خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم أجمل ترحيب ويسرنا أن نجدد اللقاء بكم في رحاب روضة اخرى من بستان الشعر العربي عبر روائعه الخالدة وقصائده الباقية ما بقي الدهر آملين أن يروق لكم ما اعددناه في حلقة هذا الأسبوع ويحظى بحسن متابعتكم وإصغاءكم، ندعوكم أيها الأحبة الى المتابعة.
جادك الغيث اذا الغيث همى
يازمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلماً
في الكرى او خلسة المختلس
اذ يقود الدهر أشتات المنى
ينقل الخطو على ما يرسم
زمراً بين فرادى وثنى
مثل ما يدعو الوفود الموسم
والحيا قد جلل الروض سنا
فثغور الزهر فيه تبسم
وروى النعمان عن ماء السما
كيف يروي مالك عن انس ؟
فكساه الحسن ثوباً معلناً
يزدهي منه بأبهى ملبس
في ليالي كتمت سر الهوى
بالدجى لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيه وهوى
مستقيم السير سعد الأثر
وطر ما فيه من عيب سوى
أنه مر كلمح البصر
حين لذ الأنس شيئاً او كما
هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا او ربما
أثرت فينا عيون النرجس
أي شيء لإمرئ قد خلصا
فيكون الروض قد مكن فيه
تنهب الأزهار فيها الفرصا
أمنت من مكره ما تتقيه
فإذا الماء تناجى والحصى
وخلا كل خليل بأخيه
تبصر الورد غيوراً برما
يكتسي من غيبه ما يكتسي
وترى الآس لبيباً فهماً
يسرق السمع بأذني فرس
المحاورة: مستمعينا مستمعاتنا ليس من العسير عليكم وأنتم المحبون للأدب والمتذوقون للشعر أن تكتشفوا أن الأشعار الغزلية الرقيقة السابقة التي تسربت الى مسامعكم هي الموشحة الأندلسية الأجمل والأروع والأكثر شيوعاً وخلوداً بين الموشحات الأندلسية الأخرى، موشحة زمان الوصل او إن شئت فقولوا جادك الغيث لصاحبها العالم والأديب والشاعر والكتب لسان الدين بن الخطيب والتي سيحدثنا عنها وعن ناظمها ضيف البرنامج الكريم الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولي الشرف ايضاً أن أكون معكم
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور، دكتور ونحن في إنتظار ما ستدلون به من معلومات حول هذا الشاعر الأندلسي المتميز الذي يعد من بين المؤسسين الأوائل لفن الموشحات الأندلسية ولعله كان الأكثر إبداعاً في هذا المجال والذي قضى مقتولاً بسبب أفكاره والتهم التي وجهت اليه من قبل حاسديه ومنافسيه.
الشحمان: نعم جميلة جداً هي القصيدة التي تفضلتم بقراءتها ولعلها تعتبر أفضل وأجمل الأشعار الغزلية لا في الأندلس فحسب وإنما في بقية أصقاع العالم العربي وهي كما تفضلتم للسان الدين ابن الخطيب، هذا الرجل الذي ينتمي الى مدينة غرناطة في الأندلس وعرف بأنه كان يجمع بين السياسة وبين الأدب والعلم في شخصيته فقد كان وزيراً وكان مؤرخاً أديباً وكان نبيلاً، عرفت أسرته ببني الوزير وكان يلقب بذي الوزارتين، كانت له وزارة القلم وكانت له وزارة السيف فيمكننا القول إنه كان من الأدباء والشعراء الفرسان ايضاً. لقب بلقب آخر وهو ذو العمرين لأنه كان يشتغل في التصنيف والتأليف ونظم الشعر ليلاً وكان يدبر أموره المملكة في نهاره. ويعتبر لسان الدين بن الخطيب الذي عاش كل حياته في القرن الثامن الهجري يعتبر من اعظم رجال الأندلس في عهدها الأخير يعني قبيل خروجها من سيطرة المسلمين ولعل هذه القصيدة التي قرأتم بعضاً من أبياتها يمكننا أن نعتبرها بمثابة وداع الأندلس ولأرض أحلامه، وهي أكثر من كونها قصيدة غزلية يتذكر أيامه في الأندلس وكأنه يتذكر أيام المسلمين وعظمتهم في هذه الأرض. على كل حال قلنا إن لسان الدين بن الخطيب كان وزيراً وإستوزره السلطان أبو الحجاج ثم إبنه الغني بالله وحظي بمكانة كبيرة لديهما حتى أنه أثار حسد الحاسدين عليه فأضطر الى ترك هذه المدينة العزيزة على قلبه فتوجه الى تلمسان وكان السلطان عبد العزيز يحكمها في ذلك الوقت وبالغ هذا السلطان في إكرام الشاعر حتى توفي هذا السلطان وعندما توفي تجرأ حاسدوه على شاعرنا وعلى أديبنا فإتهموه بالزندقة لأنه على حد زعمهم كان يسلك سلوك مذاهب الفلاسفة في كتبه وفي أشعاره فسجن ومات مخنوقاً على ما روي في السجن. ترك لنا لسان الدين بن الخطيب، كما قلنا كان أديباً وعالماً وشاعراً وسياسياً في نفس الوقت، ترك الكثير من المؤلفات في أكثر فروع المعرفة في ذلك الوقت، في التاريخ والسياسة والطب والتصوف والفقه والأصول والأدب. من بين الاثار التي يمكن ..
المحاورة: يعني كان له إهتمام خاص في أشكال العلم
الشحمان: نعم بالإضافة الى الشعر، الشعر والكتابة، كان شاعراً وكاتباً. كان الشعر يشكل جانباً من جوانب شخصيته. وأريد هنا أن أشير الى بعض مؤلقاته وهي الإحاطة في تاريخ غرناطة، وله كتاب لطيف في أدب الرحلات الى بلاد المغرب يسمى خطرة الطيف فب رحلة الشتاء والصيف، أعجب به العلماء كثيراً وأشادوا به حتى قال عنه ابن حجر العصقلاني "وتولع بالشعر فنبغ فيه حتى فاق أقرانه". وبالمناسبة هو كان صديقاً مقرباً الى الفيلسوف المعروف إبن خلدون فقال فيه إبن خلدون "كان الوزير إبن الخطيب آية من آيات الله في النظم والنثر والمعارف والأدب لايساجل مداه ولايهتدي فيها بمثل هداه". على كل حال أعتقد ان الحديث قد طال وفقد أريد أن آتي بمختارات من أشعاره، يبدو لنا لسان الدين الخطيب معتداً كثيراً فنلاحظ نفس المتنبي في أشعاره من حيث الإعتداد بالنفس حتى في المواضع التي يمدح فيها الحكام والسلاطين. من بين هذه الأبيات التي يمدح فيها حاكم غرناطة في ذلك الوقت الغني بالله وكان إسمه محمد، وفي الحقيقة هو كان يمدح نفسه يقول :
محمد قد أحييت دين محمد وأنجزت
من نصر الهدى سابق الوعد
ودونكها من بحر فكري جواهراً
تقلد في نحر وتنتظم في عقد
ركضت بها خيل البديهة جاهداً
وأسمعت آذان المعاني على بعد
الشحمان: وايضاً له في الغزل، وفي الحقيقة في مجال الغزل يعتبر لسان بن الخطيب قد تلاحظ التكلف المبالغة والتكرار في بعض أشعاره وخاصة في المدح وفي الرثاء ولكن في الغزل نواجه شعراً رائعاً مبتكراً وليس مكروراً في أي حال من الأحوال وخاصة في قصائده الغزلية، نلاحظ الشاعر اكثر صدقاً وأصدق لهجة فيها وعادة يكون بعيداً عن التكلف والصنعة. على كل حال هذا هو لسان الدين بن الخطيب وهذا هو قصارى ما نستطيع قوله في هذه الدقائق القليلة.
المحاورة: على العموم دكتور شكراً لكم وشكراً على هذه المعلومات القيمة التي تفضلتم بها فيما يتعلق بشخصية الشاعر والأديب الأندلسي لسان الدين بن الخطيب
الشحمان: حياكم الله ولاشكر على واجب
المحاورة: مستمعينا الكرام نبقى مع أبيات أخرى من رائعة هذا الشاعر الخالدة وهي زمان الوصل التي تمثل لوحة فنية ساحرة حافلة بالصور الخلابة والمعاني المبتكرة الطريفة والأخيلة التي قلما تمر على ذهن شاعر سوى شاعر قدير من مثل إبن الخطيب.
يا أهيل الحي من وادي الغضا
وبقلبي سكن أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا
لاأبالي شرقه من غربه
فأعيدوا عهد أنس قد مضى
تعتقوا عانيكم من كربه
وإتقوا الله وأحييوا مغرضاً
يتلاشى نفساً في نفسي
حبس القلب عليكم كرماً
أفترضون عفاء الحبس؟
المحاورة: مستمعينا الكرام وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد قدمناها لكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، أشكر ضيفي الكريم في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان، دكتور شكراً جزيلاً بكم
الشحمان: وأنا أشكركم على امل تجديد اللقاء بكم
المحاورة: إن شاء الله في الحلقات المقبلة. حتى الملتقى أطيب التحيات والى اللقاء.