خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم نحييكم من قسم الثقافة والأدب والفن في اذاعة طهران ونحن نجدد اللقاء متفيئين الظلال الوارف لدواحات واحة الشعر والأدب حيث روائع الكلم وفرائد القوافي وخوالد القصائد على مر العصور وكر الدهور آملين أن تمضوا معنا دقائق ننعم فيها في نسائم الشعر وعبق القوافي.
المحاورة: أيها الأحبة تعد قصيدتنا لهذا الأسبوع من روائع الرثاء الممتزج بالحكمة والتأملات في الحياة، إنها قصيدة الشاعر المخضرم أبي ذؤيب الهذلي الذي يمكن أن نقول عنه إنه يحتل مكانة متميزة في مسيرة الشعر في عصريه الجاهلي والاسلامي بالنظر الى الفصاحة والبلاغة وسلامة التعبير التي تتميز بها أشعاره فلذلك عدّ شعره مصدراً من المصادر المهمة التي استشهد بها العلماء في النحو والبلاغة ومن هذه الأشعار المتميزة على نطاق أشعار الشاعر نفسه وعلى صعيد شعر الرثاء والحكمة والزهد قصيدته الخالدة التي نظمها في رثاء بنيه الخمسة الذين حصدهم الطاعون في عام واحد وضمنها الكثير من الحكم والمواعظ والتأملات في الموت والحياة، فلنستمع معاً الى باقة من أبيات هذه القصيدة قبل أن يجمعنا اللقاء مع خبير البرنامج ليحدثنا عنها وعن ناظمها بالطبع، تابعونا مشكورين.
أمن المنون وريبها تتوجع؟
والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أميمة ما لجسمك شاحباً
منذ إبتذلت ومثل مالك ينفع
أم ما لجنبك لايلائم مضجعاً
إلا أقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها: أنى لجسمي أنه
أودى بنيّ من البلاد فودعوا
أودى بنيّ وأودعوني غصة
بعد الرقاد وعبرة لاتقلع
سبقوا هوية وأعنقوا لهواهم
فتخرموا ولكل جنب مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
وأخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم
فإذا المنية أقبلت لاتدفع
واذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لاتنفع
فالعين بعدهم كأن حداقها
سملت بشوك فهي عور تدمع
حتى كأني للحوادث مروة
بصفا المشرق كل يوم تقرع
ولقد أرى أن البكاء سفاهة
ولسوف يولع بالبكاء من يفجع
وليأتين عليك يوم مرة
يبكى عليك مقنعاً لاتسمع
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لاأتضعضع
والنفس راغبة اذا رغبتها
فإذا ترد الى قليل تقنع
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات محبي الأدب ومتذوقي الشعر مستمعينا الكرام هذه القصيدة هي اكثر من رائعة. أما الان ستضيف في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان ليتحدث لنا عن هذه القصيدة وعن شاعرها. دكتور اهلاً ومرحباً بك.
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: وعلى المستمعين الكرام أنا ايضاً أرحب بكم بدوري في هذا اللقاء الجديد الذي يسرني أن يجمعني بكم وبالمستمعين الأعزاء
المحاورة: نعم دكتور هذه القصيدة التي قرأت بعض أبياتها تجمع بين الصدق في التعبير والجزالة والبلاغة المتناهيتين في البيان اذا صح التعبير والغوص في أسرار الحياة وخفاياها، حتى لانتصور انفسنا ماثلين أمام رجل حكيم قاسى حلو الحياة ومرها إنطلق يروي لنا على لسان الشعر خلاصة تجاربه وخبراته في هذه الحياة فأرجو أن تسلط الأضواء على هذه الشخصية أي الشاعر وهذه القصيدة بالتحديد.
الشحمان: نعم إن شاء الله، الأمر كما تفضلتم الشاعر أبو ذؤيب الهذلي او خويلد بن خالد المضري يعتبر من الشعراء المتميزين وهو على حد قول نقاد الشعر يعتبر من الشعراء الفحول ومن الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والاسلام في نفس الوقت وتميزت حياته التي كانت حافلة بالأحداث الكبيرة، تميزت في إشتراكه في المعارك والغزوات والفتوحات التي حدثت في أيام الخلفاء في صدر الاسلام حتى أنه توفي وأدركته المنية وهو يشهد الغزوة في أرض الروم. بم يقدر لهذا الشاعر أن يدرك او أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله
المحاورة: ولكنه أسلم !
الشحمان: طبعاً هو أسلم ووفد على النبي في ليلة وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويروي لنا رواية لطيفة في هذا المجال وحول قصة وفوده على النبي صلى الله عليه وآله يقول فيها "قبض رسول الله فجئت الى المسجد فوجدته خالياً فأتيت بيت رسول الله فأصبت بابه مرتجاً أي مغلقاً وقد خلا بأهله" بعد ذلك يقول "شهدت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وشهدته دفنه" وبهذه المناسبة أنشد قصيدة اخرى يبكي بها النبي صلى الله عليه وآله ويرثيه بأبيات لاتقل روعة عن هذه القصيدة التي تفضلتم بإنشاد بعض من أبياتها. يقول في رثاء النبي صلى الله عليه وآله:
رأيت الناس في عسلاتهم
مابين ملحود له ومضرح
(متبادرين لشرجع بأكفهم
والشرجع هو: السرير الذي يحمل عليه الميت)
متبادرين لشرجع بأكفهم
نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك سرت الى الهموم ومن يبت
جار الهموم يبيت غير مروّح
الشحمان: وهنا يبيت للضرورة الشعرية لم تجزم
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها
وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلها
ونخيلها بحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته
بمصابه وزجرت سعد الأذبح
الشحمان: وايضاً من أشهر أشعاره هذه القصيدة الرثائية العينية التي قرأتم بعض أبياتها وطبعاً لها قصة في رثاء أبناءه الخمسة الذين حصدهم الموت بسبب إصابتهم بمرض الطاعون في عام واحد وهي من روائع القصائد العربية وكما تفضلتم من القصائد الخالدة في مسيرة الشعر العربي، حفلت بالكثير من الحكم والمواعظ وعرض فيها الشاعر تجاربه في الحياة وفيها بعض الأبيات تحولت الى حكم وشواهد يستشهد بها العلماء من مثل قوله في بداية القصيدة:
أمن المنون وريبه تتوجع ...
المحاورة: وايضاً هذا البيت "والنفس راغبة اذا رغبتها" نعم
الشحمان: نعم من الأبيات الحكمية الشهيرة:
النفس راغبة اذا رغبتها
واذا ترد الى قليل تقنع
الشحمان: حتى أن بعض العلماء اعتبر هذا البيت من أورع الحكم التي أوثرت عن الشعراء العرب. وله ايضاً بيت آخر يجمع بين البلاغة وبين الحكمة وكثيراً ما يستشهد به علماء البلاغة، يقول:
وأذا المنية انشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لاتنفع
الشحمان: من الأبيات الرائعة التي يستشهد بها العلماء
المحاورة: في العلوم البلاغية
الشحمان: نعم العلوم البلاغية في باب الاستعارة المكنية. لاأدري هل بقي مزيد من الوقت للحديث عن هذا الشاعر. على كل حال يعتبر الشاعر أبو ذؤيب الهذلي من الشعراء المتميزين في مسيرة الشعر العربي
المحاورة: على ما يبدو دكتور هناك دقيقتان يمكننا أن نستمع الى ما تتفضل
الشحمان: نعم وهناك الكثير من الآراء من النقاد بحق هذا الشاعر ومنهم البغدادي الذي يقول "هو أشعر هذيل من غير مدافعة" وقال الأصمعي عنه "أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيب النفس راغبة اذا رغبتها" وايضاً سأل حسان بن ثابت عن أشعر الناس فقال: حياً أم ميتاً؟ قالوا: حياً. قال: هذيل أشعر الناس حياً!!
وأضاف ابن سلاّم العالم اللغوي المعروف بقوله "إن أشعر هذيل أبو ذؤيب". والكثير من الشعراء لهم الكثير من الشهادات بحق هذا الشاعر رغم قلة أشعاره
المحاورة: لأنه مقل ولكنه مجيد
الشحمان: نعم مقل لكنه مجيد الى حد كبير في أشعاره لذلك تخلد اسمه في ديوان الشعر العربي.
المحاورة: نعم دكتور أتقدم بالشكر الجزيل لك على هذه الإيضاحات التي تفضلت بها حول شاعرنا لهذه الحلقة شكراً جزيلاً بكم
الشحمان: حياكم الله نرجو أن نجدد اللقاء بكم
المحاورة: وإن شاء الله في الحلقات المقبلة سنلتقي بكم وبالمستمعين الكرام مع شاعر آخر ومع قصيدة اخرى حتى ذلك الموعد نستودعكم الله وشكراً جزيلاً لك دكتور وشكراً لكم مستمعينا الكرام.