لانزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث انتهينا من ذلك الي مقطع جديد بدأ بالنحو التالي: (اللهم لا تجعله آخر شَهْرُ رَمَضَانَ صمته لك، وارزقني العود فيه ثم العود فيه حتي ترضي وبعد الرضا، وحتي تخرجني من الدنيا وانت عني راض، وانا لك مرضي)، هذا المقطع من الدعاء من المقاطع الحافلة بطرافة الدلالة وعمقها ونكاتها الجديرة بالذكر انها تتضمن التكرار وتتضمن النكات المرتبطة بتنوع موضوعات التكرار وادواته، اذن لنتحدث.
يتضمن مقطع الدعاء موضوعين، احدهما: التوفيق لصيام شَهْرُ رَمَضَانَ مرة بعد اخري، ثم موضوع: رضاه تعالي عن القارئ للدعاء، والجدير بالذكر ان كلاً من هذين الموضوعين حافلان بنكات نبدأ بتوضيحها، بالنسبة الي صوم رمضان لاحقاً نلاحظ انه يتضمن جملة نكات منها عبارة: (لا تجعله اخر شَهْرُ رَمَضَانَ صمته لك) وعبارة (ارزقني العود فيه) ثم تكرار العبارة انها (ثم العود فيها)، ان عنصر التكرار من الاعمال الادبية له أهميته في توكيد المضمون ولذلك عندما يكرر مقطع الدعاء: (ارزقني العود فيه) انما لايؤكد اهمية العودة فحسب، بل أهمية عدد العودات فيه، اي: توالي رمضانات متعددة بطول عمر الانسان، وهذا المعنى يؤكده عنصر التكرار ثم الكلمة التي يختم بها مفهوم العودة بعبارة (حتى ترضى)، وهذا يعني: ان رضا تعالى يتحقق بتمامية ما يصوبه القارئ للدعاء حتي يتحقق اثر الصيام المفضي الي رضاه تعالي، وهو المطلوب.
الموضوع الثاني من المقطع هو: رضاه تعالى، ويلاحظ ان الحديث عن رضاه تعالي يكتسب ايضاً نفس اهمية التكرار، وهذا ما نبدأ بتوضيحه. اننا نلفت نظرك، الي جملة نكات في هذا الميدان، منها: ان الدعاء يقرر اولاً هذه العبارة: (حتى ترضى)، ثم يكرر مفهوم الرضا ولكن بدلالة جديدة هي عبارة: (وبعد الرضا)، هنا قد يتساءل قارئ الدعاء فيقول: ما معني قوله (بعد الرضا) اذا فهمنا ان المطلوب هو رضاه تعالي، ولكن ما معني (بعد رضاه) ايضاً؟
الجواب: ما (بعد الرضا) يعني: اقصي ما نطمح اليه من انجاز العمل العبادي ومن ثم اقصي ما نطمح اليه من رضاه تعالي عن ذلك اي: الرضا في اقصي درجاته.
يبقى من موضوع يرتبط بما نحن فيه من حيث الرضا، ولكنه له استقلالية ايضاً، الا وهو استمرارية رضاه تعالي، اي التوفيق لصيام شَهْرُ رَمَضَانَ في سنوات عمر الانسان المقبلة الي الموت وهذا ما عبرت عنه الكلمات الاتية: (حتي تخرجني من الدنيا، وانت عني راض، وانا لك مرضي). ان هذه الفقرة من الدعاء تحفل بامور مهمة، منها: ان نمط الدعاء يوحي بكلام غير مباشر بان ما نطمح اليه طول العمر لان التعبير مكرراً عن العودة يوحي بهذا المعنى، وايضاً عبارة: (حتي تخرجني من الدنيا وانت راض)، هنا بالاضافة الي ماتقدم نجد نكتة دلالية هي: العبارة الاخيرة من المقطع، وهي: (وانا لك مرضي)، ان هذه العبارة تؤكد ما سبق من الطرح المتكرر من حيث التوفيق الي اكبر عدد ممكن من صيام رمضان في السنوات اللاحقة من العمر، وتؤكد منتهى ما نطمح اليه من رضاه تعالى بل اقصى رضاه: كما لاحظنا قبل قليل، ولعل عبارة وما بعد الرضا تتساوق مع عبارة: (وانا لك مرضي) لان المرضي عادة له مقامه عند الله تعالي.
ختاماً نسأله تعالي ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******