ولهذا أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في أوائل شهر مايو 2019، بياناً يفيد بأنها سوف تستغني عن الموظفين "غير الضروريين" في سفارتها ببغداد وقنصليتها في "أربيل".
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية، أن واشنطن قرّرت سحب بعض موظفي سفارتها في بغداد خوفاً من تسريب معلومات جديدة تتعلق باتصالاتهم مع العملاء الآخرين في العراق، إضافة إلى أن التخطيط للمجيء لعناصر مخابراتية لبدء خطة جديدة داخل العراق، وأوضحت تلك المصادر بأن الحكومة المركزية العراقية لا تملك سلطة على سفارة واشنطن في بغداد، خاصة أن الإدارة الأمريكية تعدّ نفسها صاحبة السلطة على العراق بعد احتلاله عام 2003، ما يجعلها ترفض منح المعلومات للحكومة العراقية عن عدد موظفيها وماهية عملهم داخل السفارة.
لذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا قرّر البيت الأبيض استبدال الدبلوماسيين بقوات أمنية واستخباراتية في هذه الفترة الزمنية؟
الفرار من فضيحة التجسس وإبعاد الأنظار عن واشنطن
كشفت العديد من المصادر الإخبارية عن تسجيل صوتي مسرّب لمحادثة هاتفية بين قائد عمليات الأنبار اللواء الركن "محمود خلف الفلاحي" وعميل للاستخبارات الأمريكية CIA عراقي الجنسية.
ويظهر في التسجيل مطالبة عنصر الـ CIA قائد عمليات الأنبار، تزويده بإحداثيات مواقع الجيش العراقي والقوى الأمنية والحشد الشعبي وفصائل المقاومة، مشدداً وبالاسم على مواقع كتائب حزب الله في القائم بشكل خاص، وفي قاطع عملياته بصورة عامة.
كما جاء في التسجيل، أنه تم تنفيذ هجمات من قبل سلاح الجو الأمريكي والصهيوني ضد القوات الأمنية الموجودة في تلك المناطق، فضلاً عن قصف مواقع فصائل المقاومة بمختلف تصنيفاتها.
إن قيام أمريكا بالاستعانة بقائد عسكري كبير للقيام بعملية التجسس ضد قوات الحشد الشعبي العراقية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن واشنطن فشلت ولم تتمكن من السيطرة على الشؤون السياسية، والحكم في العراق، وأن قادة البيت الأبيض يسعون جاهدين إلى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في بغداد ولقد ركّزت الحكومة الأمريكية منذ تولّي الرئيس "ترامب" زمام الأمور في البيت الأبيض على منطقها الاقتصادي والأمني في منطقة غرب آسيا، ولهذا فلقد بذلت الكثير من الجهود للسيطرة على العراق، لكن التطورات الميدانية كشفت بأن واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في بغداد وأربيل، ولهذا فلقد لجأت إلى سياسة التجسس الحقيرة على قوات المقاومة.
نتيجة لذلك، يبدو الآن أن واشنطن تخطط استبدال معظم دبلوماسييها في العراق بقوات أمنية واستخباراتية جديدة وذلك من أجل التستر على الفضيحة السابقة، وخوفاً من فضح الجواسيس الذين يعملون تحت المظلة الأمريكية ويتحركون بسرية تامة داخل العراق.
من ناحية أخرى، يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية خلصت إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين لا يمكنهم تنفيذ الخطط والبرامج الأمريكية داخل العراق بشكل جيد، ومن الممكن أن يكشفوا عن الكثير من المعلومات أثناء قيامهم بعمليات التجسس.
لذلك، فإن تعيين عناصر أمنية واستخباراتية خضعت في الماضي لدورات تجسس متعددة، سيكون خياراً فعّالاً في مضي واشنطن قدماً في خططها غير المشروعة ومواصلة التجسس على العراق.
خفض عدد الأمريكيين في العراق
يكمن العامل الآخر وراء قرار أمريكا باستبدال موظفي سفارتها وقنصليتها في أربيل وبغداد، يرجع إلى انخفاض شعبية الأمريكيين في العراق، خاصة بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي وقيام تلك القوات الأمريكية بالتدخل في الشؤون العراقية.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن جزءاً كبيراً من التيارات السياسية في العراق، تبذل الكثير من الجهود لإقناع البرلمان العراقي بالموافقة على قانون لطرد القوات العسكرية الأجنبية من البلاد، والغرض الرئيس منها هو جيش أمريكا وهنا تعتقد التيارات السياسية العراقية بأنه ينبغي على الحكومة العراقية أن تفرض قيوداً على أنشطة القوات الأمريكية داخل العراق، وحتى إذا لزم الأمر، يجب على الحكومة طرد جميع تلك القوات العسكرية.
ولكن على الرغم من حقيقة أن الشعب العراقي يعارض استمرار الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، فإن طرد الجيش الأمريكي يواجه بعض المشكلات، والحقيقة أن الأمريكيين يمتلكون في الوقت الحالي 10 قواعد عسكرية في العراق، ويخططون أيضاً لبناء قواعد جديدة.
من ناحية أخرى، تجد حكومة "دونالد ترامب" أن قواتها العسكرية المتمركزة في العراق قد تقع في خطر، خاصة بعدما فرضت الكثير من العقوبات الاقتصادية على طهران خلال الأشهر الأخيرة، لأن واشنطن تدرك حقيقة أن طهران لديها عدد كبير من المؤيدين على المستوى الاقليمية، ويمكن لقوات المقاومة المسلحة الموجودة بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق أن تشكل تهديدات خطيرة ضد قواتها العسكرية والدبلوماسية.
المصدر: الوقت