فبعد يوم واحد من إعلان الخطة في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض برفقة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– عاد ترامب للحديث عن الخطة مستبقا الرد الرسمي المنتظر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي أمهلها 4 أيام فقط للموافقة عليها، محذرا من نهاية محزنة للغاية في حال رفضها.
فالخطة من وجهة نظر ترامب تمنح الفلسطينيين فرصة تاريخية لوقف الحرب والانتقال لمرحلة جديدة من السلام والتنمية، دون أن يعطي تفصيلا في هذا الأمر.
في الوقت نفسه، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن بلاده سلمت الخطة لوفد حماس التفاوضي، مؤكدا أن الرد ليس معروفا حتى الآن وأنه يتطلب توافقا فلسطينيا، لأنها تتضمن قضايا تحتاج توضيحا وتفاوضا.
ولاحقا، عرضت الولايات المتحدة توضيح بعض النقاط لحماس، لكنها أكدت عدم استعدادها لفتح الخطة برمتها للنقاش، وهو ما يؤكد أن إدخال تعديلات على الخطة يعطي بصيص أمل في أنها قابلة للتعديل، كما يقول أستاذ النزاعات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات..
ورغم الترحيب العربي بالخطة إلا أنها خرجت بصيغة تضمنت تعديلات جوهرية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل تختلف عن التي تم عرضها على الدول العربية والإسلامية، وهو ما أكده المحلل في الحزب الجمهوري أدولفو فرانكو.
ووفق ما قاله الباحث والمحاضر بالمعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف بلال سلايمة، خلال برنامج "مسار الأحداث"، فقد أدخل صهر ترامب جاريد كوشنر، ومبعوثه للمنطقة ستيف ويتكوف، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تعديلات على هذه الخطة قبل أن يدخل نتنياهو هو الآخر تعديلاته، لتخرج بصيغتها التي رآها الجميع.
ولعل هذه التعديلات التي جعلت الخطة في شكلها الأخير تمثل استعمارا جديدا غير قانوني لقطاع غزة، حسب وصف فريحات، الذي قال إنها "لم تصدر من مجلس الأمن ولا من الأمم المتحدة وإنما من دولة قررت تعيين نفسها حاكمة لغزة وحدها دون الضفة الغربية حتى".
فالتعديلات التي أدخلت على النص بعد عرضه على القادة العرب والمسلمين تؤكد -برأي المتحدث- أن ترامب لا يمكن أن يكون ضامنا لأي اتفاق.
وبعيدا عن بعض النقاط الجيدة المتعلقة بالتراجع عن مخطط تهجير سكان القطاع ووقف الحرب بشكل نهائي، فإن الخطة -برأي فريحات- تحمل الدول العربية مسؤولية نزع سلاح المقاومة بدلا من إسرائيل.
والخطر من ذلك أن التعديل طال ما تم الاتفاق عليه بشأن إيجاد دولة فلسطينية في المستقبل ليصبح الحديث عن مجرد حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين عن هذه الدولة التي قال فريحات، إنها كانت يفترض أن تكون موجودة بعد 5 سنوات من اتفاق أوسلو 1994، والتي تعهد نتنياهو أخيرا علنا بأنها لن تقوم أبدا.
بيد أن المتحدث يرى أن الحديث الأميركي الجديد عن الاستعداد لتوضيح بعض النقاط، ربما يعطي أملا في أن الأمر لا يزال قيد النقاش وأن هناك نوعا من إعادة التقدير للدول التي اتفقت على مقترح غير الذي تم إعلانه، على نحو يؤكد عدم أهلية ترامب لضمان اتفاق طويل الأمد.
ومن الناحية العملية، تحقق هذه الخطة من وجهة نظر الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى، أهداف الحرب الأساسية بالنسبة لإسرائيل، لكنها تجاهلت الأهداف الأيديولوجية المتمثلة في التهجير والاحتلال وربما ضم غزة إلى الكيان الاسرائيلي.
وعلى هذا، فإن هذا المقترح يحقق أهدافا إستراتيجية لإسرائيل لأنه يضمن لها نزع سلاح حماس واستعادة أسراها دون التورط في مزيد الحرب وما يترتب عليها من تكاليف وعزلة، كما يقول مصطفى، الذي وصف تعامل الجيش الإسرائيلي مع عملية احتلال مدينة غزة بالباهر من الناحية السياسية.
فقد ماطل الجيش وسوّف حتى يعطي فرصة لخروج مقترح مثل هذا يجنبه التورط في مزيد من الحرب ويضمن له تحقيق كل الأهداف التي عجز عن تحقيقها طيلة عامين من الحرب.
لكن نتنياهو يصطدم بأمرين مهمين في هذا المقترح لأنه يتحدث عن دور مستقبلي للسطلة الفلسطينية في حكم غزة ولو من دون موعد محدد، وهذا يقضي على أمله في الفصل التام بين غزة والضفة الغربية، ويعطي أملا ولو غامضا في إقامة دولة فلسطينية تعهد بأنها لن تقوم.
وبسبب هذين الأمرين، لا يمكن القول إن نتنياهو سيلتزم بما هو أكثر من وقف الحرب في هذا الاتفاق حال تنفيذه، خصوصا وأنه بارع في التنصل من التعهدات وتفريغها من مضمونها كما فعل مع أوسلو، حسب مصطفى.
ولا يختلف سلايمة، مع الحديث السابق، بقوله إن الخطة لم تحمل للفلسطينيين سوى وعود مؤجلة لا يمكن ضمانها خصوصا مع الولايات المتحدة التي هي طرف ولا يمكنها أن تكون وسيطا.
ولا تضرب هذه الخطة برأي سلايمة مستقبل غزة وحدها ولكنها تضرب المشروع الفلسطيني ككل، ولذلك يجب وقف الحرب من خلال قرار أممي لأن هذا يضمن الالتزام بكل القرارات الدولية السابقة بشأن الصراع ولن يكون وفق ما تريده أميركا وإسرائيل فقط.
ومن العيوب التي تضمنتها الخطة أنها لا تراعي المعايير الإنسانية في إدحال المساعدات والتي لم تلتزم بها ما تسمى بمؤسسة غزة الإنسانية وقد لا يراعيها مجلس ترامب، فضلا عن أنها لم تذكر أي دور لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في مستقبل القطاع، حسب سلايمة.
غير أن فرانكو، رد على كلام سلايمة، بقوله إنه ما من سبيل لوقف الحرب إلا بهذه الطريقة لأن القرارات الأممية "ليست موضع احترام أحد"، ولأن الخطة المطروحة تفتح الباب أمام توسيع اتفاقيات أبراهام التي تريد إسرائيل توسيعها.