خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم
أجمل التحايا القلبية نبعثها الى حضراتكم في هذه المحطة الجديدة التي تجمعنا بكم تحت أفياء واحات الشعر العربي عبر روائعه وعيونه الخالدة على مر الدهور والعصور. ولاعجب في ذلك فالكلمة الصادقة المؤثرة والتعابير المصاغة بأحلى الألوان والصور الفنية لايمكن أن تنسى وستظل محفورة في القلوب والأذهان تتناقلها الأجيال جيلاً بعد آخر دون كلل او ملل. تابعونا أيها الأحبة مع قطافنا لهذا الأسبوع الذي سنواصل فيه رحلتنا في رحاب عالم غادة السمان الشعري.
المحاورة: تواصل الشاعرة إطلاق صراخاتها الأنثوية الإحتجاجية الصادرة من تجربة حب فاشلة او ربما علاقة زواج غير متوافقة علقت ذكرياتها في اعماق النفس وترسمت خواطرها بين دهاليز الروح فإذا بها تستحيل تجربة مؤلمة تتحول الى ما يشبه طعنات الخنجر حين الذكرى والإسترجاع ومع ذلك فإن قرار الإنفصال الذي إتخذته الشاعرة كان القرار الأخير الذي لاعودة منه فلابد في بعض الأحيان من الكي وآخر الدواء الكي كما يقولون ولابد من قطع بعض الأشياء لكي يمكن للإنسان مواصلة مسيرته في الحياة دون تعلق بالماضي ودون رسف تحت وطئة اغلال الذكريات كما تعلن الشاعرة ذلك قائلة في حزن مرير:
وجوه الأصدقاء حقل مزروع بالألغام
وأصابعهم خناجر
وأنت كنت ملاذ القلب
ولأجلك وحدك إستحالت أشواكه سنابل
ربما لذلك كانت طعنتك الأشد حرقاً ونفاذاً
قليل من الشجار ينعش ذاكرة الحب
قليل من الشجار ينعش قلب الحب
لكننا شربنا من خمرة الشجار
حتى ثملنا
وقتل كل منا صاحبه
وعربد على جثته
حتى دون أن يلحظ ذلك
وايضاً أغفر لك
أنك حولتني من عصفور الرحيل الى مسمار
مثبت في تابوت الغم
كنت ممتلئة بك
راضية مكتفية بك
ولكن زمننا كان مثقوباً
يهرب منه رمل الفرح بسرعة
أتعذب بسبب ما فعلته بك
بعد أن أرغمتني
على أن أفعله بك
أعلنت عليك الحب
أعلنت عليك السلام
أعلنت عليك الغفران
بقي أن تعلن على نفسك السلام والغفران
المحاورة: أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام نجدد التحية ممن طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وأنتم مع هذا اللقاء من برنامجكم سير القصائد. مستمعينا الكرام يشرفني في هذه الفقرة من البرنامج أن أستضيف في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأبعث تحياتي ايضاً الى المستمعين الكرام
المحاورة: حياكم الله. دكتور لعلك توافقني الرأي في أن التعلق الشديد والحب المتجاوز للحدود أحياناً قد يتحول الى كارثة والى صدمة كبرى تعبر عن نفسها في كآبة ملازمة وخيبة امل تنعكس على كل تفاصيل الحياة ربما هذا ما نلمسه في لغة الشاعرة غادة السمان.
الشحمان: نعم صحيح ممكن أن تحدث مثل هذه الظواهر والأحداث على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام ومن ضمن الأحداث التي أثرت في معرض حديثنا او استمراراً لحديثنا عن شخصية الكاتبة والشاعرة غادة احمد السمان. نقول غادة احمد السمان تمييزاً لها عن غادة اخرى هي ايضاً من لبنان اسمها ايضاً غادة فؤاد السمان ولكن عندما نقول غادة السمان تنصرف الأذهان الى غادة احمد السمان نظراً الى شهرتها كأديبة وكاتبة وشاعرة. وكنت أقول إن من ضمن الحوادث التي أثرت كثيراً في شخصيتها بعد وفاة والدتها وبعد المؤثرات التي تلقتها من العواصم الأوربية والتي تمخضت عن إصدار مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" فبي عام ٦٦ والتي بلغت فيها ذروة نضجها الأدبي في الأسلوب والمضمون ودفعت بالكثير من النقاد الكبار الى الإعتراف بموهبتها وبتميزها بين الشاعرات والكاتبات الأخريات من مثل محمود امين العالم الناقد المعروف. من بين الأحداث الأخرى التي أسهمت في صقل شخصية غادة السمان هي هزيمة حزيران نظراً الى أنها كانت تعاصرها لأنها من جيل الخمسينات وهزيمة حزيران كما نعلم حدثت في السبعينات في عام ٦۷، كانت بمثابة صدمة كبيرة حتى أنها دفعتها لأن تكتب مقالتها الشهيرة عندما حطت برحالها في لندن كتبت مقالاً شهيراً تحت عنوان "أحمل عاري الى لندن". هذه المقالة الشهيرة التي دعت فيها القادة، يعني كانت من الأشخاص القلائل الذين حذروا الشعوب العربية والنخبة المثقفة من استخدام مصطلح النكسة على هذه الحادثة نظراً الى أثرها التخديري على الشعوب العربية بشكل خاص والاسلامية بشكل عام. بعد هذه الهزيمة حدثت وقفة في نتاجات الشاعرة والكاتبة لفترة معينة وكانت منشغلة في العمل الصحافي.
في الحقيقة غادة السمان تجمع في أسلوبها الأدبي، واود ايضاً أن أسميها برأيي الشخصي ملكة القصيدة النثرية، قصيدتها النثرية رغم أنها تفتقر الى الوزن والى البحور التي نعرفها والى القوالب الشعرية ولكن نفسها هو الذي يسعفها وهو الذي يرتفع بها الى مستوى اللغة الشعرية فجمعت غادة في أسلوبها بين تيار الوعي وأقصد أنها طرحت في أدبها القضايا الجادة وطرحت هموم الأمة ويمتاز أسلوبها بعرض صور متلاحقة وسريعة تصوغها في أسلوب شعري موحي وأسلوب شعري مؤثر. نظراً الى ضيق الوقت احب أن أقرأ مقطعاً من قصيدة شهيرة ومعروفة لها اخرى غير هذه القصيدة التي تحمل عنوان "أعلنت عليك الحب" وهي قصيدة "اميرة في قصرك الثلجي". تقول فيها:
اين انت أيها الغالي
ضيعتني لأنك أردت إمتلاكي
اين انت ولماذا جعلت من نفسك خصماً لحريتي
وإضطررتني إجتزازك من تربة عمري
ذات يوم جعلتك عطائي المقطر الحميم
كنت تفجر الأصيل في غاب الحب
دونما سقوط في وحل التفاصيل التقليدية التافهة
لماذا كسرت اللوحة وإستحضرت خبراء الاطارات
أنصت الى اللحن نفسه وأتذكرك
وكانت اللحظة لحظة خلود صغيرة
وفي لحظات الخلود الصغيرة تلك
لانعني عبارة ذكراك
مالايعي الطفل لحظة ولادته
موته المحتوم ذات يوم
حاولت أن تجعل مني اميرة في قصرك الثلجي
لكنني فضلت أن أبقى صعلوكة
في براري حريتي
الشحمان: طبعاً هي قصيدة طويلة وقرأت مقاطع منها. وأتقدم اليكم بالشكر على هذه الإستضافة ونأمل أن نكون قد اوفينا بالحديث حول هذه الأديبة والشاعرة.
المحاورة: شكراً لكم على هذا الحضور وهذه الإيضاحات التي تفضلت بها دكتور حول شاعرتنا لهذه الحلقة غادة احمد السمان. اما الآن نعود بكم مستمعينا الكرام لتحلق في عالم غادة الشعري عبر إعلانها حالة الحب، الحرب ولكن دون امل في المصالحة والسلام. فلنتابع معاً.
قبل أن انام أطرد صورتك من رأسي
بكل تعاويذ العقل وكل القوانين الاجتماعية
ولكن حبك يقطن تلك الدهاليز في أعماقي
التي لاتطالها سلطة الملك العقل
التي لاتطالها سلطة الملك العقل
حبك يتكاثر ويتناثر في داخلي
ويصدعني
وهكذا، حين أظن رحلت الى النوم
يظل جزء مني يتابع حياته السرية
مسكوناً بك، ممعناً في حبك
يوقظني عند الفجر
بضربة من فأس الشوق في منتصف رأسي
أهو صداع أم تصدع في روحي؟
أيها القريب على مرمى صرخة
البعيد على مرمى عمر
إني أعلنت عليك الحب
إني أعلنت عليك السلام
إني اعلنت عليك الغفران
رغم كل ما كان وما قد يكون
المحاورة: بهذا نصل واياكم أيها الأحبة الى نهاية حلقة هذا الأسبوع من سير القصائد، هذا البرنامج الذي يقدمه لكم قسم الثقافة والأدب والفن في اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. إنتظرونا في لقاءنا القادم بإذن الله عند المزيد من النتاجات الشعرية العربية على مر العصور، في امان الله.