خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات. نرحب بكم كل الترحيب ونبعث لكم أجمل التحايا المحملة بعبق الشعر وشذى القوافي مع لقاء آخر يجمعنا بكم عبر قصيدة اخرى من روائع الشعر العربي، ندعوكم أيها الأخوة والأخوات الى مرافقتنا في أرجاء برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد رافقوني.
المحاورة: كرنفال فينيسيا او القصيدة التي عرفت بالجندول تعد من القصائد الرومانسية الرائعة التي كتبها الشاعر الرومانسي المصري المعاصر علي محمود طه بأسلوبه الرائع الذي عودنا عليه في معظم قصائده ودواوينه الشعرية حيث مزج كأحلى ما يكون المزج بين عطر التاريخ القديم وبين نزعته الرومانسية الحالمة التي كانت بمثابة المقبلات التي قدم لنا الشاعر من خلالها التاريخ على طبق رائق مستساغ أزاحت عنه جفافه وصرامته وجعلتنا نعشق هذا التاريخ العابق بشذى الاسلوب الشعري الحالم كما تشهد بذلك معظم قصائد الشاعر الذي نجح أيما نجاح في هذا اللون من الشعر وخاصة القصيدة التي نحن بصددها في حلقتنا لهذا الأسبوع فلنتأمل معاً أيها الكرام عشاق القوافي ومحبي الأدب والفن الجميل هذه اللوحة الجميلة التي تستعرض لنا التاريخ السحيق بألوان بهيجة زاهية ولكن بعد هذا الفاصل.
اين عشاقك سمّار الليالي
اين من واديك يامهد الجمال
موكب الغيد وعيد الكرنفال
وسرى الجندول في عرض القنال
انا من ضيع في الأوهام عمره
نسي التاريخ او أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكر غيره
يوم أن قابلته أول مرة
أين من عينيك هاتيك المجال
ياعروس البحر ياحلم الخيال
قال: من أين؟ وأصغى ورنا
قلت: من وفرى غريب ها هنا
قال: إن كنت غريباً فأنا
لم تكن فينيسيا لي موطناً
أين مني الآن أحلام البحيرة
وسماء كست الشطآن نضرة
منزل منها على قمة صخرة
ذات عين من معين الماء ثرة
أين من فار صوفيا هاتيك المجال
ياعروس البحر ياحلم الخيال
قلت والنشوة تسري لساني:
هاجت الذكرى فأين الهرمان؟
أين وادي السحر صداح المغاني؟
أين ماء النيل؟ أين الضفتان؟
آه لو كنت معي نختال عبرة
بشراع تسبح الأنجم إثر
حيث يروي الموج في أرخم نبرة
حلم ليل من ليالي كيلوبترة
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات مستمعينا لكم وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامج سير القصائد. معنا في الستوديو خبير البرنامج الدائم الاستاذ الدكتور سعدي الشحمان، أرحب بك دكتور.
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية لكم وللمستمعين الأعزاء في هذا اللقاء
المحاورة: شكراً لهذا الحضور دكتور
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: دكتور بحذا لو تحدثنا عن هذه القصيدة وعن هذا اللون من الشعر الرومانسي الذي عرف به الشاعر المصري المعاصر علي محمود طه خاصة في قصيدته كرنفال فينيسيا او الجندول التي نحن بصددها.
الشحمان: في الحقيقة نحن نقف إزاء شاعر يعد من أبرز أعضاء المدرسة التي عرفت بمدرسة أوبولو التي كما تعرف أسرت دعائم الرومانسية الحديثة في الشعر العربي والتي أسسها شاعر القطرين خليل مطران. هذه المدرسة كانت أول مدرسة شعرية خلقت بعض الإبتكارات والتغيرات على مستوى الصورة والشكل في القصيدة العربية كما نلاحظ في القصيدة التي تفضلتم بقراءتها، نلاحظ التنوع في القافية في كل مجموعة من الأبيات ولكن رغم هذا التنوع إلا أن القصيدة تمتاز بوحدة موضوعية ولاتخرج عن تجربة واحدة يطرحها الشاعر. بالنسبة الى علي محمود طه، في الحقيقة هناك كلام إستوقفني للدكتور الناقد شوقي ضيف يصف أشعاره يقول ما مضمونه "إننا اذا قرأنا قصائده سنجد عقوداً تتلألأ من الألفاظ الخلابة التي تنشر ضباباً من الأحلام والأشباح ولكن قلما تجد في شعره فكراً عميقاً او فكراً غامضاً، ففكره مجلو مكشوف لايستر أي شيء وراءه". وفي الحقيقة لاأدري الى أي مدى وفق الدكتور شوقي ضيف في هذا الحكم على الشاعر فأنا أرى اذا كان الشاعر ألفاظه جميلة واذا كانت الصور التي يقدمها رائعة والموسيقى هي التي تسود أشعاره فإن ذلك لابد أن يكون ناجماً عن الجمال والروعة في المضمون ايضاً وإلا تحولت أشعاره الى مجرد بهرجة لفظية غير مستساغة، أرى أن هنالك تناغماً بين الصورة والمضمون. صحيح أن شاعرنا علي محمود طه لم يكن صاحب نزعة فلسفية ولانظرية فلسفية معينة ولكنه مع ذلك طرح بعض المضامين الرائعة في أشعاره. ونحن نلاحظ بما أنه كان شاعراً رومانسياً فقد تميز شعره في بعض جوانبه بنزعة الحزن كما نرى عند معظم الشعراء الرومانسيين وكما نرى ذلك في قوله في قصيدة "غرفة الشاعر" وهي من قصائده الرائعة ايضاً، يقول:
أيها الشاعر الكئيب مضى الليل ومازلت غارقاً في شجونك
مسلماً رأسك الحزين الى الفكر وللسهد ذابلات جفونك
ويد تمسك اليراع وأخرى في إرتعاش تمر فوق جبينك
وفم ناضب به حر انفاسك يطغى على ضعيف أنينك
الشحمان: شعر علي محمود طه يدور بشكل عام حول الوصف والغزل وخير ما يدل على ذلك عناوين أشعاره الموحيه ومنها الملاح التائه وهو اول دواوينه وأرواح وأشباح، زهر وخمر والشوق العائد.
المحاورة: اذن دكتور يمكننا القول أن الحزن يخيم على جميع أشعاره او بالأحرى على معظم أشعاره.
الشحمان: نعم على معظم أشعاره في الحقيقة. في أواخر أيامه إتجه إتجاهاً وطنياً، له قصيدة رائعة في فلسطين سبق وأن تحدثنا عنها في احدى الحلقات السابقة حول فلسطين يقول فيها مقدمتها:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
الشحمان: بالنسبة للقصيدة التي تفضلتم بقراءة بعض من أبياتها هي كما تدل على ذلك هي قصيدة نظمها بمناسبة زيارته لمدينة فينيسيا اومدينة البندقية في ايطاليا ووصف فيها الكرنفال او المهرجان الذي يقام سنوياً يعني هذا المنظر هزه ودفعه الى إنشاد هذه القصيدة وحاول أن يعقد مقارنة بين الحضارة في ايطاليا والحضارة المصرية القديمة. أنا لاأريد أن أطيل الكلام لكي يتبقى من الوقت لقراءة أبيات من القصيدة.
الشحمان: شكراً لكم دكتور لهذه الإيضاحات حول شاعرنا لهذا الأسبوع علي محمود طه الشاعر المصري الذي عرف بالنزعة الرومانسية
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام ويقف الشاعر علي محمود طه مبهوراً مندهشاً وهو يجيل البصر في ذلك الكرنفال المتلألأ بالأضواء حيث تتراقص الجنادل والقرائب كالعرائس على صفحة الأمواج وحيث ينثر الولدان والحور الأنوار مترنمين بأناشيدهم الرابطة بين الماضي المشرق والحاضر السعيد. فلنصغي معاً الى همهمة هذا المهرجان حيث يصب العشق بأسراره على العشاق والمحبين.
أين من عيني هاتيك المجال
ياعروس البحر ياحلم الخيال
أيها الملاح قف بين الجسور
فتنة الدنيا وأحلام الدهور
صفق الموج لولدان وحور
يغرقون الليل في ينبوع نور
رقص الجندول كالنجم الوضي
فأشدو ياملاح بالصوت الشجي
وترنم بالنشيد الوثني
هذه الليلة حلم العبقري
شاعت الفرحة فيها والمسرة
وجلا الحب على العشاق سره
يمنة مال على الماء ويسرة
إن للجندول تحت الليل سحره
أين يافينيسيا تلك المجال؟
أين عشاقك سمار الليالي؟
أين من عينيّ يامهد الجمال؟
موكب الغيد وعيد الكرنفال؟
ياعروس البحر ياحلم الخيال !!
المحاورة: على أمل أن تكونوا قد قضيتم معنا دقائق حافلة بالمتعة والفائدة عبر قطافنا لهذا الأسبوع من حدائق الشعر العربي وعلى امل أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل عند قصيدة جديدة وشاعر آخر منا لكم احلى التحيايا وأطيب المنى، الى اللقاء.