البث المباشر

في مولد زينة الفضل

الأحد 26 مايو 2019 - 11:21 بتوقيت طهران

بذلت أيا عباس نفساً نفيسة

لنصر حسين عز بالنصر من مثل

أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه

فحسن فعال المرء فرع عن أصله

فأنت أخو السبطين في يوم مفخر

وفي بذل الماء أنت أبوالفضل

بسم الله الرحمن الرحيم
أحبة الخير والإيمان السلام عليكم ورحمة من الباري وبركات..
نحييكم أينما كنتم وحللتم.. تقبلوا تبريكاتنا المعطرة بورد الياسمين وذلك بمناسبة ذكرى الميلاد السعيد لأبي الفضل العباس (عليه السلام).
بهذه المناسبة المباركة نقدم لحضراتكم هذه الحلقة من برنامج أعلام الهدى، تابعونا متلطفين.
ما أشرف منبت أبي الفضل العباس وما أكرم نسبه، فوالده الإمام علي (ع) حبيب رسول رب العالمين (ص) غذاه بعلومه وتقواه وأشاع في نفسه النزعات الشريفة والعادات الطيبة ليكون مثالاً عنه؛ وأخواه هما الإمامان الهمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) سيدا شباب أهل الجنة، وأمه الكريمة الوفية الأبية أم البنين فاطمة بنت حزام، كنيته أبوالفضل وهو حري بهذه الكنية فإن فضله لا يخفى على أحد ونور جوده يتلألأ دائماً.
قال الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه (بطل العلقمي)؛ إن هذه الكنية قد اشتقت من فضائله فإنه (ع) فيه سمات الفضل منذ الصغر وزمن الطفولة فكنوه أبا الفضل عند ظهور تلك الأمارات والدلائل.

أبا الفضل يا من أسس الفضل والإبا

أبى الفضل إلا أن تكون له أبا

تطلبت أسباب العلى فبلغتها

وما كل ساع بالغ ما تطلبا


وقد قيل:

قلم العلا قد خط فوق جبينه

أثر النجابة ساطع البرهان


ومن كناه أبوالقاسم وذلك من جهة أن له ولداً إسمه القاسم، ذكر ذلك المحقق المظفر حيث قال: محمد والقاسم هما ولدا العباس (ع) ولا عقب لهما واستشهدا مع عمهما الحسين (ع).
وقد خاطبه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري في زيارة الأربعين بهذه الكنية، قال: السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عباس بن علي.
وإحدى كناه أيضاً ابو القربة وذلك لحمله الماء في مشهد الطف أكثر من مرة وقد سدت الشرائع على ابن المصطفى السبط الشهيد (ع) ولكن أباالفضل لم يرعه جمعهم ولا أوقفهم عن الإقدام تلك الرماح المشرعة ولا السيوف المجردة، فجاء بالماء وسقى عيال أخيه الإمام وأصحابه، وهذه الكنية عرف بها بعد واقعة الطف والى اليوم.
أحبة الحق:
ينقل صاحب أعيان الشيعة عن كتاب عمدة الطالب أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال لأخيه عقيل وكان نسابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم:
"أبغني امرأة وقد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً" فقال له: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية.. فتزوجها أميرالمؤمنين (ع) وأول ما ولدت العباس.
وقد ذكر عن أم العباس (ع):
"وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقري الأضياف؛ وأما أسرتها فهي من أجلّ الأسر العربية، وقد عرفت بالنجدة والشهامة وقد اشتهر منهم جماعة بالنبل والبسالة"
وقد رأى الإمام علي (ع) في زوجته (أم البنين) العقل الراجح والإيمان الوثيق وسمو الآداب ومحاسن الصفات، فأعزها وأخلص لها كأعظم ما يكون الإخلاص.
مستمعينا الأفاضل، في هذا المنبت الكريم نشأ أبوالفضل العباس فأظهر من جهة أخلاق والده الإلهية ومن جهة ثانية وفاء والدته لأهل بيت العصمة (عليهم السلام).
عن هذا الوفاء القدسي يحدثنا ضيفنا الكريم سماحة الشيخ صادق النابلسي فلنستمع معاً؛
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم العباس شخصية رائدة في وجدان المسلمين جميعاً، الشخصية الفدائية، الشخصية الثورية، التحررية، الشخصية العطائية التي قدمت ما قدمت في سبيل الاسلام وفي سبيل الرسالة. ولعلها من الشخصيات البارزة في موقعة كربلاء التي أشير اليها بالبنان لأنها تمثل رمزاً متفرداً في العطاء والبدل. لقد كان سلام الله تعالى عليه هذه الشخصية الروحية العالية التي تمتعت بهذا السمو وبهذا العطاء الذي لاحد له في سبيل أن ينقذ اهل البيت سلام الله تعالى عليهم وفي سبيل أن يعطي الأمثولة الحقيقية لكرم واخلاق وجهاد ونبل وعطاء أهل البيت سلام الله تعالى عليهم. العباس إنما يمثل هذه الخلاصة البذلية وهذه الخلاصة الجهادية وهذه الخلاصة العطائية إن صح التعبير لأهل البيت سلام الله تعالى عليهم لذلك عندما نريد أن نتمثل بروح الإقدام فإننا نتمثل بالعباس سلام الله عليه، عندما نريد أن نتمثل بالشجاعة، عندما نريد أن نتمثل بالعطاء وبالبذل فتبرز شخصية العباس كمثال حي وكعنوان بارز من العناوين التي تلمع في سماء الاسلام وفي سماء الانسانية والتي نعلم الأجيال كل الأجيال على ضرورة الاقتداء بهذه الشخصية التي آثرت الآخرين من أجل أن تعطي الكرم التام وأن تبرز الجهاد التام في سماء الاسلام.
المحاور: نشكر سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من بيروت على هذه المشاركة ونتابع تقديم هذا البرنامج الخاص بذكرى ولادة عالم الوفاء أبي الفضل العباس عليه السلام.
فنستجلي معالم رفعة منزلته من الألقاب التي اشتهر به وأهمها؛
العبد الصالح: وهذا اللقب الشريف منحه إياه الإمام أبوعبد الله الصادق (ع) في الزيارة المخصوصة به التي رواها أبوحمزة الثمالي، حيث يقول: (السلام عليك أيها العبد الصالح) وهذه الصفة أرقى مراتب الإنسان الكامل.. والعبد الصالح هو الذي تكون عبادته الخالصة للباري تعالى ناشئة عن فقه ومعرفة للمعبود الحق من دون النظر الى الثواب والعقاب.
اللقب الثاني هو قمربني هاشم؛ والأشخاص الذين لقبوا بالقمر ثلاثة: عبد المطلب يلقب (قمر البطحاء) وعبد الله بن عبد المطلب والد النبي (ص) يلقب (قمر قريش) والعباس بن علي بن ابي طالب يلقب (قمربني هاشم) وحسبك بمن يكون قمر هذه العشيرة الفائقة على عامة البشر بجمالها الباهر وحسنها الزاهر.. وقد أكثر الشعراء من نعته بالجمال في مراثيه الكثيرة، كما وقد نسب فيه هذا الشعر للإمام الحسين (ع):

أيا بن أبي نصحت أخاك حتى

سقاك الله كأساً من رحيق

ويا قمراً منيراً كنت عوني

على كل النوائب في المضيق


اللقب الآخر هو السقاء، وهو لقب نبيل شارك فيه أباه أميرالمؤمنين (ع) الذي عرف بساقي المؤمنين من حوض الكوثر يوم القيامة، كما نصت على ذلك كثير من الأحاديث الشريفة.
والسقاية هي إرواء العطاشى من البشر في حالتي السلم والحرب وأشرفها سقاية الحرب، وهي فضيلة من فضائل الإنسانية وإحدى المكارم والمآثر الشريفة وإحدى مفاخر العرب الممدوحة.
ومن أجل مجيء العباس (ع) بالماء الى عيال أخيه الإمام الحسين (ع) وأصحابه في الأيام العشرة من المحرم سمي السقاء.
ولقد شاع لقب حامل اللواء أيضا بين الناس وعرفه المسلمون وغيرهم بحامل لواء أبيّ الضيم الإمام الحسين (ع) فعلاً وقولاً حيث دفع اليه سيد الشهداء (ع) اللواء المقدس كما قال له: أنت حامل لوائي.
واللواء هو العلم الأكبر ولا يحمله إلا الشجاع الشريف في المعسكر.
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم: وقد ظهرت في أبي الفضل العباس الشجاعتان الهاشمية التي هي؛ الأربى والأرقى فمن ناحية سيد الوصيين (ع)، والعامرية فمن ناحية أمه، أم البنين (س).
واشتهر بذلك أبوالفضل العباس بين الخاصة والعامة بأنه باب الحوائج لكثرة ما صدر منه من الكرامات وقضاء الحاجات النابع من فضل من الباري عزوجل وكرمه.
يقول السيد الحلي:

بأبي الفضل الذي من فضله

السامي تعلمت الورى مناجها

أبا الفضل أنت الباب للسبط مثلما

أبوك علي كان باباً لأحمد


روى الشيخ الصدوق في الخصال عن أبي حمزة الثمالي قال:
قال علي بن الحسين (عليهما السلام): "إن لعمي العباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"
وقال الإمام السجاد (ع) أيضاً: "رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه"
أجل.. يقول العباس (ع) في ساحة الوغى للأعداء: ( والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين) فإيثاره بحياته الكريمة هو للدفاع عن الثقلين "الكتاب والعترة"
يقول الإمام الصادق (ع): كان عمنا العباس بن علي (عليهم السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً.
ومن المواقف المشرفة لشهيد القيم الوضاءة إنه لما طلب الإمام الحسين (ع) من أصحابه الرحيل، قام إليه العباس وقال: ولم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً.
ومنها إنه لما أخذ عبد الله بن حزام بن خال العباس أماناً من ابن زياد في كربلاء للعباس وإخوته من أمه، قال العباس وأخوته هؤلاء: لا حاجة لنا في الأمان، أمان الله خير من أمان ابن سمية.
كما أجاب العباس الشمر، وهو بعض أخواله؛ لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟
أجل.. لقد جسد العباس القيم المشرفة التي نشدها أبوه (ع) فآمن بها وجاهد في سبيلها، وقد انطلق مع أخيه أبي الأحرار(ع) الى ساحات الشرف والجهاد من أجل أن يعيد للمسلمين سيرة أبيهما الإمام علي (ع) ومنهجه المشرق المضيء المنير.
حضرات المستمعين.. مما يدل على منزلة العباس الرفيعة، هو تفدي الإمام الحسين (ع) إياه بقوله: "بنفسي أنت" فهذه الكلمة الثمينة السامية تدل على عجزنا عن معرفة هذه الشخصية الفذة، فأي نفس هذه التي يتفداها الإمام المعصوم (عليه السلام) بنفسه الشريفة؟ قد يكون من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، ولكن مما يعين على معرفة الإجابة التأمل فيما ذكره المؤرخون من أنه لما حضر الإمام السجاد (ع) لدفن الأجساد الطاهرة، ساعده بنو أسد في نقل الأجساد الزواكي الى محلها الأخير عدى جسدي الإمام الحسين (ع) وابي الفضل العباس (ع)، فقد تولى وحده إنزالهما الى مثواهما وقال لبني أسد عندما طلبوا أن يساعدوه " إن معي من يعينني" مشيراً الى حضور الملائكة.

يا دوحة المجد من فهر ومن مضر

قد جف ماء الصبا من غصنك النظر

مهذب الخلق والأخلاق إن تره

كأنه ملك في صورة البشر


للعباس (ع) حضور يومي في حياة الملايين من الناس، من خلال قيم الولاء الصادق التي حملها بهم، والتي أصبحت رسالته وفي طريق ذلك تمت شهادته.
نعم.. لقد اشتمل العباس بالوفاء واشتمل به الوفاء وتسربل بالإيثار وتخندق بالشجاعة وتخندقت الشجاعة به، لقد مثل كل الفضائل فتمثلت فيه كل الفضائل وزادت قيمة جديدة في القيم أسمها العباس.
مع حضوره في التاريخ أصبح للملحمة حجم أوسع مما كان لها ومقاسات جديدة أكثر علواً وسمواً وارتفاعاً.
مرة أخرى أحباء الحق والحقيقة نبارك لحضراتكم هذه الذكرى السعيدة المباركة لميلاد رجل المهمات الأصعب ساقي العطاشا وحامل لواء الفضيلة والعزة والكرامة، أبي الفضل العباس بن الإمام علي (عليهما السلام)؛ وقدمنا لكم هنا حلقة خاصة من برنامج (أعلام الهدى) بمناسبة المولد الطيب الزاكي.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة