. ولذلك حينما يعبر عن حيرته في (القدر) ويطلب من الامام (عليه السلام) المعونة في ذلك، فهذا يعني أن تفرد الامام (عليه السلام) بالمعرفة أمر لم يخف حتى على الاتجاهات الفكرية التي انفصلت عن خط الامام (عليه السلام)... والأهم من ذلك أن (الحسن البصري) أقر بان علم الامام (عليه السلام) وعلم آبائه هو من فيض الله تعالى (فان من علم الله علمكم... الخ)...
ما يعنينا من هذا أن نشير الى أن ريادته (عليه السلام) علمياً امر قد خبره مجتمعه، كما أن مقدرته البلاغية (وهي جزء من المعرفة) أمر قد خبره مجتمعه أيضاً، حتى أن معاوية ذات يوم حاول مقاطعة احدى خطب الامام (عليه السلام) حتى لا يفتن به الجمهور فنياً...، وأولئك جميعاً يكشف عن التفرد الذي يطبع شخصيته (عليه السلام) على المستويات جميعاً...
المهم، - بعد ذلك- ان نعرض لنماذج من النصوص الفنية المأثورة عنه (عليه السلام) وهي نصوص تتراوح بين الخطب والرسائل والخواطر والأحاديث. ونبدأ ذلك بالحديث عن:
*******
(۱) تحف العقول: ص ۲۳۲،۲۳۳.
*******