بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أراد بعباده اليسر ولم يرد بهم العسر، والصلاة والسلام على ينابيع رحمته الذين هدوا عباده الى شريعته السمحاء سيد الأنبياء وآله الأصفياء.
السلام عليكم مستمعينا الأطياب، طابت أوقاتكم بكل ما تحبونه مما يرضاه الله أهلاً بكم في لقاء جديد من هذا البرنامج نتعرف فيه على المعنى الثاني من معاني العسر الذي أمرنا حبيبنا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الأطهار) بأن نستعيذ بالله عزوجل منه لأنه من العوامل التي توقع الانسان في شقاء الدنيا والآخرة؛ كما يشير لذلك المقطع الختامي من دعاء الحجب المبارك، نتبرك أولاً بتلاوته إقتداءً بالحبيب المصطفى وهو ناجى ربه الجليل مقسماً عليه بأعز أسمائه الحسنى قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
أيها الافاضل، عرفنا في الحلقة السابقة ان المعنى الأول للعسر الذي نطلب من الله عزوجل أن يصرفه عنا وعن من يهمنا أمره وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ هو الضيق والشدة والصعوبات الناتجة من الذنوب والمعاصي وسوء العمل بالاحكام الشرعية بسبب أخذها من غير باب مدينة العلم المحمدية وهم الأئمة المضلون الذين يحرفون الاحكام بما تجلب الانسان العسر بدلاً من اليسر الذي يريده الله لعباده.
أما المعنى الثاني للعسر فهو يرتبط بتعامل الانسان مع عباد الله عزوجل ويكون مصداقه التعامل بشدة بعيداً عن التسامح مع الناس.
ولهذا الخلق آثارٌ سيئة فهو يؤدي الى الإبتعاد عن أصل الفضل وأصل الإحسان في التعامل مع الناس، وهما الأصلان الرئيسان اللذان امر بهما القرآن الكريم واعتبرهما ركنا التعامل فيما بين المؤمنين.
قال عز من قائل في الآية ۲۳۷ من سورة البقرة: «وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، وقال في الآية ۲۲ من سورة النور: «وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
وقال تبارك وتعالى في الآية التسعين من سورة النحل: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».
من هنا فقد صرحت الاحاديث الشريفة بأن العسر بمعنى الشدة في التعامل مع خلق الله ليس من أخلاق الايمان ولا تجتمع معه، روي في كتاب المحاسن عن امامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (ستة لا تكون في مؤمن: العسر والنكد واللجاجة والكذب والحسد والبغي)، ومعنى العسر هنا هو الشدة في التعامل مع الناس، أما النكد فهو العسر مقرون بالخشونة في التعامل.
وهذا من أخلاق اللؤماء وهو سبب لفساد الأخلاق ونفرة الناس عن صاحبه وابتعادهم عنه، فقد جاء في كتاب (عيون الحكم للواسطي) عن الامام علي (عليه السلام) قال: (العسر لؤمٌ ... يشين الأخلاق ويوحش الرفاق) ، وقال: (العسر شؤم يفسد الأخلاق).
وواضحٌ ان مثل هذا الخلق ينغص على الناس الحياة الطيبة ولذلك يهدينا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الاطهار) الى الطلب من الله والاستعانة به عزوجل للتطهر منه ويكون ذلك بالتدبر في آثاره السيئة وترويض النفس على اجتنابه والتحلي بأصلي الفضل والإحسان في التعامل مع الناس والتزام عرى العفو والتسامح والرفق واللين في معاملة الآخرين.
أيها الأخوة والأخوات، ويستفاد من النصوص الشريفة معنى ثالث للعسر الذي ينبغي الاستعاذة بالله عزوجل للنجاة منه، وهو ما يصدق على انواع البلاء التي تسبب للإنسان الضيق والشدة كالمرض والفقر وما يمنع من أداء الفرائض والعبادة وأداء حقوق الآخرين، وهذا المعنى هو المشار اليه في قوله عزوجل: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
وواجب المؤمن في هذا النوع من العسر هو الصبر والرضا مع طلب أن يصرفه الله عنه، فقد روي في كتاب تحف العقول عن مولى الموحدين الامام علي (عليه السلام) قال: (حق الله في العسر الرضا والصبر وحقه في اليسر الحمد والشكر).
والى جانب ذلك علمنا أئمة العترة المحمدية )عليهم السلام( أن نتوسل الى الله عزوجل لصرف هذا النوع من العسر ومن هذه الوسائل الصلاة المعروفة بصلاة العسر المنقولة في كتاب (مكارم الاخلاق) للشيخ الطبرسي عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) وهي من العبادات المجرية في سرعة دفعها للعسر، جاء في كيفية هذه الصلاة كما في كتاب (مكارم الاخلاق)، قال: عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: إذا عسر عليك أمرٌ فصل عند الزوال ركعتين تقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِيناً، الى قوله عزوجل: وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً، وفي الثانيه فاتحة الكتاب وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وأَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)، قال الطبرسي: وقد جرب، يعني في تحقق آثار هذه الصلاة المباركة.
نشكر لكم مستمعينا الأطياب طيب الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمه) قد مناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران دمتم بأطيب الأوقات وفي أمان الله.