بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد على هدايته لأعلام صراطه المستقيم حبيبه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين صلواته وبركاته وتحياته عليهم أجمعين.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته لكم منا أطيب تحية نهديها في مطلع لقاء اليوم في رحاب أدعية أهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام) ومنها دعاء الحجب الشريف الذي هدانا الى التوجه به الى الله عزوجل حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله)، نتابع التدبر في مقطعه الختامي الذي يعرفنا بالعوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة حيث نقسم على الله بعزة أعز أسمائه ان يصرفها عنا فنقتدي بسيد الرسل (صلى الله عليه وآله) وهو يخاطب ربه الجليل قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
إنتهى بنا الحديث –أيها الاخوة والاخوات- الى العامل السادس عشر من العوامل السالبة للحياة الطيبة وهو عامل العسر، فما هو معناه؟ وكيف نتطهر منه؟
المستفاد مما ورد في كتب اللغة - كما جاء في كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم- أن العسر هو ما يقابل اليسر، مشتملاً على الصعوبة والشدة والضيق سواءً كانت مصاديقها مادية أو معنوية، فالفقر مثلاً يكون عسراً اذا اقترن بالصعوبة والضيق وقد يكون الغنى عسراً إذا اقترن بالضيق والمشقة.
وقد صرحت النصوص الشريفة بأن الاحكام الشرعية تنصب في تحقيق اليسر للانسان وابعاد العسر عنه، قال الله تبارك وتعالى في الآية ۱۸٥ بعد ذكر وجوب صوم شهر رمضان: «وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
وقال عز من قائل في الآية السابعة من سورة الطلاق: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً».
كما أمر عزوجل عباده المؤمنين بأنظار المدين المعسر أي غير القادر على أداء دينه وحرّم التشديد عليه في ذلك الى أن يتيسر عليه قضاء دينه وإضافة لذلك فان جميع الاحكام الشرعية تهدف الى ابعاد العسر عن حياة الانسان في الآخرين كما تصرح بذلك كثيرٌ من الآيات الكريمة المتحدثة عن العسر الذي يواجه مستقبل الكافرين في الحياة الآخرة أعاذنا الله واياكم من ذلك.
ايها الاكارم، وعلى ضوء هذا المعنى من معاني (العسر) يتضح لنا مستمعينا الافاضل ان مصداق التطهر من العسر بهذا المعنى هو اجتناب مخالفة الاحكام الشرعية والقيم الالهية والاستعانة بالله عزوجل للإلتزام بأوامره والتورع عن المعاصي وجميع اشكال الذنوب ومراتبها.
والى هذا المعنى يشير مولانا الامام علي (عليه السلام) في مقدمة الدعاء العظيم المشهور بأسم راويه كميل بن زياد (رضوان الله عليه) وهو يستغفر من انواع الذنوب مبيناً آثارها في ايقاع الانسان في مشاق العسر، ويشير اليه كذلك في الفقرة (٥۷) من الاستغفارات السبعين في دعائه المبارك في طلب المغفرة المنقول في الصحيفة العلويه حيث يقول )صلوات الله عليه(: (اللهم وأستغفرك لكل ذنب يدعو الى الكفر ويطيل الفكر ويورث الفقر ويجلب العسر، فصل على محمد وآل محمد وإغفرلي يا أرحم الراحمين).
أيها الأخوة والأخوات، وكمال التطهر من العسر بمعنى الالتزام بالقيم الالهية والاحكام الشرعية انما يتحقق بأخذها من منابعها النقية، إذ ان من المشهود أن أدعياء المعرفة لدين الحق يقدمون للناس نسخاً محرفة للأحكام الشرعية تسبب لهم العسر بدلاً من اليسر.
وهذا مستمعينا الافاضل ما روي عن الامام الباقر (عليه السلام) في عدد من مصادرنا المعتبرة مثل تفسير العياشي وتفسير فرات الكوفي والمناقب وكتاب المحاسن وغيرها فقد قال (عليه السلام) في تفسير قوله عزوجل: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، قال: (اليسر الولاية، والعسر الخلاف وموالاه أعداء الله).
وقال (عليه السلام) في رواية تفسير العياشي: (اليسر عليٌ (عليه السلام) وفلان وفلان هم العسر، فمن كان من ولد آدم لم يدخل في ولاية فلان وفلان)، والمقصود بفلان وفلان أئمة الضلالة، ومعنى (من كان من ولد آدم) هو من التزم بنهج الأنبياء (عليهم السلام)، ومثل هذا لا يأخذ دينه الا من أولياء الله الصادقين وهم (صلوات الله عليهم) الورثة الحقيقيين للأنبياء.
أيها الأطائب، إذن نخلص الى أن المصداق الأول للتظهر من عامل (العسر) الذي ينغص الحياة الطيبة هو الأخذ للدين الحق من ينابيعه النقية واجتناب الائمة المضلين ممن لم يأمر الله بطاعتهم، ثم العمل بذلك وإجتناب أي نقض له.
وللعسر معنى ثان ورد ذكره في النصوص الشريفة نتناوله بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة). نشكر لكم طيب الأصغاء ولكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات، في أمان الله.