خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان السلام عليكم
أحبتي محبي الأدب ومتذوقي الشعر يسرنا أن نجدد اللقاء بكم تحت أفياء خميلة اخرى من خمائل الشعر العربي حيث نسائم الأدب العليلة وبرد القوافي المنعش للقلوب والمسر للأرواح والنفوس آملين أن تقضوا معنا اجمل الأوقات وأمتعها مع ما أعددناه لكم في حلقتنا لهذا الأسبوع من سير القصائد، رافقونا.
المحاورة: مستمعينا قصيدتنا لهذا الأسبوع لأحد الشعراء المتيمين وهو قيس بن ذريح الملقب بمجنون لبنى وهي من نوع الغزل العذري العفيف الذي يندب فيه العاشق حظه ويطلق أناته وآهاته وشكواه من الظروف القاهرة والتقاليد الاجتماعية القاسية التي تسببت في انفصال الحبيبين عن بعضهما البعض قسراً خاصة وأن هذا الانفصال حدث بعد زواجهما وبعد أن جمعهما بيت واحد وخيل اليهما أنهما قد بلغا بغيتهما، وودع الى الأبد تباريح الهوى ولواعج الغرام فلقد شاءت الأقدار او قل شاءت ارادة قبيلة الشاعر لأن تجبره وتركعه على أن ينفصل عن محبوبته ولكن العاشق المخلص المتيم دفعه الاخلاص للحبيب الى أن يعود اليه مهما كلفه الأمر فعاد ولكن ليجد هذا الحبيب جثة هامدة برحها هي ايضاً الشوق حتى قضى عليها، كما يحدثنا قيس عن ذلك في الأبيات التالية التي تمثل أنشودة انسانية مأساوية تحكي ظلم الانسان لأخيه الانسان، فلنستمع معاً أحبتنا الكرام.
عفا سرف من اهله فسراوع
فجنب أريك فإبتلاع الدوافع
لعل لبينى أن يحل لقاءها
ببعض البلاد إنما حمى واقع
ولما بدا منها الفراق كما بدا
بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع
تمنيت أن تلقى لبيناك والمنى
تعاصيك أحياناً وحيناً تطاوع
ومامن حبيب وامق لحبيبه
ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجع
وطار غراب البين وإنشقت العصا
ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا ياغراب البين قد طرت بالذي
أحاذر من لبنى فهل انت واقع
وانك لو أبلغتها قيلك أسلمي
طوت حزناً وإرفض منها المدامع
تبكي على لبنى وانت تركتها
وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شيء ندامة
اذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه
مشت ولا مافرق الله جامع
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم مع هذه الحلقة من برنامجكم الأدبي سير القصائد. احبتي معي في الستوديو خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو عن هذا اللون من الشعر الغزلي الانساني الذي شاع وانتشر في العصر الأموي الى حد تشكيله لغرض مستقل من اغراض الشعر العربي في تلك الفترة. دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأحييكم أجمل تحية في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعني بكم وبالمستمعين الكرام
المحاورة: شكراً لكم وأهلاً بكم. دكتور شاعرنا لهذه الحلقة هو قيس بن ذريح الملقب بمجنون لبنى.
الشحمان: في الحقيقة قيس بن ذريح الليثي الكناني والذي يلقب بمجنون لبنى، وفي الحقيقة هو لم يكن مجنوناً ولم يكن أحد من هؤلاء الشعراء الذين اشتهروا بقصص حبهم وغرامهم، لم يكونوا مجانين وإنما لقبوا بالمجانين لهيامهم وتشبثهم بالأشخاص الذين كانوا يكنون لهم الحب والغرام. في الحقيقة شعر الغزل بشكل عام انتشر بكل ملفت للنظر في العصر الأموي وخاصة في منطقة الحجاز، ظهر الكثير من شعراء الغزل في هذه المنطقة ومنهم قيس بن الملوح وكثير عزة وجميل بثينة وايضاً عمر بن أبي ربيعة وإن كان عمر بن أبي ربيعة اشتهر بالغزل المكشوف، الغزل الاباحي المكشوف. هذا النوع من الغزل كما تفضلتم انتشر بكل واسع في تلك الفترة وفي تلك المنطقة حتى شكل غرضاً مستقلاً بعد أن كان على شكل مقدمات في العصر الجاهلي وفي بدايات العصر الاسلامي حتى يقال إن الشعر الصوفي إستمد معانيه من هذه الأشعار الغزلية. على كل حال قيس بن ذريح كما تقول عنه الروايات كان أخ الامام الحسين عليه السلام بالرضاعة وكما قلت كان شاعراً غزلياً من الحجاز وعاش في العصر الاسلامي وفي بدايات العصر الأموي وكان من الشعراء المتيمين، هام في حب لبنى التي كانت تنتمي الى قبيلة اخرى وهي قبيلة بني خزاعة وحدثت بينهما قصة حب وعشق اشتهرت وذكرتها كتب الأدب ورويت أشعارها وخاصة من جانب قيس بن ذريح ويقال تقدم قيس في الزواج من لبنى ولكن قبيلة الشاعر نفسه وقبيلة الحبيبة، حيث يبدو أنه كانت اختلافات بينهما تسببت في أن يرفض شيوخ القبيلتين الزواج ويقال في هذا المجال إن قيس بن ذريح أتى الامام الحسين عليه السلام للتوسط للزواج من لبنى وشكى ما يعاني منه فقال الامام الحسين "أنا أكفيك" فمضى معه الى أبي لبنى فلما بصر به وثب اليه وأعظمه وقال ابن بنت رسول الله ما جاء بك إليّ؟ ألا بعثت اليّ فآتيك؟ قال قد جئتك خاطباً ابنتك لبنى لقيس بن ذريح، فقد عرفت مكانه مني. يعني يريد القول إنه أخي في الرضاعة.
فقال يابن بنت رسول الله ماكنت لأعصي لك أمراً وما بنا عن الفتى رغبة ولكن احب الأمر الينا أن يخطبها ذريح علينا وأن يكون ذلك عن أمره فإنا نخاف أن يسمع أبوه بهذا فيكون عاراً ومسبة علينا. ثم أن الامام الحسين ذهب ايضاً الى قبيلة الشاعر واجتمع بالقبيلة ولأنهم كانوا يعرفون عظمة اهل البيت عليهم السلام فلم يردوا للإمام عليه السلام طلباً فوافقوا على الزواج وبالفعل تزوج قيس من لبنى ولكن حدثت بعد ذلك مشاكل لأن أباه كان غنياً وكان يريد ولداً ليرثه ..
المحاورة: على ما يبدو لبنى لم تكن تلد
الشحمان: نعم يبدو كذلك كما روت الروايات فمارس عليه ضغوطاً شديدة كما فهمت من القصة حتى أن قيس نفسه يقول إن والدي تركاني لمدة إثني عشرة سنة حتى اضطر أخيراً قيس الرضوخ لضغوط والديه فطلق زوجته لبنى ولكن الحب الذي تمكن من قلبه دفعه الى أن لايطيق الصبر عنها فتفجرت قريحته شعراً رائعاً في هذا المجال وحتى بالنسبة للبنى خيرها بين أن تبقى معه وبين أن يطلقها وبالفعل طلبت الطلاق منه ووافق على الطلاق وأراد قيس أن يعود الى لبنى لكن الموت لم يمهلها فتوفيت، ويقال إنه توفي على إثرها. يقال سقط مغشياً عليه ولما أفاق أنشد قوله:
وإني لمفني دمع عيني بالبكا
حذاري الذي قد كان هو كائن
وقالوا غداً او بعد ذلك بليلة
فراق حبيب لم يبن وهو بائن
الشحمان: وايضاً قال في هذا المجال بعد وفاة حبيبته لبنى:
بت والهم يالبينا ضجيعي
وجرت مذ نأيت عني دموعي
وتنفست اذا ذكرتك حتى زالت
اليوم عن فؤادي ضلوعي
يالبينا فدتك نفسي وأهلي
هل لدهر مضى لنا من رجوع
المحاورة: نعم على مايبدو دكتور الفراق كان دائماً حافزاً أساسياً في الشعر الغزلي العذري
الشحمان: نعم الألم والفراق والآلام هي التي تصنع العظماء دائماً والعظماء لن يصلوا الى هذه المرتبة إلا بعد أن تحملوا الأهوال وقسوة المجتمع ..
المحاورة: دكتور مع الأسف الشديد الوقت داهمنا والحديث شيق ولكن ليس لدينا من الوقت
الشحمان: نعم إن شاء الله نحاول أن نتحدث ونعطي الموضوع حقه في حلقة اخرى إن شاء الله
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم وشكراً لكم مستمعينا الكرام حتى الملتقى أطيب التحيات.