خبير البرنامج: فضيلة الشيخ جعفر عساف أستاذ الحوزة العلمية في بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلا ومرحبا بكم مستمعينا الكرام في لقاء جديد ضمن برنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو (برّ الوالدين) نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة.
أيها الإخوة والأخوات، الوالدان هما السبب المباشر لوجودنا في الحياة والله سبحانه أمرنا بالإحسان الى الوالدين والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما.
قال الله تعالى في محكم كتابه: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". وقال الله تعالى:"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا". في الآية الاخيرة، أعزاء المستمعين جعل الله حق الوالدين بعد حق الله. وما ذلك الا لأيضاح معنى جليل وقيع وهو ان فضل الوالدين يأتي بعد فضل الله سبحانه مع عظيم فضل الله على الخلق، فان الله معطي الوجود ومانح الحياة، والابوان وان لم يكونا مانحي الوجود، فانهما السبب المباشر لوجودنا واكتمال نعمة الوجود وتحمل المشاق.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أصبح فرضيا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان الى الجنة".
وقال الامام زين العابدين عليه السلام: "واما حق أبيك فان تعلم أنه أصلك فانك لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم ان اباك اصل النعمة عليك فيه".
أيها الإخوة والأخوات جاء رجل الى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا رسول الله اوصني فقل: "لاتشرك بالله شيئا وان حرقت وعذّبت الا وقلبك مطمئن بالايمان ووالديك فأطعهما وبرّهما حيين كانا او ميتين وان امراك انا تخرج من أهلك ومالك فافعل".
وحيث ان الأم تلقى من العناء والسهر وآلام الحمل والولادة فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدّم برّ الأم على بر الأب. فالأم تحمل ولدها جنيناً وترضعه طفلا وتغذوه من لبنها وتسهر على تربيته وقد تجوع لتشبع ابنها وتعطش لترويه وقد تعرّض حياتها للخطر وللموت من أجل ولدها.
عزيزي المستمع: أنظر الى هذا الحديث ومدى اهتمام الاسلام برضا الأبوين: قال الامام الصادق -عليه السلام-: جاء رجل الى النبي -صلى الله عليه وآله وسلّم- وقال: يا رسول الله إني رجل شابٌ نشيط واحب الجهاد معك في سبيل الله ولي والدة تكره ذلك.
فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إرجع فكن مع والدتك فو الذي بعثني بالحق، لأنسها بك ليلة، خير من جهادٍ في سبيل الله سنة...".
طبعا مستمعينا الكرام هذه المقايسة بين الجهاد وبين أنس الأم انما يراد بها الواجب الكفائي حيث يوجد من فيه الكفاية في الجهاد. اما الواجب العيني فانه لايسقط بامر مندوب كأنس الأم.
ويروي الامام الصادق –عليه السلام-: أن "رسول الله صلى الله عليه وآله- أتته أخت له من الرضاعة، فلما نظر اليها تسرّبها وبسط ملحفته لها فاجلسها عليها. ثم اقبل يحدثها ويضحك في وجهها. ثم قامت فذهبت. فجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها. فقيل: يا رسول الله، صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل. فقال: لأنها كانت أبرّ بوالديها منه".
مستمعينا الكرام....وهنا نسأل: ما هي آثار البر بالوالدين في ضمان الحياة الطيبة للإنسان في الدنيا والآخرة؟
عن هذا السؤال يجيبنا ضيفنا الكريم (فضيلة الشيخ جعفر عصاف، أستاذ الحوزة العلمية في بيروت)، نستمع معاً الى هذا الحوار.
عساف: إن البر بالوالدين من اهم طاعات الله سبحانه وتعالى والحديث عنه طويل لكن اذا أردنا أن نتحدث عن الجانب الذي طرحتموه وبالنسبة الى الآثار الإيجابية التي تعود الى الأبناء من البر بآباءهم نجد ان هناك بعض التعاليم الدينية التي حثتنا على البر بالأبوين ليس فقط من المنطلق الديني وليس فقط من فرض عبادي وإنما نجد أن هناك آثار دنيوية إيجابية تعود على البار بوالديه لأن الإنسان الذي يبر بوالديه يعود نفعه دنيوي قبل الآخرة لذلك أذكر بعض ماورد في الروايات بأن البر بالوالدين يوجب زيادة الرزق وحتى أن هناك ماينقل في القرآن الكريم بالنسبة الى البقرة التي طلبها النبي موسى عليه السلام من بني إسرائيل التي إختار في أمرها بنو إسرائيل، قال "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً"، أخذوا يسألوا عن أوصافها وينقل في بعض الروايات أن هذه البقرة سببها هو أن رجلاً من بني إسرائيل قتل سبطاً من أسباط بني إسرائيل وأوقعوا التهمة على رجل برئ وأخذوا يفتشون عن هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شخص واحد ويقال إن هذا الرجل إمتنع أن يوقظ أباه وكان أباه نائماً وكان قد وضع المفتاح تحت وسادته فإمتنع أن يوقظ أباه براً بوالده حتى لايزعجه في نومه فيقال ان الله سبحانه وتعالى كافأه أن بني إسرائيل لم يجدوا هذه البقرة إلا عند هذا الرجل من بني إسرائيل وطلب ثمناً كيسراً ليبيعهم إياها ويختم الإمام عليه السلام الحديث في هذا الأمر يقول أنظروا الى البر ماذا يصنع بأهله يعني أنظروا الى آثار البر كيف يزيد من رزق الإنسان وكيف يجلب للإنسان الرزق وهناك ايضاً أمر الهي مهم جداً للناس ان يلتفتوا اليه فإن الإنسان الذي يطلب رضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا يجب أن يسعى ايضاً الى رضا والديه لأن رضا الله كما ورد في بعض الروايات لايكون إلا برضا الوالدين لذلك هناك مقولة معروفة بين الناس "رضا الله من رضا الوالدين". وكذلك هناك أمر مهم جداً من جملة الآثار الدنيوية للبر بالوالدين أن الإنسان البار بوالديه ينبغي له أن يعرف أن ذلك يزيد في عمره ايضاً كما ورد في الروايات بأن البر بالوالدين يمد العمر ويزيد الرزق ايضاً. أمر أخير فإن البر بالوالدين يوجد البر له من أولاده يعني هناك تعليم مهم جداً ان الإنسان عندما يبر بأبويه عندئذ تكون هناك نفس هذه المعاملة من أولاده إتجاهه لأن الإنسان الذي يبر بأهله إنما يعلم أولاده كيف ينبغي ان يتعاملوا مع الأبوين.
نشكر فضيلة الشيخ جعفر عصاف على هذه التوضيحات ونتابع أعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة)، يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
مستمعينا الكرام، العلاقة بين الأبن مع الأبوين تتأثر بنوع التربية التي يسلكها الأبوان مع الابناء. منذ ان يفتح الطفل عينه على الحياة فلو كانت التربية صحيحة وسليمة وتربوية، تغطيها روح المحبة والتسامح وتقدير مشاعر الطفل وتطبيق المنهج الاسلامي السليم الذي يأمر برعاية الطفل واظهار الحب له والتعامل معه باللطف والاحترام. فلابد ان تترسخ العلاقة الطيبة بين الطفل والوالدين منذ صغره وحتى مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشباب والى ان يصبح رجلا ويتزوج ويحس بمعنى الأبوة تجاه ابنائه. ولايمكن ان يجحد هذا الابن حقوق والده او والدته مهما حدث من تأثيرات خارجية عليه بالتخلّي عنهما خاصة في فترة شيخوختهما. اذ يبقى الأبن مراعيا حق والديه ومقدرا اتعابهما.
ولكننا ومع الأسف نجد بعض الابناء أخذهم بهرج الحياة الغريبة وبدأوا يتخلون عن دورهم في رعاية والديهم المسنّين.
لذلك كثيرا ما نسمع من الحكايات والاخبار ما ينفطر له الفؤاد وتدمع له العين بتخلّي الأبناء عن والديهم وتركهم من غير رعاية أو شفقة بحجّة ان ظروفهم الاجتماعية لاتسمح لهم برعايتهم متناسين ذلك التعب والسهر وكلّ ما قدّمه الوالدان من تضحيات في تربية أولادهم. وغالب ما يتذرع الابناء بزوجاتهم وانهن لايستطعن رعاية والدتهم او والدهم اولايوافقن على ذلك بل ان هناك بنات تخلين عن آبائهن وأمهاتهن بحجة ان ازواجهن يرفضون رعاية الوالدين ولكن «كما تدين تدان». فمن برّوالديه يبره أبناؤه ومن تخلى عن والديه يلاقي نفس المصير اذ يتخلى عن أبناؤه في كبره ويتركوه في مرضه، يعاني الوحدة والعزلة ويشعر بمرارة عقوق الاولاد والاحفاد.
ولكن رغم هذه الظواهر فما زال مجتمعنا الاسلامي يقدس الروابط الاسرية والتقاليد العائلية. فالأب والام لهما مكانتهما واحترامهما. وللجد والجدة منزلتهما ومكانتهما الاجتماعية واحترامهما. بخاصة لدى الاحفاد الذين اعتادوا من ابائهم ان يحترموا اجدادهم فصاروا هم كذلك يستفيدون من نصائح اجدادهم ويحبونهم ويتعلمون منهم المفيد من تجارب الحياة ومن الخبرة الوافية التي حصل عليها الاجداد في حياتهم.
اعزاءنا المستمعين وجهنا سؤالا آخر حول بر الوالدين لضيف البرنامج سماحة (فضيلة الشيخ جعفر عصاف، أستاذ الحوزة العلمية في بيروت) فاجاب مشكورا. كيف يمكن للانسان ان يبر والديه في حياتهما وبعد مماتهما في هذا العصر؟
عساف: حقيقة هذا ماتعرضت له بعض الروايات وهو ان البر بالوالدين ليس مقصوراً على موت الوالدين يعني هناك إشتباه من كثير من الناس أنه ينتظرون البر بالوالدين فقط في حال حياتهما ولايلتفتون أن البر بالوالدين ليس محصوراً فقط في الحياة بل حتى بعد الموت ومن هنا عندما يسأل بعض الناس أن الأبوين ماتا فماذا نفعل؟ نجد أن هناك بعض الروايات التي تحدثنا أن البر بالوالدين لايكون فقط في الحياة بل حتى عند الممات لذلك يقول الإمام الباقر بهذا الخصوص يقول: "إن العبد يكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلايقضي ديونهما ولايستغفر لهما فيكتبه الله عاقاً" يعني العلاقة بين الحي والميت لاتنقطع لذلك يمكن أن يكون العبد باراً لكن مع ذلك حتى يكون باراً دائماً في حال الحياة والموت فلابد عند موت الوالدين أن يساغفر لهما ويقضي دينهما وإلا يكتبه الله عاقاً والعياذ بالله. ايضاً يكمل الإمام الباقر عليه السلام يقول: "وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهماغير بار بهما فإذا ما قضى دينهما وإستغفر لهما فكتبه الله عزوجل باراً"، المستمعون الذي لايوثقون في الحياة بالبر بوالديهم وهم أحياء في الحياة الدنيا نقول لهم إن المجال لن ينقطع أمامكم فيمكن لكم ان تبروا آباءكم بأن تقضوا دينهم إذا كان عليهم من دَين أن تستغفروا لهم وأن تتصدقوا عنهم، أن تصلوا لهم، أن تدعو لهم فإن ذلك يجعلكم من البارين بأهلكم فيما بعد الممات، والحمد لله رب العالمين.
مستمعينا الكرام نشكر سماحة (الشيخ جعفر عصاف، أستاذ الحوزة العلمية في بيروت) على هذه التوضيحات. ولايسعنا أعزائنا المستمعين الا ان نقدم لكم جزيل الشكر وفائق التقدير لحسن اصغائكم لبرنامج «اداب شرعية لحياة طيبة»، الى اللقاء.