وقال الكاتب في مقاله، على الرغم من أن المعركةَ تُعتبر وجوديةً للجمهورية الاسلامية لأن أميركا تحاول “قطع الهواء” عنها إذا إستطاعت، فإن طهران رفعت الشعار الوطني والوجودي للشعب الإيراني، فوقف معها الداعم والمُعارِض خارج البلاد. فالعقوبات الإقتصادية تطال الشعب الإيراني برمّته وليس النظام، مع العلم أن السبب الأساسي للعداء الأميركي هو رفْض الرئيس دونالد ترامب لكلّ اتفاق وقّعه سلفه باراك أوباما ووجود دولة في إيران ترفض الإنصياع لحُكم أميركا وإملاءاتها. لماذا تستطيع إيران أن تقول “لا” لأميركا الدولة العظمى؟ إيران تصنع دباباتها وصواريخها وطائراتها وغواصاتها ودخلت نادي مصنّعي النووي. وهي تملك حلفاء لها في لبنان وسورية واليمن والعراق وفلسطين وافغانستان لا يتخلون عنها و تستطيع الإعتماد عليهم في أي حربٍ مقبلة. وإيران تملك نظاماً إنتخابياً ديموقراطياً وتشهد تغيير رئيس كل أربعة سنوات مع إمكان التجديد مرة واحدة فقط – على عكس حكام العرب الابديين – ولديها مَقاعد داخل البرلمان للأقليات بما فيها اليهود الذين يملكون أكثر من 25 معبداً ويصل عددهم إلى ما بين اثني عشر إلى خمسة عشر الف مواطن إيراني ويسمى النائب اليهودي سياماك موري.
وإيران وقفتْ في وجه أميركا وتحدّت عقوباتها التي فرضتْها عليها منذ 40 عاماَ. وضربت طهران طائرة من دون طيار أميركية لتقول إنها مستعدة وغير خائفة من الحرب إذا كان هذا هو الثمن الذي سيُدفع لحماية حدودها ومنْع إختراق أي دولة مهما كانت قوية لأجوائها، موجّهةً رسالة واضحة لأميركا و"إسرائيل" بأنها ستدافع عن نفسها. وأميركا تعلم جيداً أن إيران لا تخشى إنقلابات داخلية لأن نظامها منتخَب من الشعب، كما تُدْرِك واشنطن أن إيران ستستخدم كل حلفائها في الحرب وستَنزل بنفسها إلى ميدان المعركة وقد أعدّت ما إستطاعت من قوة لتُرْهِب أعداءها اذا ضُربت من الداخل وإحتاجت مسرحاً آخر. وما تفعله إيران اليوم يجب أن لا يكون محط تساؤل أو دهشة لأي دولة في العالم. فمن الطبيعي لأي نظام اليوم أن يكون الحُكم فيه ديموقراطياً منتخَباً من الشعب. ومن الطبيعي أن يكون للدول حلفاء يقفون إلى جانبها يوم الإستحقاق، ومن الطبيعي أن تستخدم أي دولة القوة لمنْع غطرسة دولة أخرى والتعدي على حدودها البرية والبحرية والجوية. فالدول والشعوب تحبّ مَن يدافع عنها ويتخذ مواقف جريئة لتلتفّ الشعوب حول قاعدتها. ولا تُسمع أصواتٌ داخل إيران تنادي بإسقاط النظام على الرغم من “الضغط الأقسى” الذي أعلنه ترامب لأن الرئيس الإيراني ردّ عليه “بإستراتيجية الصبر” لمدة 14 شهراً والتحول الى “إستراتيجية المواجهة” و” إستراتيجية الرد بالمثل”.
ولا تُسمع أصوات قادة الحرس الثوري الإيراني اليوم يتكلمون بلغة دينية أو مذهبية لأن كل الإيرانيين على إختلاف أعراقهم ومذاهبهم توحّدوا في غالبيتهم خلف قادتهم. وقد هرعت أوروبا لتتبنى دور الوسيط في محاولة يبدو أنها غير موفقة لوقف التصعيد بين إيران وأميركا لأن القارة الأوروبية ورؤساءها لا يملكون الرافعة اللازمة للضغط على شخص مثل الرئيس ترامب وكذلك لا يملكون أي رافعة موحّدة للإنسلاخ عن القرار الأميركي والإلتزام بما ألزموا به أنفسهم.
وفرضتْ إيران على أوروبا أن تستحدث نظاماً مالياً جديداً تحت مسمى INSTEX، وحتى لو كان محدوداً ولا يرقى للمستوى الذي تريده طهران، إلا أن المحاولة جديرة بالذكر لأن قارة مثل أوروبا وقادتها يحاولون إرضاء إيران. وهذا جهدٌ كبير أوروبي. ولن تتخلى إيران عن حلفائها أبدا لأنهم الرادع والمعين في المحن. وعلى الرغم من الوضع المالي التقشفي الذي تعيشه إيران وحلفاؤها، الا ان الدعم المالي للقدرات العسكرية الإيرانية ولحلفاء طهران لم يتوقّف بل توقف الفائض في الوقت الراهن. ولن تتخلى إيران عن قدراتها الصاروخية لأنها الوسيلة الدفاعية الوحيدة التي تملكها للحفاظ على كل مكتسباتها وقدراتها، وهي مستعدّة للحرب من أجل نظامها الصاروخي الذي تَطوّر وقد سلّمتْه لحلفائها في اليمن ولبنان وسورية والعراق وفلسطين.
ولم ترضخ إيران لأسلوب ترامب الإبتزازي الذي فرض خوّة مباشرة على دول المنطقة وغير مباشرة ببيعها أسلحة بمئات المليارات من الدولارات من أجل إبعاد ضرره. ولو إتحدتْ هذه الدول لصرفتْ جزءاً يسيراً على أمنها وتفاهمات إقليمية داخلية وأبقت أميركا خارج تدخّلاتها ولأوقفت “أزعر الحي” عند حدّه كما فعلتْ إيران حتى اليوم.
وأخيراً وليس آخِراً تبنّت إيران القضية الفلسطينية ورفضت ما رفضه الفلسطينيون من ضغوط عليهم وعلى قادتهم لبيع أرضهم مقابل حفنة من الدولارات. وعلى عكس دول المنطقة التي سارعت لتبنّي خطة صبيانية وتَوَهُّم شاب وصل إلى السلطة لإرتباطه بعائلة الرئيس الأميركي – وهو جاريد كوشنير صهر ترامب – بأن ينجز خلال أشهر ما عجز عنه رؤساء دول على مر العقود وديبلوماسيين مخضرمين إعتقدوا أنهم يستطيعون حل القضيه الفلسطينية وإيجاد توازن عادل، سارعتْ إيران ومعها العراق والكويت ولبنان لرفض الخطة الأميركية التي رفضها كل القادة الفلسطينيين دون إستثناء وسميت “صفقة القرن”. لقد إستخدم ترامب منطقاً موحداً تَعامَل به مع جميع الدول ينصّ على أنه “لا يفهم إلا لغة الأرقام” ويكره أي إتفاق وقّعه أوباما بينما تعاملت إيران معه بمنطق أنه عالم “لا يفهم إلا بالقوة ولا يستيقظ ضميره إلا بالقوّة والمقاومة”.”.