إن الدين والسياسة لا ينفصلان، ويكملان بعضهما البعض من أجل تحقيق المجتمع الإلهي؛ ولذلك حاول أعداء الإسلام منذ فترة طويلة الفصل بين هذين الصنفين، لأن كل منهما كان اختصارا لتحقيق أهدافهم الوهمية دون الآخر. و
تشهد الأمثلة الواضحة في التاريخ على ذلك، بما في ذلك العصر البهلوي، عندما منعت الحكومة الشاهنشاهية، رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية والحكومية للبلاد. إلا أن الإمام الخميني (رض) كشف جميع افتراضات وحسابات الحكومة الزائفة بوضع القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) في المقدمة وتطبيق إجراءاتهم الحكومية، ووضع الأساس لمجتمع إسلامي بحكومة إسلامية.
لأنه آمن بأن "الإسلام دين سياسي، دينٌ فيه كل شيء سياسة، حتى عباداته" (صحيفة الإمام، المجلد الثاني، ص 14-15)، وقد علّم العالم أن الدين عن السياسة'>فصل الدين عن السياسة في العالم الإسلامي أمر مستحيل.
وخطا قادة المجتمعات الإسلامية خطوات واسعة في هذا الاتجاه؛ فبالإضافة إلى اجتهادهم الفقهي الرفيع في المجال السياسي على المستوى العالمي، كانوا أيضًا شخصياتٍ بارزة؛ ومنهم قائد المقاومة، السيد حسن نصر الله، الذي لم يكن قائدًا سياسيًا فحسب، بل كان أيضًا عالمًا فقهيا وفكريا قيّما.
ورغم أنه كان شخصية سياسية وعسكرية لا مثيل لها على المستوى العالمي، إلا أنه لا ينبغي إغفال مكانته العلمية والفقهية. فبالإضافة إلى إلمامه بعلم الفقه وقضايا الاجتهاد والاستدلالات الدينية، استطاع أيضًا توفير إطارٍ فقهي لمحور المقاومة من خلال الجمع بين المعرفة الحوزوية والفهم العميق للواقع الاجتماعي والسياسي. وكان النهج الفقهي للسيد حسن نصر الله مزيجا ذكيً من الفقه الجوهري، فقه الحكم، وفقه المصلحة.
الفقه الجوهري يعني الالتزام بالمبادئ والقواعد الاستنباطية، ويؤكد على متانة أسس الدقة في الاستدلال والدقة في التفاصيل.
كانت مواقف سيد المقاومة السياسية واستراتيجياته العسكرية ضد الكيان الصهيوني متجذرة في أسس فكرية وعقائدية وعملية، لا سيما في البعدين الفقهي والاجتهادي. وقد استطاعت خطاباته السياسية الحماسية، الزاخرة بالإشارات القرآنية السردية والفقهية، أن تلهم أجيالًا من المقاتلين لتقويتهم في وجه ظلم الظالمين، وتغرس فيهم روح المقاومة. وهذا النوع من القيادة ليس تكتيكيا فحسب، بل له جذور عميقة في رؤية دينية عالمية، حيث للنضال معنى وهدف يتجاوز مجرد النصر الظاهري.
انطلاقًا من الفهم الواقعي للدين في بناء الدولة والمجتمع، بيّن قائد المقاومة أن الفقه ليس مجرد أحكام دينية، بل هو أيضًا سبيل لإدارة الحياة والمجتمع، لا سيما في الظروف الصعبة والحرجة.
لذلك، ورغم أهمية توعية الناس وإيمانهم بأن الدين الحق لا ينفصل عن السياسة الصحيحة، فإن "السياسة الإسلامية" تعني إدارة الشؤون على أساس العدالة وأوامر الإسلام، وتؤدي إلى هداية المجتمع وإصلاحه، والقضاء على الطغاة وإقامة حكومة صالحة.
كما وضع قائد المقاومة، انطلاقا من فكر الإمام الخميني (رض)، السياسة الإلهية في مقدمة نضالاته، واعتبر المقاومة، إلى جانب كونها حركة سياسية وعسكرية، جزءا مهما في إحياء الإسلام والدفاع عن القيم الإلهية والإنسانية في العالم، مما يحقق وحدة الأمة الإسلامية وتحقيق العدالة العالمية.