بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد على توفيق التمسك بثقلي هدايته ونبعي رحمته كتابه النازل بالأمن والسلام وأهل بيت نبيه المبعوث رحمة للأنام محمد المختار صلى الله عليه وآله الأطهار.
السلام عليكم أيها الاحبة، معكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نستكمل فيها بعون الله الحديث عما هدتنا اليه النصوص الشريفة من سبل ضبط الغضب في اطار الحق ورضا الله تبارك وتعالى، بعد أن علمنا أن الانسياق للغضب من العوامل التي تستجلب الغضب الالهي وتحرم الانسان من سعادة الدارين، كما اشار لذلك حبيبنا النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف، وهو: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاطائب، من اهم العوامل لمعالجة الغضب وضبطه هو ذكر الله عزوجل والاستغفار عند تأجج ناره، فقد روي في كتاب الكافي وغيره عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم إذكرني حين تغضب أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت بمظلمة فأرض بأنتصاري لك، فإن انتصاري لك خبرٌ من انتصارك لنفسك).
ويمكن ذكر الله بأي ما يحضر الانسان في تلك الحالة من عبارات الاستغفار أو لا حول ولا قوة الا بالله او الدعاء بصرف العواقب السيئة للغضب، وأفضلها ان يدعو بما روي لتلك الحالة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ان يقول: (اللهم رب النبي محمد إغفرلي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن).
او ان يكرر هذا المقطع من دعاء الامام السجاد في الاستعاذة من المكاره وسئ الاخلاق ومذام الفعال وهو قوله (عليه السلام): (اللهم اني اعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب).
كما ان الاستعاذة بالله من شر الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ من العوامل المؤثرة في ضبط الغضب، ففي البحار ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بان يقال عند الغضب: «اعوذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
وقد روي في كتاب الخصال عن الامام الباقر (عليه السلام) ان الشيطان أقرب ما يكون من العبد في حالات ثلاث احداهن اذا غضب، وقد نقلنا في الحلقات السابقة قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (واحذر الغضب، فانه جندٌ عظيمٌ من جنود إبليس).
أيها الاخوة والاخوات، كما ان من العوامل المؤثرة في السيطرة على الغضب هو أن يغير الانسان حالته التي هو عليها عند الغضب كان يجلس اذا كان قائماً او يضطجع اذا كان جالساً او يقوم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ كما في البحار: (ان الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ... فإن وجد أحدكم من ذلك شيئاً فان كان قائماً فليجلس وان كان جالساً فلينم).
واذا الغضب من ذي رحم دنا منه ومسه لأن الرحم تبرد الغضب كما ورد في حديث نقلناه في حلقة سابقة عن الامام الباقر (عليه السلام): ومن هذه الوسائل أيضاً التزام الصمت عن غير ذكر الله عند الغضب، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (اذا غضبت فأسكت)، ومنها المبادرة الى الوضوء أو غسل الوجه واليدين بالماء، فقد روي في الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إذا غضب أحدكم فليتوضا وليغتسل فإن الغضب من النار)، وقال: (ان الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وانما يطفئ النار الماء، فاذا غضب أحدكم فليتوضأ).
ومن المفيد أيضاً شرب الماء فهو يسكن الغضب، فقد روي في كتاب المحاسن والكافي عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قال: (وما بأسٌ بالماء؟ وهو يدير الطعام في المعدة ويسكن الغضب ويزيد في اللب ويطفئ المرار).
كما ان من الامور المهمة للسيطرة على الغضب الامتناع عن فعل شيء إلا بعد أن تسكن حالة الغضب حتى لو كان بنية التأديب، فقد روي في كتاب المحاسن (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الأدب - أي التأديب- عند الغضب).
ولعل السر في ذلك هو تحري مزيد الاحتياط لكي لا يتجاوز المؤدب حد التأديب المشروع واللازم تأثراً بمشاعر الغضب؛ ولذلك اهتم أئمة العترة المحمدية بتنبيه المؤمنين الى هذا الامر في كثير من مفردات سيرتهم، فمثلاً نلاحظ ان الامام زين العابدين (عليه السلام) ورغم كونه معصوماً لا يتجاوز حدود التأديب الشرعية ولا يكون تأديبه لأحد الا ابتغاء مرضاة الله، الا انه نجد يتخذ موقفاً تعليمياً عظيماً في الدعوة للاحتياط عن التأديب اثناء الغضب لان الآخرين لا يطيقون ما يطيقه في التزام حدود الشرع في التأديب اثناء الغضب، وهذا ما نلمحه فيما روي في أصل جعفر بن محمد الحضرمي عن جابر الجعفي قال: (ان علي بن الحسين (عليه السلام) استأجر أجيراً فوجد عليه في شيء - أي صدر من الأجير عملٌ قبيحٌ أثار غضبه- فضربه، فلما سكن عنه الغضب أتاه فقال له: اضربني، فابي عليه - أي ان الاجير أبى ان يضربه اقراراً منه بأنه كان مستحقاً لذلك التأديب-، فأفتدى (عليه السلام) منه ضربه بأربعين ديناراً)، اي اعطاه اربعين ديناراً عوضاً عن تلك الضربة التأديبية لانها صدرت في حال الغضب، وقد فعل (عليه السلام) ذلك لكي يتأسى به الأخرون فيمتنعون عن التأديب في حال الغضب.
كما أن استذكار الوصايا النبوية من العوامل المهمة لضبط الغضب، فقد روي في كتاب الكافي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله علمني.
قال: إذهب ولا تغضب.
فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى الى أهله فإذا بين قومه حربٌ قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه، ثم قام معهم، ثم ذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تغضب، فرمى السلاح ثم جاء يمشي الى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا هؤلاء، ما كانت لكم من جراحة او قتل او ضرب ليس فيه أثرٌ فعلي في مالي، انا أو فيكموه.
فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم.
قال الصادق (عليه السلام): فإصطلح القوم، وذهب الغضب.
شكراً لكم أيها الاطائب على طيب الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى لقائنا المقبل دمتم بكل خير.