البث المباشر

الشاعر عدنان الصائغ ۲

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:32 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الاخوة والأخوات نحييكم أجمل تحية ونحن نعاود اللقاء بكم عند محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد حيث الآفاق الشعرية الممتدة عبر العصور والأماكن وحيث يقدم لنا الشعراء تجاربهم الشعرية الناضجة على طبق من الصياغة الشعرية مرصع بلآلئ المعاني ومزين بزخارف الصور الفنية الأخاذة التي تحملنا دون ارادة منا الى الإصغاء والتفاعل والتأثر. رافقونا مشكورين أيها الأحبة.
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات سنسبر معكم في هذه الحلقة آفاقاً جديدة من مطولة الشاعر العراقي المعاصر عدنان الصائغ "أوراق من سيرة تأبط منفى" هذه المعلقة المعاصرة التي يبدو أن الشاعر كتبها وهو ينتقل من منفى لآخر إعتباراً من مغادرة الوطن حيث تبدأ رحلة العذاب لتتقاذفه المنافي ويعيش هذه التجربة القاسية، تجربة الغربة والتشرد وإمتدادات المسافات بين الوطن والمنافي. تعالوا معنا أيها الأحبة لنكمل تسيارنا بين ما إخترناه لكم من القصيدة قبل أن يجمعنا اللقاء مع خبير البرنامج.

حياتنا التي لم يؤرخها أحد

حياتنا

ناياتنا المبحوحة في الريح

او نشيجنا في العلب

حياتنا المستهلكة في الأضابير

والمشرورة فوق حبال غسيل الحروب

ترى! اين أولي بها الان؟؟

حين تستيقظ فجأة في آخرة الليل

وتظل تعوي في شوارع العالم

أضع يدي على خريطة العالم

وأحلم بالشوارع التي سأجوبها بقدمي الحافيتين

والمكتبات التي سأستعير منها الكتب

والمخبرين الذين سأراوغهم

من شارع الى شارع

منتشياً بالمطر والكركرات

حتى أراهم فجأة أمامي

فأرفع إصبعي عن الخارطة خائفاً

وأنام ممتلأ بالقهر

سأقذف جواربي

تضامناً مع من لايملكون الأحذية

وأمشي حافياً

ألامس وحول الشوارع بباطن قدمي

محدقاً في وجوه المدخمين وراء زجاج مكاتبهم

آه

لو كانت الأمعاء البشري من زجاج!

لرأينا كم سرقوا من رغيفنا!

اين يداك؟

نسيتهما يلوحان للقطارات الراحلة!

اين امرأتك؟

إختلفنا في أول متجر دخلناه!

اين وطنك؟

إبتلعته المنجنزرات!

اين سماءك؟

لاأراها!

لكثرة الدخان واللافتات!

اين حريتك؟

إنني لاأستطيع النطق بها

من كثرة الإرتجاف!!


المحاورة: أيها الأحبة تحياتنا لكم من جديد وأنتم برفقة برنامجكم الأدبي سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. يسرنا أن نلتقي من جديد بخبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، في البدأ أرحب بكم دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام ورحمة الله
الشحمان: أرحب بكم بدوري وأعبر عن فرحي وسروري لتجديد اللقاء بكم وبالمستمعين الكرام
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا. دكتور في الحلقة الماضية تحدثنا عن الشاعر العراقي عدنان الصائغ وعن قصيدته "أوراق من سيرة تأبط منفى" دكتور ارجو أن تكمل الحديث لنا وللمستمعين الكرام حول ما بدأناه في الحلقة الماضية.
الشحمان: نعم نستمر في هذا القسم من البرنامج ونواصل حديثنا حول هذا الشاعر الكبير، الشاعر العراقي المعاصر الذي كما قلنا يعتبر من جيل ما بعد الرواد أي من جيل الثمانينات. الشاعر عدنان الصائغ إبن مدينة الكوفة، الشاعر الذي تميز عن بقية الشعراء بأسلوبه الخاص به الذي قلنا إنه أسلوب تكتنفه تعابير وكلمات ومصطلحات خاصة بالتراث والتراث العراقي بالتحديد ومستوحاة ايضاً من الشارع العراقي ومن الثقافة الشعبية العراقية..
المحاورة: ولطالما هذا الشاعر تأوه وشكى في أشعاره حالة الارهاب الفكري من قبل أنظمة القمع الاستبداد.
الشحمان: هذه هي حالة تلك المجموعة من الشعراء الذين عارضوا النظام السابق في العراق وعارضوا أنظمة الحكم الدكتاتورية القائمة على القمع مما أضطره ذلك الى مغادرة وطنه الحبيب ليعيش تجربة المنافي المرة كما يعبر عن ذلك في هذه القصيدة التي تفضلتم بقراءتها "أوراق من سيرة تأبط منفى" وهو في الواقع يريد...
المحاورة: تأبط شراً!!
الشحمان: تأبط شراً. وكأنه يشير الى أن المنفى يمثل شراً من الشرور التي يضطر الانسان في بعض الأحيان المرور بها ومواجهتها. على كل حال عدنان الصائغ يعتبر من الشعراء الكبار الذين إسترعوا إهتمام النقاد والشعراء الآخرين ومنهم على سبيل المثال عبد الوهاب البياتي الذي يقول عنه إن عدنان الصائغ شاعر مبدع يواصل مسيرته عبر حرائق الشعر ويغمس كلماته بدم القلب. ويقول عنه الأديب الفلسطيني الكبير جبرة ابراهيم جبرة، يقول الشعر اليوم كثير جداً ولكن ما يستحق أن يصغى اليه قليل جداً وشعر عدنان الصائغ من هذا القليل..
المحاورة: وحقاً دكتور تعتبر هذه شهادات فخرية لهذا الشاعر
الشحمان: نعم هناك الكثير من الشهادات التي تشيد بهذا الشاعر وهو حقاً كذلك ومنها قول الدكتور عبد الرحمن الكيالي يقول ينتهي ديوانه ولاتنتهي اوجاع القارئ ولادموعه ولاأحساسه بمأساة ما إرتكبه الطغاة في تاريخ البشرية. فهو يصور لنا خير تصوير الفجائع التي ارتكبها الطغاة عبر التاريخ وخاصة في التاريخ الحديث الذي مر به العراق. مثلاً له قصيدة كان من المقرر أن نستعرض بعض مقاطعها في هذا المجال، من جملة هذه القصائد قصيدة تحمل عنوان "لأمي" يصور لنا فيها الشاعر الكبير عدنان الصائغ خير تصوير نفسية الأم العراقية، هذه الم التي مررت بالكثير من التجارب المرة خلال تاريخ العراق قديمه وحديثه، شهدت الحروب والفجائع الكثيرة وشهدت المذابح الكثيرة فتولد لها خوف يكاد أن يكون هذا الخوف فطرياً وغريزياً في نفسها، هي خائفة دوماً وتشعر بالقلق على اولادها وخاصة أبناءها الذين يساقون الى الحروب والذين يتعرضون الى المذابح. يقول الشاعر الكبير عدنان الصائغ مصوراً هذه الهواجس التي تعتري الأمهات في العراق وهن يرين رؤى العين أبناءهن يساقون الى الحروب، يقول:

لأمي اذا انسدل الليل حزن شفيف

كحزن الحدائق

وهي تلملم في آخر الليل

اوراقها الذابلة

لأمي سجادة للصلاة

وخوف قديم من الدركي

تخبأنا كلما مر في الحي تحت عباءتها

وتخاف علينا عيون النساء

وغول المساء وغدر الزمان

لأمي عاداتها لاتفارقها

عند الغروب ستشعل حرملها

عاطراً بالتمائم يطرد عن بيتنا الشر

كانت تقول وعين الحسود

وكل ثلاثاء تمضي الى مسجد السهلة


الشحمان: مسجد السهلة من المساجد المعروفة في مدينة الكوفة
توزع خبزاً وتمراً
وتنذر
الشحمان: لاحظي كيف يصور التقاليد

وتنذر للخضر صينية من شموع

اذا جاءها بالمراد

ستوقدها في المساء على شاطئ الكوفة

فأبصر دمعتها تتلألأ تحت الرموش البليلة

منسابة كإرتعاش ضياء الشموع

ألا أيها النهر رفقاً بشمعات امي

فنيرانها


الشحمان: هذه العادات في العراق كانت رائجة فمن هذه العادات كانوا يشعلون الشموع ثم يتركونها في النهر ويشيعونها بأعينهم خوف أن تسقط في الماء

فنيرانها بعد لم تنطفأ

ياسيد الخضر رفقاً بدمعات امي

ففي قلبها كل حزن الفرات


الشحمان: هذا نموذج من الأشعار التي انشدها ونظمها الشاعر الكبيرعدنان الصائغ وصور فيها العادات والطقوس والشعائر الشعبية في محيطه.
المحاورة: بأجمل شكل حقاً
الشحمان: وبشكل مؤثر وهذا قصارى ما نستطيع قوله حول هذا الشاعر
المحاورة: كل الشكر والإمتنان نقدمه لكم ضيفنا الكريم
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: شكراً لكم على هذه الإفادات التي تفضلتم بها والآن أدعوكم وأدعو مستمعينا الكرام لإستكمال رحلتنا مع الشاعر عدنان الصائغ بين منافيه فتابعونا.

دموعي سوداء

من فرط ما شربت عيوني

من المحابر والزنازين

خطواتي قصيرة

من طول ما تعثرت بين السطور

بأسلاك الرقيب

أمد برأسي من الكتاب

وأتطلع الى ما خلفت ورائي

من شوارع مزدحمة

واعجب كيف مرت السنوات

وأنا مشدود بخيوط الكلمات

الى ورقة

لاشمعة في يدي

ولاحنين

فكيف أرسم قلبي؟

لاسنبلة أمام فمي

فكيف أصف رائحة الشبع؟

لنستمع الى غناء الملاحين

قبل أن يقلعوا بأحلامهم

الى عرض البحر

وينسون

أنا القيثارة، من يعزفني؟

أنا الدموع، من يبكيني؟

أنا الكلمات، من يرددني؟

أنا الثورة، من يشعلني؟!

أكتب ويدي على النافذة

تمسح الدموع عن وجنة السماء

أكتب وقلبي

في الحقيبة يصغي لصفير القطارات

أكتب وأصابعي

مشتتة على مناضد المقاهي ورفوف المكتبات

أكتب وعنقي مشدود

منذ بدأ التاريخ

الى حبل مشنقة!!

أكتب وأنا أحمل ممحاتي دائماً

لأقل طرقة باب

وأضحك على نفسي بمرارة

حين لاأجد أحداً سوى الريح!!


المحاورة: نودعكم أيها الأحبة آملين أن يعيش الجميع في أوطانهم ينعمون بالأمن والأمان بعيداً عن تجربة الغربة والنفي المريرة. شكراً لطيب متابعتكم وشكراً لحضوركم دكتور وإن شاء الله نلتقي بكم وبالمستمعين الكرام في الحلقة المقبلة
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: شكراً لكم مستمعينا الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة