بسم الله الرحمن الرحيم أيها الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ندعوكم الى متابعتنا في حلقة جديدة من برنامجكم حكايا وخفايا راجين أن تقضوا معنا اوقاتاً طيبة ومفيدة إن شاء الله.
أخوتنا المستمعين الأكارم كل الأمم والشعوب تختزن في ذاكرتها قصصاً وحكايات وأساطير تحاول من خلالها الإجابة على تساؤلاتها حول بدأ الخليقة والحياة وقد إحتلت هذه التساؤلات حيزاً كبيراً من ميتافيزيقيا جميع الفلسفات والأديان كما شغلت بال العلماء في العصر الحديث وسنحاول أعزتنا المستمعين في هذه الحلقة من برنامج حكايا وخفايا والحلقتين القادمتين بإذنه تعالى أن نركّز حديثنا على أساطير النشأة والتكوين في الحضارات القديمة كالفارسية والسومرية والبابلية والمصرية الفرعونية وسنبدأها طبعاً بالحضارة الفارسية التي وردت أسطورتها في هذا المجال في ملحمة الفردوسي أي الشاهنامة.
نعم مستمعينا الأفاضل تفيد أسطورة بدأ الخليقة كما وردت في الشاهنامة بان البشر كانوا يعيشون عند بدأ الخليقة في عالم الضياء والنور فيما كانت الشياطين تحيا في عالم الظلام وكان الرجل الأول في العالم كيومرث يحكم البشر في عالم النور وفي ذات يوم قال الشيطان الأكبر سوف أجعل هذا العالم مظلماً كالليل ولكن كيومرث ردّ عليه بحزم قائلاً: سوف أجعل هذا العالم مضيئاً كالنهار. وهنا أصدر الشيطان الأكبر أمره الى جنوده من الشياطين والمردة عليكم أن تقضوا على البشر كي يصبح العالم مظلماً وتملكون هذا العالم كله. وهنا إرتفعت أصوات الشياطين في السماء وحملت الصخور العظيمة على صدورها وزمجرت وأرعدت وحلّقت فوق رؤوس البشر وكان البشر يعيشون في الجبال والسهول وكانت ملابسهم من أوراق الأشجار ولحاها وما أن رأوا الشياطين حتى لاذوا بالفرار هنا وهناك وألقت الشياطين الصخورعلى البشر فولولت النساء وخرج الرجال لمحاربتهم وهرب الأطفال كالأرانب وهبط الشيطان الأكبر ومالئاً العالم بزمجرته وجاء بالظلام معه فلاذ البشر بالكفر.
نعم أعزائي الكرام إزداد العالم ظلاماً حتى جاء كيومرث وكان يركب ثوراً ضخماً كأنه الجبل بلون الذهب فنظر الى الظلام ورأى الشياطين وهي تثير الضجة بأصواتها وتنشر الظلام في كل مكان وكانت عينا كيومرث كأنهما الياقوتتان وألقى الظلام بظله على كل أرجاء العالم فلم يكن هناك من نهار ولاشمس ولاضياء وأطلقت الشياطين صراخها المجلجل وقهقه الشيطان الكبر بصوت عال وصرخ كيومرث ودوى صوته بين الجبال والسهول والصحارى فجاءت الأسود والنمور والفهود وجاءت معها الأرانب والسناجب وأبناء عرس كما جاء البشر والطيور وإجتمع الجميع حول كيومرث فقال لها: إن الشياطين تريد أن تخيفنا بزمجرتها والآن عليها أن تسمع زمجرتنا.
وفجأة زأرت الأسود والنمور والفهود وأطلق البشر صرخاتهم وسارع البشر والحيوانات في الأرض الى محاربة الشياطين وكان كيومرث ممتطياً صهوة ثوره وكان في يده كرز ضخم يطيح به بهذا الشيطان وذاك. كانت الشياطين تخشى عينيه المضيئتين وتلوذ بأعماق الظلمات وكان كل شيطان يسقط أرضاً تشب النار فيه ليتحول الى دخان يتصاعد الى السماء وهنا أطلق الشيطان الأكبر صرخته الهادرة ليهرب بإتجاه أعماق الظلمات وإنحصر الظلام عن الجبال والسهول والصحارى وشقت الشمس الظلام بضياءها وبرزت من وراء الظلام وعاد النور الى العالم وغرق هذا العالم بالنور والضياء وهتف البشر معبرين عن فرحتهم وزأرت الأسود وغرّدت الطيور وجرف الطوفان الشياطين وإختارت الأسود والنمور والفهود والأرانب وأبناء عرس والسناجب والفراشات والطيور كيومرث ملكاً عليها فكان كيومرث أول ملك يحكم العالم والحيوانات والرياح والعواصف.
مستمعينا الأفاضل أما أساطير التكوين في منطقة الهلال الخصيب ومصر فإنها تنتمي الى أساطير النشأة المائية للكون والحياة فنحن نلاحظ أن حالة بدأ الكون هي حالة سكون لاينتابه تبديل ولاتغيير وكأنه العدم وفي لحظة معينة هي هزّة الدمار التي يعقبها بناء جديد، ينبثق الكون من لجّة العماء والسكون والفوضى ويبدأ النظام من قلب الفوضى عندما تقرر الآلهة خلق العالم ووضع أسس الكون والحياة ولكن ساعة الخلق هي ساعة صراع كوني شامل فالقوى الخالقة هي قوى نشطة فاعلة وما الكون والحياة والانسان إلا تعبير عن طاقتها الحركية وفاعليتها الخلاقة ولكنها لاتستطيع تحقيق مرادها بغير التمرّد والثورة على آلهة العماء والسكون والفوضى التي تقف ضد هذا الشرخ في جدار الزمن الساكن فإن العالم لايمكن أن يظهر إلا بإراقة الدماء وإنتصار آلهة ودمار أخرى ولن تتوطد أسس الكون إلا على أشلاء الضحايا المغلوبة على أمرها.
وفي هذا الإطار تفيد الأساطير السومرية المتفرقة بشأن خلق العالم والأكوان أن اللإلهة نمو كانت ولم يكن أحد معها وهي المياه الأولى التي إنبثق منها كل شيء ثم أن هذه الإلهة أنجبت ولداً وبنتاً، الأول آن إله السماء المذكّر والثانية كي إلهة الأرض المؤنثة وكانا ملتصقين ببعضهما البعض وغير منفصلين عن أمهما نمو وكانت حصيلة ذلك آنليل إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لم تكن تسمح له بالحركة ولكن آنليل الشاب النشيط لم يطق ذلك السجن وقام بقوته الخارقة بفصل أبويه عن بعضهما البعض فرفع الأول فصار سماءاً وبسط الثانية فصارت أرضاً ومضى هو يرتع بينهما وكان آنليل يعيش في ظلام دامس فأنجب إبنه نانة إله القمر ليبدد الظلام في السماء وينير الأرض وأنجب نانة بدوره إله الشمس الذي فاقه في الضياء وبعد أن أبعدت السماء عن الأرض وصدر ضوء القمر الخافت وضياء الشمس الدافئ قام آنليل مع الآله الأخرى بخلق مظاهرالحياة الأخرى.
إخوتنا المستمعين ويشير مطلع أسطورة اخرى سومرية الى ذلك الإنفصال قائلاً: بعد أن أبعدت السماء عن الأرض وفصلت الأرض عن السماء وتم خلق الانسان واخذ آن السماء وإنفرد آنليل بالأرض قام آنليل هذا بخلق الأشياء جنباً الى جنب القوى الخالقة الأخرى ونقرأ في مستهل أسطورة أخرى تحكي قصة النشأة والتكوين أن الإله الذي أخرج كل شيء نافع، الإله الذي لامبدّل لكلماته آنليل الذي أنبت الحب والمرعى أبعد السماء عن الأرض وأبعد الأرض عن السماء.
أحبتي المستمعين الأكارم في الحلقة القادمة سنتحدث بإذن الله تعالى خالق كل شيء ومبدع الأشياء من العدم عن أساطير النشأة والتكوين عند شعوب العالم الأخرى لنتعرف على القصص التي قدموها في هذا المجال.
نعم هذه القصص التي نلحظ تشابهاً بينها في بعض التفاصيل فكونوا بإنتظارنا لنرى كيف ظهر الكون والانسان والكائنات الأخرى وفق رؤيته فحتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الإلهية شاكرين لكم حسن الإصغاء والمتابعة وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.