خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم
يسرنا أن نلتقيكم من جديد عبر حلقه اخرى من برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد حيث الكلمة الطيبة والإيقاع الشعري الساحر والروعة في الصورة والمضمون فيما جالت به قرائح الشعراء على مر الأجيال والعصور في لحظات تجاربهم الصادقة وفوران عواطفهم واحاسيسهم وندعوكم مستميعنا الكرام في هذه الدقائق الى متابعتنا في لقاءنا لهذا الأسبوع من سير القصائد، رافقونا مشكورين.
المحاورة: اخواتنا الكرام محبي الأدب متذوقي الشعر إخترنا لكم في حلقة هذا الأسبوع قصيدة الشاعر الأندلسي الشهير إبن زيدون الذي عرف برقة الأسلوب وصور الخيال الشعرية الجميلة خاصة في أشعاره الغزلية التي تقف في مقدمتها قصيدته الشهيرة التي يبدأها بقوله:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقايانا تجافينا
فمن منا لاتنتهي الى أسماعه هذه القصيدة الرائعة التي تكاد تتقطر رقة وحلاوة في الألفاظ والصور؟ ومن منا لايُسحر بطرافتها وطراوتها؟ ومن منا لم يترنم بأبياتها وألفاظها؟ إنها قصيدة تمثل واحدة من اروع ما انجبته مخيلة الشعراء في مجال الغزل العفيف الذي عبر الشاعر من خلاله عن حرقة الفراق ولوعة الهجران وإكتواء المحب بنار البعد عن الحبيب. هذه المعاني وغيرها مستمعينا الكرام سيحدثنا عنها ضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان، دكتور اهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: في البداية نحييكم بتحية الاسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى الأخوة المستمعين
المحاورة: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم دكتور وشكراً لحضوركم وتخصيصكم هذا الوقت للحديث عن أعلام الشعر الحديث وآثارهم الخالدة ومن بينهم بالطبع الشاعر الأندلسي الشهير إبن زيدون، نرجو دكتور أن تسلط الأضواء عبر هذه الدقائق القليلة المخصصة في هذا اللقاء على شخصية الشاعر ومكانته وأسلوبه وخاصة على صعيد أشعاره الغزلية.
الشحمان: إن شاء الله على الرحب والسعة. في البداية نقول إن الشاعر الأندلسي الشهير إبن زيدون هو احمد بن عبد الله بن زيد المخزومي يعني ينتمي الى فرع بني المخزوم الذين ينتمون بدورهم الى قبيلة قريش وكان يُكنى بأبي الوليد. ولد هذا الشاعر في القرن الرابع الهجري في منطقة تدعى الرصافة من ضواحي مدينة قرطبة الأندلسية، هذه المدينة التي إتخذها عبد الرحمن الداخل مقراً لحكمه وكانت معروفة بجمالها، إتخذها متنزهاً له ومقراً لحكمه ونقل لها الكثير من النباتات والأشجار النادرة وكانت تجري فيها الجداول الرقراقة حتى صارت مضرب الأمثال في الروعة والجمال. هذه البيئة التي نشأ فيها إبن زيدون بطبيعة الحال تركت تأثيراً كبيراً على نفسيته وعلى شعره فجاء شعره كباقي الشعراء الأندلسيين وخاصة شاعرنا إبن زيدون جاء شعره رقيقاً ولطيفاً ومال في شعره الى الغزل والى وصف الطبيعة. نشأ إبن زيدون في أسرة عريقة عرفت بحبها للعلم والأدب، كان والده من فقهاء قرطبة وكان متمرساً في علوم اللغة العربية وبصيراً بفنون الأدب، تولى جده تربيته بعد وفاة أبيه وعلمه القرآن والنحو والشعر والأدب الى غير ذلك من العلوم التي عادة مايدرسها الناشئة. أما دراسة إبن زيدون ومصادر ثقافته فقد تلقى إبن زيدون ثقافته ومعلوماته الواسعة وحصيلته اللغوية الأدبية التي عرف بها على عدد كبير من علماء عصره منهم النحوي بن أفلح وإتصل بالكثير من أعلام عصره وأدباءه المشهورين كالوليد بن جهور.
المحاورة: نعم دكتور لو تسمحوا لنا نأخذ فاصل قصير وبعد الفاصل نواصل الحديث عن شاعرنا الأندلسي لهذه الحلقة إبن زيدون، مستمعينا الكرام رافقونا.
المحاورة: أيها الأحبة فيما يلي أستعرض على حضراتكم أبياتاً من القصيدة المعروفة لشاعرنا لهذه الحلقة إبن زيدون
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
إن الزمان الذي قد كان يضحكنا
أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى
مدعوا بأن نغص فقال الدهر: آمينا
فإنحلّ ما كان معقوداً بأنفسنا
وإنبتّ ما كان موصولاً بأيدينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأياً ولم نتقلّد غيره ديناً
ماحقنا أن تقروا عين ذي حسد بنا
ولا أن تسروا كاشحاً فينا
المحاورة: بهذه الأبيات المحملة بالحزن والحسرات على نجاح الأعداء في التفريق بين المحب وحبيبه يبدأ شاعرنا إبن زيدون قصيدته التي حملها تحسره على زمان الوصل وعهد الذكريات حيث كان الزمان رؤوفاً بهما وحيث كانا يتساقيان كؤوس الهوى وهما في مأمن من غير ذلك الزمان وعواديه واذا بهذا الزمان يكشّر على حين غرة عن أنيابه واذا به يبطش بالعاشقين من خلال الحسّاد والأعداء واذا ما إنعقد وإلتأم من حبهما ينفرط عقده واذا ماكان متصلاً بينهما من أسباب الود يتقطع ليغدوغرضاً لمؤامرات الأعداء ودسائسهم.
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام بعد الفقرة السابقة التي إستعرضنا فيها بعضاً من أبيات القصيدة نعود الآن الى ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ليواصل تسليط الأضواء على الشاعر إبن زيدون وقصيدته النونية، أهلاً وسهلاً بكم مجدداً أستاذ سعد الشحمان ومرحباً ونحن بإنتظار المزيد من المعلومات حول الشاعر والقصيدة.
الشحمان: نعم مرحباً بكم من جديد. إقترن إسم إبن زيدون مع ولادة إبنة أحد الخلفاء الأمويين في الأندلس وهو المستكفي والتي كانت بدورها شاعرة وأديبة ومعروفة بحبها للأدب والشعر حتى وصفت بأنها نادرة زمانها ظرفاً وحسناً وأدباً. تعلق قلب الشاعر بهذه الفتاة وقال فيها الكثير من الشعر ومنها القصيدة التي تفضلتم بقراءة البعض من أبياتها. وكان لإبن زيدون في البلاط الكثير من الحسّاد والمنافسين وأخيراً أدت به الوشايات الى الوقوع في السجن في مدينة إشبيلية. خلال فترة تواجده في السجن الذي كان بسبب حبه لولادة بنت المستكفي أنشد هذه القصيدة.
المحاورة: اذن الأعداء نصبوا له فخاً وكان سبب ذلك حبه لولادة ولكن دكتور نرى عزله عزلاً عفيفاً، فكيف تمكنوا من ذلك؟
الشحمان: نعم كان غزلاً عفيفاً ولكن هذه المرأة كانت محط أنظار الكثير من الأدباء والشعراء ورجال البلاط وكان هنالك تنافساً شديداً بينهم في خطب ودّها وكان من بينهم إبن زيدون الذي كان أقرب اليها من الآخرين فأدى ذلك به الى أن يشي به البعض من رجال البلاد وإيداعه السجن نتيجة لذلك...
المحاورة: يعني إتخذوا من شعره ذريعة في تورطه؟
الشحمان: لا أريد إبعاده عن هذه المرأة لكي ينفردوا بها فأدى ذلك الى أن يسجن وفي خلال تواجده في السجن كتب هذه القصيدة الشهيرة والخالدة. وله الكثير من الأشعار الغزلية حتى نستطيع القول أن ثلث الشعر الغزلي يحتل ديوان هذا الشاعر إبن زيدون كما إشتهر في الوصف خاصة وصف الطبيعة مثلاً يقول:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً
الزهراء هنا إسم مدينة من مدن الأندلس، ايضاً شعر غزلي وصفي
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً
والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم إعتدال في أصائله
كأنه رقّ لي فإعتلّ إشفاقا
نلهو بما يستميل العين من زهر
جال الندى فيه حتى مال اعناقا
هذه الأبيات الجميلة واللطيفة قالها في وصف الطبيعة لأن وصف الطبيعة يحتل مكانة كبيرة من شعر إبن زيدون.
المحاورة: اذن كان من أغراضه الشعرية الغزل ووصف الطبيعة. نعم دكتور نشكر لكم هذه الإيضاحات حول شاعرنا لهذا الأسبوع إبن زيدون الأندلسي ومع الأسف الوقت لايسمح لنا بالحديث أكثر عن هذا الشاعر، شكراً جزيلاً لحضورك.
الشحمان: نحاول أن نتلافى ذلك في حلقات مقبلة عن شعراء آخرين.
المحاورة: شكراً لكم ونشكر مستمعينا الكرام على حسن متابعتهم لهذه الحلقة من سير القصائد التي قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى وفي امان الله.