بسم الله وله عظيم الحمد جميل الصنع وحسن التدبير أرحم الراحمين، وأزكى صلواته على معادن رحمته الكبرى للعالمين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوة الإيمان، معكم في حلقةٍ أُخرى من برنامجكم هذه، ووقفة تأملية عند الفقرة التالية من دعاء المعرفة الجليل المروي عن مولانا إمام العصر (أرواحنا فداه) حيث يخاطب المؤمن ربه الكريم قائلاً: (اللهم إني أسألك أن تريني وليَّ أمرك ظاهراً نافذ الأمر، مع علمي بأنَّ لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيّة والحول والقوة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر الى وليك صلواتك عليه وآله، ظاهر المقالة واضح الدلالة هادياً من الضَّلالة شافياً من الجَهالة، ...).
هذه الفقرة تقوِّي في قلب المؤمن روح التشوُّق لتعجيل ظهور المنقذ الأكبر مولانا الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ففيها يطلب المؤمن من ربه الجليل أن يريه وليَّ أمر الله ظاهراً أي متغلباً على الظالمين نافذ الأمر أي مبسوط اليد في إجراء الأحكام الإلهية لكي تـَعُمَّ البركات جميع البشرية.
ولكنَّ الدعاء كما تلاحظون مستمعينا الأفاضل يقرن هذا الطلب باستذكار الداعي وإقراره بان لله عزوجل السلطان أي الغلبةوالقدرة والبرهان والحجة والمشيّة والحول والقوة، فما مغزى استذكار هذا الإقرار العقائدي الأصيل هنا؟
في الحلقة السابقة عرضنا أيها الأعزاء، إجابة عن السؤال تنطلق من مفهوم البرهان والحجة وعلمنا أن هذه العبارة تدفع عن المؤمن الوساوس والتشكيلات التي يمكن أن يثيرها الشيطان بشأن طول غيبة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وكأن ذلك مؤثر على أنّ إرادة الظالمين قد غلبت - لا سمح الله - إرادة الله عزوجل. وهذه الوساوس يدفعها أنَّ مشيئة الله عزوجل هي التي أمهَلَتِ الظالمين دون أن تـُهمِلَهُم وذلك لكي تـُتِمَّ الحجة على البشرية جمعاء بأنّ الحكم الإلهيَّ المحمديَّ العلويَّ الذي يمثلهُ خاتم الأوصياء المهدي هو وحده القادر على إنقاذ البشرية من أزماتها وإقامة العدل الحقيقي والسعادة في كل الإرض، فإذا تمّت الحجةمن خلال تجربة البشرية للتيارات الأخرى استعدَّت لاستقبال المهدي والاستجابة لدعوته الإصلاحية الشاملة (سلام الله عليه).
مستمعينا الافاضل، وثمة هدف آخر يحققه استذكار الصفات الإلهية المذكوره في هذه العبارة وهو تقوية الأمل في قلب المؤمن فلا يتأثر سلباً بانتشار الظلم والجور وسيطرته على جميع نواحي الحياة المعاصرة وبأبشع الصور الظاهرة والخفية بمعنى أن لا يبعث امتلاء الأرض ظلماً وجوراً اليأس في قلبه من إمكانية الإصلاح إذ أن الله عزوجل السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة والحول والقوة، فهو عزوجل قادرٌ على أن يسيِّر اتجاهَ الحوادث باتجاهٍ يُسَرِّعُ في إتمام حجته على البشرية وبالتالي إستعدادُها لاستقبال وليه المهدي وبالتالي يُسَرِّعُ في ظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
أيها الأخوة والأخوات، وفي العبارة التالية يعلمنا إمام زماننا مولانا بقية الله (أرواحنا فداه) أن لا ننسى سائر المؤمنين ونحن نطلب من الله عزوجل هذه النعمة العظيمة وهي إدراك الظهور المهدوي المبارك، أي يعلمنا أن يطلب المؤمن هذه النعمة للمؤمنين أيضاً فيقول: (اللهم فأفعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر الى وليك صلوات الله ظاهر المقالة واضح الدلالة هادياً من الضلالة شافياً من الجهالة، ...)، وهنا يطلب الداعي أن ينظر هو والمؤمنون لمولاهم إمام العصر (عجل الله فرجه) في أربع حالات أولها أن يروه ظاهر المقالة، فما المقصود من هذا الوصف؟
هذا الوصف مستلهمٌ من الوصف القرآني لوعد الله عزوجل بأن يظهر دينه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، أي أن يكون دينه الحق هو الظاهر في الأحقية على كل الأديان. وعليه يكون معنى طلبنا أن نرى مولانا المهدي ظاهر المقالة، أن نراه وقوله غالبٌ واضح الأحقية على كل قول، أما معنى الأوصاف الثلاثة الأخرى فهو أن نراه (عليه السلام) واضحاً في الدلالة والهداية الى الحق فلا تداخل نفوسنا الشبهات والشكوك تجاه قوله، ولا يعترض سبيل الاهتداء بقوله من الضلالة والاستشفاء به من الجهالة شيء.
مستمعينا الأعزاء، وكل ما تقدم هو على أساس أن نفهم معنى رؤيته ظاهراً نافذ الأمر بمعنى ظهوره العام وبدء حركته الإصلاحية الكبرى وقيام دولته العالمية العادلة، ولكن ثمة فهمٌ أهمُّ بكثير لهذا الطلب يقوم على أساس رؤيته ظاهراً نافذ الأمر حتى في عصرغيبته (عجل الله فرجه)، وهذا ما يسمِّيهِ أهل المعرفة بالظهور الخاص الذي هو الأمنية الأهمُّ لأنصاره (عجل الله فرجه). فما هو معنى هذا الظهور الخاص؟
الإجابة عن هذا السؤال المهم ستجدونها إن شاء الله في الحلقة المقبلة من برنامج (ينابيع الرحمة)، فكونوا معنا مشكورين وتقبلوا منا خالص الشكر على جميل الاستماع لهذه الحلقة، دمتم بكل خير.