واحدة تلو الاخرى تفاجئنا دائرة التصنيع العسكري في القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير والدفاعات الجوية اليمنية التابعة للجيش واللجان الشعبية بتنامي قدراتها وإنجازاتها المذهلة بعد مرور ما يقارب 1600 يوم من العدوان.
وخلال الفترة القصيرة السابقة استطاعت دائرة التصنيع العسكري اليمنية أن تمضي قدما في إنتاج منظومات متنوعة وهائلة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي استطاعت أن تصل إلى أبعد مدى في عمق العدو وتصل إلى عقر ديارهم في الرياض وأبو ظبي وتحقــق أهدافها بدقة عالية.
ويوم الأحد الفائت أُزيح الستار عن صناعات عسكرية يمنية جديدة في معرض الشهيد الرئيس صالح الصماد الذي احتوى على نماذج للصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة الجديدة، منها منظومة قدس الصاروخية الجديدة، وهي صواريخ مجنحة من نوع كروز، ولها قدرة كبيرة على إصابة الأهداف البعيدة، وعلى تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو، ويُعَدّ امتلاك هذا النوع من الصواريخ نقلة نوعية في الترسانة العسكرية اليمنية، وقد تكون لتفعيله ميدانياً نتائج استراتيجية كبيرة، نظراً للأهداف البعيدة التي يستطيع إصابتها بدقة.
كما عرضت طائرة صمّاد 3 هجوميةٌ بمدى يصل من 1500 إلى 1700كم، وقد جُرِّبَت بعدة عمليات ناجحة استهدفت مطارات سعودية وإماراتية يمكن أن تنفجر من أعلى إلى أسفل، أو تصطدم مباشرة بالهدف، وهي تحتوي على كميات مناسبة من المتفجرات تمتاز بتكنولوجيا متطورة، بحيث لا تستطيع المنظومات الاعتراضية كشفها.
وكشف المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع في مؤتمر صحافي أن اليمن يمتلك جيلاً ثالثاً من منظومة بركان الصاروخية لم يكشف عنها بعد، رغم دخولها الخدمة خلال المرحلة السابقة، لافتاً إلى أن الكشف عن منظومات صاروخية أخرى، بما فيها بركان، سيكون في معرض خلال الفترة القادمة، سيشمل أيضاً القذائف بمختلف أنواعها وأسلحة تقليدية عدة منها القناصات. وذكر أننا نمتلك مخزوناً استراتيجياً من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة بمختلف أنواعها.
وهذا الإنجاز الكبير والتحول الاستراتيجي والتفوق التكنولوجي الذي حازه الجيش اليمني قد فاق نظيره الأمريكي وسبقه بمراحل وصار بإمكان الجيش اليمني أن يرمي بمقذوفاته إلى أي هدف داخل السعودية وحليفتها الإمارات وما عليهم سوى الانتظار للأهداف القادمة التي حددتها القوات اليمنية على لسان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع بـ 300 هدف لمنشآت اقتصادية حيوية.
وامام هذه القدرات العسكرية الهائلة لم تر الامارات بعد اكثر من اربعة اعوام مخرجا من مستنقع اليمن الا ان قررت سحب جزء كبير من قواتها المتواجدة في اليمن، تحت مسمى "استراتيجية السلام" كما قال مسؤول اماراتي رفض الكشف عن اسمه. المسؤول الاماراتي زعم ان ابو ظبي قررت الانتقال من استراتيجية العسكر الى السلام، لكن ما خفي خلف هذا العنوان يكشف الكثير فهناك عوامل كثيرة تعزز نظرية ان الامارات سحبت وتسحب قواتها من اليمن بسبب الفشل وليس حبا بالسلام كما تدعي.
فمنذ دخولها في تحالف قوى العدوان السعودي على اليمن تلقت الامارات ضربات قوية كانت تظن انها لن تتلقاها بفعل نظريات وتصورات تبين انها اوهام وافكار غرقت في صحاري اليمن. واولى هذه الضربات مقتل العشرات من الجنود الاماراتيين داخل اليمن وعودتهم الى بلادهم محمولين في نعوش بعدما ارسلوا لتنفيذ مشروع تبناه منذ البداية ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد برفقة صديقه الحميم راعي العدوان على اليمن محمد بن سلمان.
والجنود الاماراتيون ذهبوا ضحية سياسات حكومتهم والامر لم يكن خفيا على اسر الجنود والمجتمع الاماراتي الذي اعرب عن غضب وحنق ورفض لهذه السياسات حاولت ابو ظبي اخفاءه بشتى الوسائل.
الضربة الاقوى لابو ظبي كانت استهداف مطار ابوظبي بطائرة مسيرة (طائرة صماد 3 المسيرة). الضربة كانت ببعدين، الاول النجاح في ايصال الطائرة المسيرة الى قلب مطار ابو ظبي واصابة الهدف والثاني الفيديو الذي يوثق الضربة ويظهر الطائرة وهي تصيب هدفها والذي تم الحصول عليه من قلب المطار ما يعني اختراقا مهما للامن الاماراتي.
عامل اخر مهم هو تحول المعادلة في الميدان اليمني والتحول في ميزان القوى لصالح القوات اليمنية، والرفض المتسع شيئا فشيئا داخل الولايات المتحدة للدعم الذي تقدمه الادارة الاميركية للسعودي والاماراتي في العدوان، وترافق ذلك مع فشل العدوان في تحقيق اي من اهدافه بعد اكثر من اربعة اعوام.
في هذا السياق كشفت صحيفة "الاخبار" اللبنانية، أن الامارات استنجدت بإيران لتأمين خروج مشرف لها من اليمن بعد فشلها هناك.
واضافت الصحيفة ان وفدا إماراتيا رفيعا زار طهران قبل اسابيع لتقديم عرض للمسؤولين الايرانيين مقابل تأمين خروج لهم من المأزق اليمني مشيرة الى ان الرد الايراني كان انه لا يوجد ما تتفاوض طهران عليه.
كما كشفت الصحيفة ان الاماراتيين طلبوا وساطة روسية لاقناع ايران لكن الرد لم يتغير لافتة الى ان ابو ظبي كانت تراهن على ضربة اميركية ضد ايران لكنها اقتنعت ان ادارة دونالد ترامب لن تقوم بذلك وبالتالي بدأت البحث عن استراتيجية للخروج من المأزق اليمني تحت ما اسمته "استراتيجية السلام".
ويشير المحللون إلى أن ثمة انعطافة بدات تظهر على السياسة الإماراتية الإقليمية فرضتها بدرجة كبيرة التطورات المرتبطة بالعدوان على اليمن وتحول الحرب هناك باتجاهين بعد أن كانت لأعوام أربعة في اتجاه واحد اتخذت فيها صنعاء موقع الدفاع بدرجة رئيسية.
وتدرك أبوظبي انطلاقا من تصريحات أمريكية بأن صنعاء أحرزت تقدما تكنولوجيا لم يكن متوفرا لدى صناعاتها العسكرية قبل عام من الآن، والاعتقاد بأن المسافة الطويلة بين اليمن والإمارات كعامل معيق أو مؤثر أضحى وراء ظهور اليمنيين، وهذا التطور العسكري اليمني انعكس في ارتفاع منسوب القلق الاماراتي وعلو صوت حاكم دبي القلق والأكثر إدراكا من غيره بان تعرض دبي لهجمات كالتي تتعرض لها السعودية كفيل بالقضاء على كل مابني من ازدهار اقتصادي في عقود.
التخلي عن سياسة التهور في الحروب والعسكرة التي صبغت السياسة الخارجية الاماراتية فرضها بالدرجة الأولى تنامي قدرات الخصم العسكرية والتخوف من ارتدادات ذلك على الدولة الهشة اقتصاديا وسياسيا مقارنة بالحليف السعودي، لكن ثمة عامل آخر فرض هذه الانعطافه وسرع منها وهو التطورات المتعلقة بالتصعيد الأمريكي مع ايران، وإظهار الأخيرة عزمها وقدرتها على الرد في مقابل خذلان واشنطن لحلفائها والتخلي عنهم وأوار الحرب لم ينشب بعد.
ويرى المحللون ان اليمن أصبح دولة بالستية ودولة مصنعة للسلاح وقد فرض الواقع العسكري نفسه على الجميع وكشف مدى سباق التسلح الذي يميز كل طرف عن الأخر فالجيش واللجان اليمنية يطورون قدراتهم العسكرية ذاتيا ويصنعون منظومات ضخمة وفتاكة وقوية والسعودية والإمارات يعتمدون على صفقات تسليحية استنزفت أموالهم وعجزت عن حمايتهم وعن تحقيق أهدافهم.
فاليمن ماض قدما في إنجاز الكثير والكثير من المفاجآت المذهلة ومستمر في تطوير القدرات العسكرية في كافة المجالات، فالحصار أجبره على اكتساب المؤهلات والخبرات الكافية في التصنيع والإنتاج والتطوير ومواكبة التكنولوجيا العالمية والأيام القادمة كفيلة بالكثير من المفاجآت.