خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم
أجمل التحايا وأطيب الأمنيات أبعثها لكم في هذا اللقاء الجديد الذي يسرنا أن يجمعنا بكم عبر الشعر الرسالي الملتزم الذي خلده التاريخ لقيمه الأخلاقية الرفيعة ومضامينه السامية فضلاً عن صوره الفنية الرائعة والمؤثرة. أحبتي ندعوكم الى مرافقتنا في حلقة هذا الأسبوع عند قصيدة جديدة وشاعر آخر.
المحاورة: مستمعينا الكرام من القصائد الزهدية الرائعة التي خلدها التاريخ عبر الأجيال بسبب روعتها وعمق تأثيرها على صعيدي الشكل والمضمون، القصيدة المنسوبة الى الامام علي بن محمد الملقب بالهادي عليه السلام والذي كان يعاصر الخليفة العباسي المتوكل فهي تعد من القصائد العجيبة المدهشة التي تترك أعظم الأثر في النفس الانسانية لما تمتاز به من نفس ملحمي حماسي وجمال وروعة في التصوير الفني وحسن الديباجة والقوة والإقتدار في المعاني والمفاهيم التي تطرحها سواء كان ناظم هذه القصيدة الامام نفسه أم كان راوياً لها عن احد الشعراء الذين لم يذكر التاريخ اسماءهم، فإن هذه القصيدة أيها الأحبة إن دلت على شيء فإنها تدل بالتأكيد على مدى الجرأة والشجاعة المنقطعة النظير التي كان يتميز بها الأئمة عليهم السلام في تعاملهم مع الحكام والسلاطين الطغاة. فلقد جاءت هذه القصيدة بمثابة طغيان لذلك الحاكم وجبروته وسجلت للامام موقفاً فريداً من نوعه في مواجهة الطغاة والظلمة. ندعوكم إخوتنا المستمعين كي نعيش أجواء التحدي وكلمات الحق التي يطلقها الامام عليه السلام بكل شجاعة بوجه الطواغيت والمتفرعنين على مر التاريخ.
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما أغلتهم القلل
وأستنزلوا بعد عز من معاقلهم
وأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
اين الأسرة والتيجان والحلل
اين الوجوه التي كانت منعمة
من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم
ففارقوا الدور والأهلين وإرتحلوا
وطالما كنزوا الأموال وإدخروا
فخلفوها على الأعداء وإنتقلوا
أضحت منازلهم قفراً معطلة
وساكنوها الى الأجداث قد رحلوا
المحاورة: تحية طيبة لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامج سير القصائد من اذاعة طهران العربية. معي في الستوديو خبير البرنامج الدائم الاستاذ الدكتور سعدي الشحمان، أهلاً ومرحباً بك دكتور
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبدوري احييكم وأحيي المستمعين الكرام في هذا اللقاء الجديد الذي يسرني أن يجمعني بكم وبالمستمعين الأفاضل.
المحاورة: شكراً لك دكتور ولهذا الحضور. دكتور القصيدة التي عرفت بالعبارة الأولى منها "باتوا على قلل الأجبال" قصة إتفقت المصادر التاريخية على روايتها، أرجو منكم أن تسلطوا الضوء على هذه القصة والظروف التي دفعت الامام الهادي عليه السلام الى إنشادها وإصرار الخليفة المتوكل على أن ينشدها الامام في مجلسه ولذلك لما لهذه القصة من دور كبير في فهم هذه القصيدة وإدراك الملابسات التي إكتنفتها.
الشحمان: بالفعل القصة التي دفعت الامام عليه السلام الى إنشاد هذه القصيدة قصة طريفة تكشف لنا الكثير من الظروف والملابسات حول الخليفة المتوكل وحول الامام علي الهادي عليه السلام نفسه وحول الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت على صعيد نظام الحكم فقد كان المتوكل العباسي يعتبر من أعتى وأطغى الخلفاء العباسيين. عرف بطغيانه وجبروته ومعاداته لأتباع اهل البيت عليهم السلام وخاصة امامهم في ذلك الوقت الامام علي الهادي عليه السلام وهو الامام العاشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو جد الامام المهدي عليه السلام. كان الخلفاء العباسيون حريصين على أن يراقبوا تصرفات وسلوكيات الأئمة عليهم السلام وخاصة في تلك الفترة، في تلك الفترة كان الامام الهادي عليه السلام يقيم في المدينة وكانت مكانته عظيمة بين الناس وكان الناس يميلون اليه ميلاً كبيراً فخشي المتوكل من هذا النفوذ الذي يتمتع به الامام وخشي أن يتحول هذا النفوذ الى نفوذ سياسي يهدد نظام حكمه في حين كان الامام كما توحي به القصة كان في شغل شاغل في عبادة الله سبحانه وتعالى عن هذه المحاولات. تقول القصة إن الخليفة المتوكل دعا وزيره يحيى بن هرثمة وأشخصه الى المدينة وطلب منه أن ينظر في حال الامام الهادي عليه السلام يعني يقدم له تقريراً حول نشاطات الامام وطلب منه أن يأتي به الى سامراء حيث كانت عاصمة الخلافة العباسية قد انتقلت في ذلك الوقت من بغداد الى مدينة سامراء فيقول يحيى إنه ذهب الى المدينة ولما علم الناس بأن الخليفة المتوكل يريد أن يقتاد الامام الهادي الى مركز خلافته خشوا عليه وضجوا ضجيجاً عظيماً، وفي هذه الحركة دلالة على أن الخلفاء كانوا يشكلون خطراً كبيراً على الأئمة ولم يكن الناس يستبعدون أن يقتل الامام على يد هذا الخليفة المتجبر. فيقول يحيى بن هرثمة: جعلت أسكن الناس وأهدأ من روعهم حتى إضطررت أن أحلف لهم بأن الامام لابأس عليه. يقول بعد ذلك: ثم فتشت منزله فلم أجد في منزله سوى المصاحف وكتب الأدعية والعلم.
يقول: لما رأيت ذلك عظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت مصاحبته ومعاشرته. ويقول: عندما جئت الى بغداد ويبدو أنه مرّ ببغداد أولاً قبل أن يذهب الى سامراء بدأت بإسحق بن ابراهيم الطاهري الذي كان والياً على بغداد وكان من المحدثين فقال له: يايحيى إن هذا الرجل ولده رسول الله والمتوكل من تعلم؟ يعني من تعلم في طغيانه وجبروته فإن حرضت المتوكل عليه فسوف يبادر الى قتله وسيكون الله خصمك يوم القيامة. الحقيقة القصة طويلة وأنا سأختصرها، يقول يحيى: إقتدت الامام الى سر من رأى وبدأت بوصيف التركي وكان حاجب المتوكل وكان الأتراك قد كثروا في سامراء بعد أن إستجلبهم المتوكل الى هذه المدينة. وأخبرته بوصول الامام. فقال وصيف التركي: والله لأن سقطت منه شعرة لايطالب بها سواك. يقول يحيى: بعد أن إستجلب المتوكل الامام الى مدينة سامراء وأسكنه في هذه المدينة وأجبره على الإقامة فيها، بعد فترة وشي بالإمام الى المتوكل بأن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته ويهم بالإنتفاض والوثوب على الدولة. ثم أن المتوكل بعث اليه مجموعة من جنده الأتراك وهاجموا دار الامام فلم يجدوا فيها شيئاً. ثم إستدعى الامام وكان المتوكل الطاغية جالساً في مجلس الشراب ولم يكن يراعي شعور وأحاسيس شخصية كبيرة من مثل الامام عليه السلام. فأدخل الامام عليه ولما رآه المتوكل هابه وعظمه واكرمه وأجلسه الى جانبه وهذا الخليفة المتجبر ناوله الكأس التي كانت بيده وهذه المناولة هي التي دفعت الامام في الحقيقة الى إنشاد هذه القصيدة الجريئة في وجه المتوكل، فقال الامام عليه السلام: والله ما خامر لحمي ودمي قط!! فإعفني. فأعفاه وقال له: أنشدني شعراً!
حاول الامام ايضاً أن يتخلص ويتملص من إنشاد الشعر لأن في هذه الحالة الموقف يتطلب أن يقول كلمة الحق في وجه هذا الطاغية فقال: أنا قليل الرواية للشعر. فقال المتوكل: لابد من ذلك! فأنشده الامام هذه القصيدة التي تفضلت بإنشاد بعض من أبيات هذه القصيدة الرائعة. ويقال إن المتوكل ولاأدري أهذا صحيح ام لا، بكى المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه وبكى الحاضرون في المجلس، ثم ردّ الامام الى منزله مكرماً.
المحاورة: نعم شكراً لكم دكتور معذرة لقد داهمنا الوقت للأسف الشديد ولكن أشكركم الشكر الجزيل على هذه المعلومات القيمة التي تفضلت بها بشأن قصيدتنا في هذا الأسبوع وكانت من إنشاد الامام الهادي عليه السلام.
الشحمان: يعني بالمناسبة لاندري هل هي للإمام أم منسوبة له او رواها عن شاعر آخر وربما كانت للإمام لأن الأئمة عليهم السلام كانوا معروفين بفصاحتهم وبلاغتهم.
المحاورة: على العموم نشكرك جزيل الشكر ونشكر مستمعينا على حسن متابعتهم لهذه الحلقة من سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حتى الملتقى أطيب التحيات وفي أمان الله.