البث المباشر

طائرات زراعية .. من أروقة الجامعات الإيرانية إلى سماء أربع دول

الإثنين 15 سبتمبر 2025 - 11:46 بتوقيت طهران
طائرات زراعية .. من أروقة الجامعات الإيرانية إلى سماء أربع دول

برزت في إيران قصص نجاح متميزة للشركات المعرفية التي تحوّل الأفكار الجامعية إلى واقع صناعي ملموس. ومن بين هذه القصص، تبرز شركة "أوج سماء زاغرس" التي نجحت في الدمج بين العلم والابتكار وريادة الأعمال، وفتحت آفاقاً جديدة للتنمية الزراعية والاقتصادية.

في عالم الاقتصاد الإيراني اليوم، حيث أصبحت كلمات مثل "ازدهار الإنتاج"، "الاكتفاء الذاتي" و"الاقتصاد المقاوم" شرايين حيوية للتنمية المستدامة، تتبوأ الشركات المعرفية مكانة المحركات الدافعة، وتتبلور بجهود وحماسة الشباب الموهوب والخريجين الجامعيين.

تمثل هذه الشركات رمزاً لتحول جذري، حيث تصبح المعرفة أهم رأس مال في البلاد لخلق الثروة، وتحوّل الرواية الحزينة لهجرة النخب إلى حلم بتحقيق الإنجازات في الوطن.

في قلب هذه الشركات، حول الشباب الإيراني الموهوب حلم توطين التكنولوجيا المعقدة إلى واقع ملموس، وبرزت الأفكار المبتكرة في مختبرات صغيرة وحدائق العلوم والتكنولوجيا، لتتحول إلى منتجات عالية الجودة وفق المعايير العالمية.

اليوم، لم يعد هذا التحرك الواعد مقتصراً على مجالات تكنولوجيا المعلومات أو الصناعات الطبية، بل امتدت جذوره إلى أكثر القطاعات التقليدية في الاقتصاد الإيراني، ألا وهو الزراعة. أصبح مفهوم الزراعة الذكية ليس مجرد فكرة مستوردة، بل واقعاً يحققه الشباب الإيراني بأنفسهم.

دخول تقنيات متقدمة مثل الطائرات بدون طيار إلى الحقول لم يرفع الإنتاجية فحسب، بل حسّن استخدام المياه والمبيدات، وفتح آفاقاً جديدة للوظائف وريادة الأعمال في المناطق الريفية والأقل نمواً.

حولت هذه الطائرات الذكية الرابط بين التقليد والحداثة إلى قفزة نوعية في الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، وتحلق من نوى طلابية صغيرة وأروقة جامعات مليئة بالحيوية.

شركة "أوج سماء زاغرس"، والمعروفة تجارياً باسم "أوج إيران"، تجسد هذه القصة الملهمة التي بدأت بفكرة طلابية بسيطة في قلب الجامعة، وامتدت لتصل بصادرات تكنولوجيا الطائرات الزراعية المتقدمة من لرستان إلى خمس دول في المنطقة.

رامين ولي زاده، رئيس مجلس إدارة الشركة، وصف بداية الرحلة قائلاً: "تشكّلت النواة الأولى للشركة بين عامي 2014 و2015 على يد عدد من الطلاب ومن نشاطاتهم الطلابية." وأضاف: "بدأ الفريق عمله بشغف في مجال الطائرات بدون طيار من خلال شراء وتجميع القطع، وبعد التخرج بدأنا تقديم خدمات الرش الزراعي للمزارعين."

وأشار ولي زاده إلى أن هذه الشرارة الأولية تحولت إلى شعلة كبيرة بعد ملاحظة الحاجة في السوق وارتفاع الطلب، وانتهى الأمر بتسجيل الشركة كشركة معرفية في حديقة العلوم والتكنولوجيا في لرستان، محققين بذلك توطين 80٪ من تكنولوجيا تصنيع الطائرات بدون طيار.

وأوضح ولي زاده أن هذا الإنجاز ليس مجرد تجميع بسيط، بل يمثل رمزاً لدمج المعرفة التقنية والهندسة العكسية بذكاء، حيث تم تطوير المكونات الرئيسية مثل جهاز التحكم في الطيران (دماغ الطائرة)، اللوحات الإلكترونية وروابط الاتصال داخلياً، لتصبح الشركة صاحبة هذه التكنولوجيا.

يمكن لكل طائرة بسعة 30 لتراً رش ثلاث هكتارات لكل رحلة، مع مراعاة اختلاف الكمية بحسب نوع المبيد، المحصول، والظروف الجوية. وقد مكّنت هذه القدرة الشركة من إنتاج طائرات متوافقة مع المناخ الإيراني بأربعة فصول، محسّنة للعمل على ارتفاعات مختلفة من مستوى سطح البحر حتى 2500 متر، وبواجهة استخدام كاملة باللغة الفارسية لتسهيل عمل المزارعين.

وأشار ولي زاده إلى أن الجودة والقدرة على التكيف فتحت أسواقاً خارجية، حيث صدرت الطائرات إلى العراق، إقليم كردستان العراق، عمان، كازاخستان وطاجيكستان، ما يعكس قدرة المنتج الإيراني على المنافسة التقنية والاقتصادية وتحقيق عائدات للبلاد.

وأضاف: "من المتوقع أن تسهم وسائل الإعلام بتقديم معلومات دقيقة في تعزيز انتشار التكنولوجيا الحديثة وقبولها في المجتمع، مما يزيد الإنتاجية في القطاع الزراعي."

ويقول الشباب العاملون في الشركة إن تأثيرها لا يقتصر على الإنتاج والتصدير، بل إنها تخلق منظومة عمل جديدة ومستدامة، مع ظهور مهنة جديدة بعنوان "طيار الطائرات الزراعية"، ما يوفر فرصة فريدة للشباب الباحثين عن عمل.

نجاح هؤلاء الشباب يثبت أن مخرج التحديات الاقتصادية ليس بالاعتماد على الموارد الطبيعية فحسب، بل بالاستثمار في المواهب البشرية والأدمغة المبدعة، وأن كل طائرة تُصنع في الشركة ليست مجرد أداة تكنولوجية لزيادة الإنتاج الزراعي، بل رمز للثقة بالنفس، الابتكار والإرادة التي تحوّل العقوبات والقيود إلى فرص للنمو والازدهار.

ومع ذلك، لا تزال الشركة تواجه تحديات مثل توفير رأس المال العامل، وتثقيف المجتمع لقبول التكنولوجيا الحديثة في القطاعات التقليدية، في ظل حاجة السوق المحلي المقدرة بـ10 آلاف طائرة والتي لم يغطي منها سوى أقل من 5٪، ما يمثل مساحة كبيرة لنمو هذه الصناعة.

شركة "أوج سماء زاغرس" ليست مجرد نجاح لمجموعة واحدة، بل مرآة لفرص الاقتصاد المعرفي الإيراني، تُظهر كيف يمكن الاستثمار في أفكار الشباب، دعم الابتكار، وإزالة العقبات أمام الإنتاج، لتشكيل دورة كاملة من خلق القيمة تشمل تحويل المعرفة إلى منتجات، توطين التكنولوجيا المعقدة، تلبية الاحتياجات المحلية، خلق فرص عمل مستدامة، وصولاً إلى التواجد القوي في أسواق التصدير.

الدعم الحكومي المستهدف، تسهيل الإجراءات المالية، والترويج الإعلامي لهذه الإنجازات يمكن أن يضاعف سرعة انتشار التكنولوجيا ويفتح الطريق أمام ظهور مئات الشركات المعرفية الناجحة الأخرى، لأن مستقبل اقتصاد إيران مرتبط أكثر من أي وقت مضى بأفكار الشباب الطموح وجهودهم الكبيرة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة