البث المباشر

الشاعر محي الدين فارس

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:32 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أيها الأحبة في كل مكان السلام عليكم. سلام القوافي وتحايا الشعر نبعثها اليكم من قلوبنا وأرواحنا المتناغمة معكم دوماً، مع قلوبكم وأرواحكم المحبة للكلمة، الكلمة الساحرة الموحية المؤثرة التي لانراها إلا في قصائد الشعراء الذين وهبهم الخالق تعالى موهبة سحر البيان وحكمة القول والقدرة على الغوص في عمق الظواهر والأشياء، نرحب بكم أجمل ترحيب وندعوكم لمرافقتنا عبر آفاق اخرى من آفاق الشعر العربي من خلال قصائده التي ظلت عالقة في ذاكرة التاريخ وإستعصت على الزوال والنسيان.

أخذت تهامسني ممرات الحقول

وشبك الصفصاف أذرعه

يصد حرارة الرمضاء عني

تتبخر الأحزان مني

حين أزرع دربها نخلاً

وأسقيها قرابيني وفني

ستعيدني لطفولتي

وتعيد ليّ الوتر المغني

وتمدني بعصارة النبت الجديد

تقيلني من عثرتي

وتذود عني

تخضر آلاف الخلايا

في تضاعيفي

وينمو البرعم الغافي

بأعماقي

ويزهر كل غصن

الآن أخرج من شبابيك الدجى

لأغيب في المجهول

أمرق من أسار الطين

أمرق من كون الأزمان

تشربني السماء

لأعود للنبع الإلهي المضاء


المحاورة: أطيب وأحلى التحيات بكم من جديد أيها الأفاضل. المقطع الشعري الذي تناهى الى أسماعكم قبل الفاصل ليس لشاعر من شعراء المهجر وإن كان يشبه أشعارهم من حيث نفسه الرومانسي الحالم المتعانق مع الطبيعة، كما أنه ليس لشاعر من شعراء المدرسة الرمزية وإن كان شكل القصيدة وقالبها التفعيلي يوحيان بذلك بل هو من قصيدة تحمل العنوان "أذرع الصفصاف" لأحد الشعراء السودانيين المعاصرين الذين تميزوا بلغتهم الشعرية السليمة ومحاولتهم التوفيق بين القصيدة العربية الكلاسيكية وبين الشعر الحديث بإنطلاقاته الحالمة ونزعته الى الرمز وسبر أغوار المجتمع ومجاهل النفس البشرية، أنه الشاعر السوداني المعاصر محي الدين فارس الشاعر الذي حمل لنا في قصائده نزعة الشعراء السودانيين المعروفة بالتصوف والزهد والتوجهات الافريقية بإعتباره منتمياً الى القارة السمراء بقضاياها وهمومها. ثم هنالك أيها الأحبة ايضاً الروح العربية المتناغمة مع قضايا العالمين العربي والاسلامي، كل ذلك نراه محتشداً في نتاجات هذا الشاعر المتعدد الإنتماءات كما سيحدثنا أيها الأفاضل عن ذلك خبير البرنامج الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان. دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وتحياتي الى المستمعين الكرام في هذا البرنامج:
المحاورة: حياكم الله دكتور. دكتور شاعرنا لهذه الحلقة هو من شعراء القارة السمراء وهو الشاعر السوداني المعاصر محي الدين فارس.
الشحمان: نعم في هذه الحلقة من البرنامج سوف نسبر أغوار القارة السمراء بما تحفل به من رموز ومن أسرار وخفايا ومراهب كثيرة تختزنها في ذاكرتها القديمة العريقة الممتدة عبر الزمن. هذه المرة سنتحدث عن أحد الشعراء السودانيين المعاصرين الموهوبين وهو الشاعر محي الدين فارس، الشاعر السوداني الذي إنطلق من أرض السودان، أرض المواهب الشعرية والأدبية وأرض الناس البسطاء ذوي النزعة الدينية وذوي النزعة الصوفية. هذا الشاعر يتميز بأنه بدأ مسيرته الشعرية وغشي ساحة الشعر العربي منذ وقت مبكر جداً، منذ كان طالباً في الثانوية وعاصر الكثير بل وسبق الكثير من الأسماء العربية اللامعة في سماء الشعر ومنهم مثلاً صلاح عبد الصبور الشاعر المصري حيث أن محي الدين فارس نشر أول تجاربه الشعرية متمثلة في ديوان الطين والأظافر في سنة ٥٦ بينما نشر الشاعر صلاح عبد الصبور ديوانه الأول وهو الناس في بلادي في سنة ٥۷ وعاصر هذا الشاعر بل وكان زميلاً للشاعر السوداني الأكبر محمد مصباح الفيتوري وبذلك يمكن أن نعتبر الشاعر محي الدين فارس من الكوكبة الأولى من الشعراء الذين أدخلوا الكثير من التجديدات رغم يعتبر من الشعراء المغمورين إلا أن قصيدته التي تفضلتم بقراءتها تشهد له بموهبته الشعرية وبلغته الشعرية الحالمة حتى ليبدو وكأنه كاهناً او عرافاً يتبوء بالمستقبل من خلال محاطبة الكون ومن خلال مخاطبة مفردات الطبيعة. على كل حال في بداية مسيرته الشعرية بإعتباره أفريقياً وينتمي الى قارة افريقيا، في البداية طرح الهموم الأفريقية والقضايا الوطنية الأفريقية في أشعاره كما فعل ذلك شعراء آخرون من مثل محمد الفيتوري، نجد ذاك متجسداً في قصائده الأولى من مثل قصيدته لن احيد عن الكفاح التي يقول فيها:

أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقل الحديد

عن الكفاح لن أحيد

هناك أسراب الضحايا

الكادحون العائدون من المصانع والحقول

ملئوا الطريق وعيونهم مجروحة الأغوار

ذابلة البريق يتهامسون

وسياط جلاد تسوق خطاهم

ماتصنعون؟

ويجلجل الصوت الرهيب

كأنه القدر اللعين

وتظل تفغر في الدجى المشؤوم

أفواه السجون

ويقهقهون!!


الشحمان: هذا هو نموذج من باكورة أشعاره التي نرى فيها التوجهات الى القضايا الأفريقية...
المحاورة: نعم كأنما يغوص في أعماق الأشياء والقضايا
الشحمان: نعم هو يمتلك لغة شعرية كما قلت شفافة وحالمة يحاول من خلالها أن يغوص في عمق الأشياء ويحاول أن يخاطب الكون والطبيعة..
المحاورة: نعم بالرغم من توجهاته السياسية
الشحمان: نعم نعم نلاحظ في أشعار محي الدين فارس هي مزيجاً من الرومانسية ومن الأشعار ...
المحاورة: الصوفية
الشحمان: نعم ونموذجاً من الشعر الرمزي فهناك عدة مذاهب فهو لاينتمي الى مدرسة بعينها. يعني أشعاره تذكرنا بالشاعر بدر شاكر السياب او عبد الوهاب البياتي ويذكرنا بشعر ابراهيم ناجي مثلاً او صلاح عبد الصبور او نازك الملائكة مثلاً من العراق او غيرهم. وهكذا إكتسب هذا الشاعر مكانته من هذا التجديد ومن اللغة الصافية والسليمة التي إستخدمها في أشعاره وهو ما يميز الشعراء السودانيين فلهم ثقافة لغوية ثرة في هذا المجال.
المحاورة: وايضاً لانراه يستخدم العبارات الغامضة او شيئاً من هذا القبيل
الشحمان: نعم شعره واضح
المحاورة: شعره واضح، كلماته واضحة
الشحمان: نعم وكما يقول القدماء هو مشرقة الديباجة
المحاورة: كلماته بعيدة عن التعقيد
الشحمان: يحاول أن يوفق بين القصيدة الكلاسيكية القديمة بمفرداتها التي يمكن أن تكون في بعض الأحيان غامضة وغريبة وبين القصيدة الحديثة فكان الناتج المبارك هو شعر التفعيلة كما لاحظتم في الأبيات التي انشدتموها. على كل حال هذا الشاعر أصدر العديد من الدواوين الشعرية خلال مسيرته الشعرية. رحمة الله عليه توفي أظن في سنة ۲۰۰۸ او ۲۰۰٦ ولست متأكداً بالضبط ولكنه ترك لنا الكثير من الدواوين الشعرية منها ديوان الطين والأظافر، صهيل النهر، قصائد من الخمسينيات والقنديل المكسور وهناك الكثير من النماذج السحرية لايمكن قراءتها نظراً لضيق الوقت.
المحاورة: لدينا دقيقة دكتور تفضل
الشحمان: نعم ايضاً له قصيدة حول بلاده من هذا النوع الذي تفضلتم بقراءته تحمل عنوان ليالي المنفى تتجسد فيها اللغة التي أشرتم اليها، اللغة الشعرية الحالمة التي تبدو وأكنها حديث للمتنبئين
المحاورة: ليالي المنفى
الشحمان: ليالي المنفى يقول:

كنا نحدق في فراغات الزمان

وتأكل الصحراء اوجهنا

وتذرونا الرمال على الرمال

نجري ونقتحم اللظى

ونموت في المنفى

تبعثرنا الجبال على الجبال

تتقيء الدنيا أظلتنا

فنركل في مناكبها هياكل

هياكل ترتقي جبل الهموم بلا ظلال

ونخيلنا ما لقحته الريح

ماألقت جدائله على كتف الجزيرة

والنهر مسلول الجوانح

مابه شبق ولازبد

تخبو مصابيح الخيام

تموت ثرثرة النهيرات الصغيرة

قابيل ثانية يحاول قتل هابيل

فتنتفض قبيلته والعشيرة


الشحمان: على كل حال هذا ايضاً نموذج آخر وشكراً لكم لأنكم تركتم لي المجال
المحاورة: شكراً لكم وشكراً على هذه الايضاحات حول شاعرنا محي الدين فارس الشاعر السوداني. نشكر بجزيل الشكر دكتور وإن شاء الله سنلتقي بكم وبمستمعينا الكرام في الحلقة القادمة من برنامج سير القصائد
الشحمان: إن شاء الله تعالى
المحاورة: شكراً لكم في أمان الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة