خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أهلاً ومرحباً بكم أيها الأحبة أينما كنتم ويسعدنا أن نلتقيكم من جديد في ظلال واحة أخرى من واحات الشعر العربي حيث الروائع التي تبهر الأذواق وتشنف الأسماع بجميل أغراضها ومضامينها ورائع صياغاتها وقوالبها وساحر أساليبها ومعانيها. ندعوكم يامن تعشقون الشعر والقوافي الى متابعتنا عبر حلقة أخرى من برنامجكم الأسبوعي سير القصائد راجين أن تقضوا معنا أطيب الأوقات.
المحاورة: شاعرنا لهذه الحلقة هو شاعر اليمامة في العصر الأموي جرير الذي كان بشهادة نقاد الشعر أشعر أهل زمانه ولاغرابة أن يكون جريراً شاعراً فقد كانت التربة الخصبة التي نشأ فيها تساعد على نمو بذور الشعر فضلاً عن أن جده لأبيه قال الشعر قبله فجاءت ملكة الشعر عنده بالوراثة حيث سيورثها هو بدوره لعدد من أبناءه الذين وصل الينا من شعرهم الشيء الكثير. عاش حياته كلها يناضل شعراء زمانه ويساجلهم حتى قيل إنه هجا وهزم ثمانين شاعراً في زمانه ولم يثبت سوى الفرزدق والأخطل. ولعل خير ما قيل في تقييم شاعريته قول ذلك الأعرابي في مجلس عبد الملك بن مروان وكان عنده جرير:
بيوت الشعر أربع مدح وفخر وغزل وهجاء وفي كلها غلب جرير ففي الفخر قال:

اذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

وفي المدح قال:

ألستم خير من ركب المطايا

وأند العالمين بطون راح

وقال في الغزل:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لن يُحيين قتلانا

وفي الهجاء قوله:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولاكلابا

المحاورة: نعم مستمعينا الكرام اما عن الأسلوب الغالب على شعر جرير وفنيته سيحدثنا عنهما ضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان. أهلاً ومرحباً بك الأستاذ وشكراً لهذا الحضور
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا بدوري أقدم لكم شكري على دعوتي لحضور هذا البرنامج وأقدم تحياتي للمستمعين الكرام
المحاورة: نعم شكراً لكم دكتور. نعم دكتور تميز جرير بخصائص فنية في كل الأغراض التي تطرق اليها في أشعاره وجعلته يبلغ شأواً بعيداً في عالم الشعر وايضاً يحتل مكانة متميزة بين شعراء عصره. نرجو أن تسلطوا الأضواء على هذه الخصائص.
الشحمان: في الحقيقة هناك ملاحظات تفضلتم انتم بالإشارة اليها حول حياة جرير فلا داعي لتكرارها. قصارى مانريد قوله حول هذا الشاعر الكبير جرير الذي يعتبر شاعراً أموياً بإمتياز، شاعر إنعكست فيه الظروف التي مرت بالمسلمين في العصر الأموي من تناحر ومن نزاعات بين الأحزاب والمذاهب الدينية والفرق الدينية المختلفة بالإضافة الى إنعكاس خصائص الشعر في ذلك العصر في شعر جرير بشكل واضح حتى نستطيع أن نعتبر شعر جرير شعراً يمثل الشعر العربي في العصر الأموي شكلاً ومضموناً. الحقيقة تفضلتم بقراءة بعض النماذج من أشعار جرير وأنا اريد أن أضيف اليها بعض الأبيات بالنسبة للنموذج الذي ذكرتموه حول فن الهجاء، هذه الأبيات قالها في هجاء شاعر آخر يدعى الراعي النميري وهو شاعر معروف في العصر الأموي وفي بدايته يقول:
أعد الله للشعراء مني قصائد ^{(او صواعق في رواية أخرى)}

يخضعون لها الرقابا

فلا صلى الإله على نمير

ولاسقيت قبورهم السحابا

بعد ذلك يقول:

غض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولاكلابا

وفي الغزل الذي تفضلتم بإنشاد بيت منه يقول في بداية هذا الغزل في التغزل بإمرأة تدعى أم عمرو:

يا أم عمرو جزاك الله مغفرة

ردي فؤادي مثلما كانا

لقد كتمت الهوى حتى تهيمني

لاأستطيع لهذا الحب كتمانا

وبعد ذلك يقول:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لن يُحيين قتلانا

في الحقيقة بالنسبة للخصائص الواضحة والبارزة التي تلفت الإنتباه في شعر جرير نريد أن نلخصها، نريد أن نتكلم قليلاً حول أسلوب جرير وحول خصائصه الشعرية. الشيء الأول الذي يلفتنا هو سهولة الألفاظ ورقتها ..
المحاورة: في أشعاره
الشحمان: نعم على عكس ما نراه في أشعار معاصريه الفرزدق والأخطل. كان لجرير من طبعه الفياض والمتدفق خير معين للإتيان بالتراكيب السهلة، هذه التراكيب نلاحظ أنها لاتشتمل على أي إلتواء لذلك فقد أبدع في الأغراض التي تناسب الإتيان بالتراكيب السهلة وهي الغزل والرثاء حتى قال عنه العلماء الناقدون مفاضلين بينه وبين الفرزدق يقولون: جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في الصخر. يريدون القول إن عاطفة جرير وموهبته كانت ثرية متدفقة بحيث أنه مع هذه القريحة لايحتاج الى تنقيح لشعره يعني كان سيالاً في نظم الشعر أما بالنسبة للفرزدق فقد كان ينحو نحو بعض الشعراء الجاهليين الذين كانوا ينقحون قصائدهم فقالوا عنه ينحت في الصخر أي كان يأتي بالألفاظ القوية المتينة والفصيحة والغريبة ويحاول أن ينقح شعره قبل أن يعرضه على الآخرين. نلاحظ ايضاً في شعر جرير الموسيقى العذبة التي تشيع في شعره كله. وحياة جرير البدوية كان لها أثر كبير في شعره فنلاحظ ذلك واضحاً في بداوة الصور والأخيلة التي قدمها لنا في أشعاره على عكس ما نلاحظ عند الفرزدق ومع ذلك كان للقرآن الكريم والثقافة الاسلامية أثر بارز في شعره فهذا الأثر لطّف من طابع البداوة في شعره وكان له الأثر في معانيه وأفكاره...
المحاورة: وحتى في ألفاظه أثرت الآيات القرآنية والحياة البدوية اذا صح التعبير
الشحمان: نعم أثرت كثيراً كما نلاحظ ذلك في الشعار التي قرأتموها نلاحظ التأثير الاسلامي واضحاً ونلاحظ التلطيف من المفاهيم الاسلامية والثقافة الاسلامية للأسلوب الذي إتبعه جرير في صياغة أشعاره على عكس ما كنا نرى في العصر الجاهلي. أحاول غن شاء الله والوقت ضيق.
المحاورة: نعم شكراً لكم دكتور نكتفي بهذا القدر من الإيضاحات شكراً جزيلاً بكم دكتور. نأخذ فاصل قصير مستمعينا الكرام وبعد ذلك نعود الى حضراتكم، إبقوا معنا
المحاورة: أيها الأحبة ما زلنا معكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وهذه الحلقة من سير القصائد. أعزاءنا الكرام نتواصل معكم عبر إنشاد بعض البيات من قصيدة جرير الرائعة في رثاء زوجته والتي تعد من عيون الشعر العربي في هذا المجال، تابعونا

لو لا الحياء لعادني إستعبار

لزرت قبرك والحبيب يزار

ولقد نظرت وما تمتع نظرة

في اللحد حيث تمكن المحفار

فجزاك ربك في عشيرك نظرة

وسقا صداك مجلجل مدرار

ولّهت قلبي اذ علتني كبرة

وذوي التمائم من بينك صغار

أرعى النجوم وقد مضت غورية

عُصب النجوم كأنهن صور

كانت مكرمة العشير ولم يكن

يخشى غوائلا أم حزرت جار

ولقد أراك كسيتي أجمل منظر

ومع الجمال سكينة ووقار

والريح طيبة اذ إستقبلتها

والعرض لادنس ولاخوّار

واذا سريت رأيت نارك نورت

وجهاً أغرّ يزينه الإسفار

صلى الملائكة الذين تخيروا

والصالحون عليك والأبرار

وعليك من صلوات ربك كلما

نصب الحجيج ملبدين وغاروا

المحاورة: أيها الأخوة والأخوات وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامج سير القصائد التي قدمناها لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وفي النهاية أشكر ضيفي الكريم في الأستوديو الأستاذ الدكتور سعد الشحمان شكراً جزيلاً لكم دكتور
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: وإن شاء الله في الحلقات المقبلة سنلتقي بكم وبمستمعينا الكرام في برنامج سير القصائد، حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في امان الله.