بسم الله وله الحمد والمجد صريخ المستصرخين ومجيب دعوة المضطرين وأزكى صلوات المصلين على صفوته من العالمين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين أهلاً بكم في لقاء اليوم من برنامجكم هذا ووقفةٍ تأمليةٍ جديدةٍ في دعاء عصرالغيبة الموسوم بدعاء المعرفة، وهو من غرر أدعية أهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام)، وقد ذكر العلماء أنّ له عظيم الأثر في تقوية وترسيخ العقائد الحقة والمعارف الإلهية في القلوب وكذلك تقوية الإرتباط الوجداني بأمام العصر خليفة الله المهدي (أرواحنا فداه) وقد انتهينا - أيها الأحباء- الى مقطعٍ من هذا الدعاء يعلمنا أن نبثَّ شكوانا الى الله عزوجل قائلين: (اللهم إنّا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وشدة الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الأعداء علينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، اللهم ففرج ذلك بفتحٍ منك تعجّله، ونصرٍ منك تعزه، وإمام عدلٍ تظهره، إله الْحَقِّ آمين رَبَّ الْعَالَمِينَ).
تحدثنا في الحلقة السابقة من هذا البرنامج - مستمعينا الأفاضل- عن الآثار والبركات التي يحصل عليها المؤمن من بثِّ شكواه وما يؤذيه الى الله عزوجل، ف الشكوى الى الله في حقيقتها نوع من الدعاء الذي يستمطر به العبد سحاب الرحمة والمعونة الإلهية.
كما أنّ في الشكوى أثراً إيجابياً مهماً في تقوية ارتباط المؤمن بالله جل جلاله لأنّ الإنسان بطبيعته يبثُّ ما يعتلج في صدره من همومٍ الى من يشعر بقربه منه ومحبته له، ولذلك فإنّ الشكوى الى الله عزوجل تقوِّي في قلب المؤمن الإحساس الفطري بقرب الله جل جلاله منه، ولهذا الأمر عظيم الأثر في تقوية حُبِّهِ عزوجل في قلب المؤمن، وكذلك في تقوية شعور المؤمن بحبّ الله عزوجل له، لأن الشكوى تكون لمن يثق المؤمن بحُبِّهِ له.
من هنا نجد في أدعية أهل بيت الرحمة كثيراً من الفقرات التي يعلموننا (عليهم السلام) فيها أن نشكو لله عزوجل همومنا ونبثها إليه، بل نجد في المناجات الخمسة عشر لمولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مناجاة مستقلة اسمها مناجاة الشاكين.
ولا يخفى عليكم - مستمعينا الأفاضل- أنّ الأحاديث الشريفة تـُصرِّحُ بأنّ (من شكا الحاجة الى مؤمنٍ فكأنما شكاها الى الله ومن شكاها الى كافر فكأنما شكا الله)، كما في نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام)، ومثله قول إمامنا الصادق (عليه السلام): (من شكا الى أخيه فقد شكا الى الله ومن شكا الى غيرأخيه فقد شكا الله)، وقوله: (من شكا الى مؤمنٍ فقد شكا الى الله عزوجل ومن شكا الى مخالف فقد شكا الله عزوجل)، وإستناداً الى هذه الأحاديث الشريفة يَتـَّضِحُ أنّ الشكوى من شيء وبثها الى الأخ المؤمن يشترك مع الشكوى الى الله عزوجل في درجاتٍ من الآثار والبركات التي يرجوها الإنسان من الشكوى الى الله عزوجل. وكلما ارتفعت مرتبة المؤمن ووجاهته عند الله جل جلاله ازدادت معها البركات التي يرجوها الإنسان من بثه شكواه، وأسمى هذه البركات تتحصَّلُ من الشكوى الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين )عليهم السلام) فهي أسمى مصاديق الشكوى الى الله عزوجل.
كان ما تقدم - اعزاءنا المستمعين- هو عن أصل الشكوى الى الله عزوجل وأهميتها في التربية الإسلامية، وبعد معرفة أهميتها يثار السؤال التالي: ما الذي نشكوه الى الله عزوجل أو الى أوليائه المقربين وهم (عليهم السلام) أبوابه وينابيع رحمته؟
عندما نراجع نصوص أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) نلاحظ بوضوح أن تعلمنا أن نشكو الى الله عزوجل جميع أشكال الهموم بمختلف مراتبها تماماً مثلما هو الحال مع أصل التوجه إليه عزوجل بالدعاء.
أي أنّ النصوص الشريفة تأمرنا بطلب مختلف أنواع الحاجات من الله عزوجل الصغيرة منها والكبيرة المادية منها والمعنوية، وهذا الأمر يصدق أيضاً على الشكوى الى الله عزوجل.
ومثلما أنّ التوجُّه الى الله عزوجل بالدعاء والطلب منه في مختلف حاجات الإنسان وشؤونه يقوِّي روح العبودية في قلب الإنسان، كذلك الحال مع الشكوى الى الله عزوجل من مختلف ما يشعر به من أذى أو ضعفٍ، فهي تقوِّي أيضاً روح الإفتقار الى الله عزوجل واللجوء إليه والإستعانة به في مواجهة مختلف الهموم، الأمر الذي يقوِّي بالتالي الروح التوحيدية الخالصة في وجود الإنسان.
والى جانب التأكيد على ضرورة اللجوء الى الله عزوجل بالشكوى إليه مما يعتصر القلب بصورة عامة، نجد في أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) إشاراتٍ وتنبيهاتٍ للمؤمنين تعرِّفهم بمراتب ساميةٍ من الهموم الإيمانية التي ينبغي أن تعتصر قلوبهم ويتوجَّهون الى الله بالشكوى منها، فهي همومٌ يؤدِّي كشفها الى انفراج عامٍّ يشمل المجتمع الإنساني كافة ومن أبرز نماذج هذه الهموم هي التي يذكرها المقطع المتقدم من دعاء عصر الغيبة كهموم فقد النبي وغيبة الوليِّ وشِدَّةِ الزمان على الْمُؤْمِنِينَ وكثرة الفتن بهم وتظاهر الأعداء عليهم وهذا ما سنفصل الحديث عنه بمشيئة الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) تقبل الله منكم جميل المتابعة لهذه الحلقة وقد استمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم بكل خير.