الوحدة، هي فلسفة بعثة الأنبياء، محور التوحيد، وتعزيز نقاط التضامن ودعم الأمة الإسلامية. والوحدة تعني الاتحاد ضد مجرمي التاريخ.
وتم في الأحاديث النبوية، إيلاء اهتمام خاص لقضية الوحدة. كما قال رسول الله (ص):
«تَرى المؤمنينَ في تَراحُمِهِم، وَتَوادِّهِم، وتَعاطُفِهِم، كَمَثَلِ الجَسَدِ، اِذَا اشتَكى عُضوٌ تَداعى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى».
وفي رواية أخرى، اعتبر النبي (ص) الوحدة رحمة والفرقة عقوبة، فقال:
«الجماعة رحمة والفُرقة عذابٌ».
وروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال:
«اِيّاكُم والفرقة فَاِنَّ الشّاذَ مِنَ الناس لَشيطان كما اِنَّ الشّاذَ مِن الغَنمِ للذِّئب".
أسبوع الوحدة ليس مجرد مناسبة تقويمية أو برنامج احتفالي. هذا الأسبوع تذكير بفلسفة استراتيجية أعلنها الإمام الخميني (رض) بعبقريته السماوية كجسر بين قلوب الأمة حتى لا ننسى أن العدو، مهما أطلق على نفسه من أسماء، هو نفس الذئب الذي يتربص بالغنم المتناثرة.
كما اعتبر الإمام الخامنئي (حفظه الله)، الوحدة حاجزا ضد جميع الفتن؛ الفتن التي اندلعت في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان في السنوات الأخيرة.
وجاء في مقتطفات من كلام سماحة قائد الثورة الإسلامية بمناسبة ذكرى مولد النبي الأعظم (ص) والإمام الصادق (عليه السلام)، التأكيد على أهمية وحدة الأمة الإسلامية:
"في اليوم الذي أعلن فيه الإمام الخميني العظيم أسبوع الوحدة ووحدة المذاهب الإسلامية في توجهاتها واتجاهاتها العامة والسياسية والاجتماعية، لم يتمكن الكثير من المخاطبين الحقيقيين لهذه الرسالة من إدراك أهمية هذه الرسالة؛ بمن فيهم مسؤولو العديد من الدول الإسلامية الذين لم يدركوا إطلاقًا أهمية هذه الرسالة. كثيرون لم يفهموا، وكثيرون كانوا عنيدين. اليوم ندرك أهمية هذه الرسالة.
الأحداث التي وقعت اليوم، تلك الأحداث المروعة التي وقعت في بعض دول المنطقة، في سوريا، والعراق، وفي مرحلة ما في ليبيا، واليمن، وأفغانستان، من هذه الأحداث التي وقعت هنا، يُدرك المرء أهمية وحدة العالم الإسلام".
وهذه الجملة التي قالها قائد الثورة الحكيم: "اجعلوا هذا الأسبوع ذا معنى وحافلًا بالأفكار"؛ رسالة بسيطة لكنها عميقة، كلمة تتجاوز مجرد توصية، نداءً يكسر الحدود الجغرافية، ويوحد القلوب على محور واحد وهو الوحدة.
ولكن عند إعادة قراءة خطابات القائد العظيم لجبهة المقاومة، الشهيد الحاج قاسم سليماني، حول موضوع "الوحدة"، من الجيد معرفة أن لهذا الشهيد الرفيع كلمات رئيسية قيّمة في قضية الوحدة، منها:
"أهمّ ركنٍ في الوحدة هو الوحدة ضدّ العدو / إذا أخطأ أصحاب المنصب في العنوان، فقد خانوا / إن إعطاء العدو عنوان الزقاق هو أسوأ أنواع الخيانة / لا ينبغي أن يرتفع صوتان في جبهات الحرب مع العدو / أن يقول أحدهم إنّ أمريكا ليست العدو" مثل معركة صفين، حين تم إبراء معاوية".
وقال الشاعر الإيراني "سعدي الشيرازي" رحمه الله في كتابه "كلستان":
"إن بني آدم أعضاء بعضهم بعضًا / خلقوا من جوهرة واحدة / إذا تألمت عضو من الأعضاء يومًا / ليس لباقي الأعضاء قرار / إذا لم تحزن على مصيبة عضو ما / لا يليقك بك لكي تسمي نفسك إنسانًا".
رأينا اليوم دليلًا على هذه القصائد التي كتبها "سعدي" في وحدة وتضامن شعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب الاثني عشر يومًا التي شنها الكيان الصهيوني قاتل الأطفال ضد الشعب الإيراني، وفي تعاطفه مع أهالي غزة وجبهة المقاومة المظلومين؛ أولئك الذين أدركوا كرامة وقوة جبهة المقاومة وقفوا إلى جانب أهالي غزة والمحافظة حتى آخر رمق، حتى في مسيرات الجمعة الغاضبة للشعب الإيراني ضد إبادة الكيان الصهيوني المجرم.
يدعونا القرآن الكريم إلى التمسك بحبل الله. وقد شبّه النبي (ص) الأمة الإسلامية بالجسد الواحد؛ جسد واحد لا يحمل جراح فلسطين وأطفال ونساء غزة فحسب، بل يثقل أيضًا على قلوب اليمن ولبنان وإيران.
الوحدة نعمة ورحمة من الله، ولكن في هذه الأيام، عندما يُسمع النداء من أنقاض غزة، تجتاح موجة من الحزن والغيرة المسلمين من بحر عُمان إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، كما قال السعدي:
"إن بني آدم أعضاء بعضهم بعضًا، خلقوا من جوهرة واحدة".
نعم، إن ساحة المقاومة والوحدة العملية اليوم، والمعنى الحقيقي للوحدة، تتجلى في جبهات غزة وفي وجوه الأطفال المحاصرين. اليوم، وصل صوت مظاهرات الشعب ضد جرائم الإسرائيليين حتى إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحملة مقاطعة البضائع الصهيونية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، واليوم في أسبوع الوحدة 2025، من الإيرانيين المشاركين في قافلة سفينة الحرية "الصمود"، إلى شباب بروكسل إلى النرويج، ومن نيويورك وصولا إلى تونس الذين انطلقوا مع هذه القافلة نحو غزة، والنساء اللواتي استطعن العيش برفاهية، فاخترن لمس معاناة غزة.
أسبوع الوحدة ليس مجرد صفحة في التقويم؛ هذا الأسبوع هو ضربات قلب تنبض في صدور جميع المسلمين، لغة مشتركة تهتف بصوت عالٍ في وجه الظلم:
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا».
قد أصبح هذا العهد السماوي اليوم موجةً من الوحدة والتعاطف في ساحة المقاومة الفلسطينية، تتجاوز الحدود الجغرافية وتربط القلوب بالحبل الإلهي.
أثبتت التجربة أنه كلما اجتمع العالم الإسلامي على هدف واحد، كلما اندحر العدو. من انتصار الثورة الإسلامية إلى صمود الشعب اللبناني في حرب الـ 33 يومًا، وإحباط مخططات داعش المختلفة في سوريا والعراق، كلها أمثلةٌ جليةٌ على قوة الوحدة.
اليوم، تهز صور أطفال غزة المشردين، العالقين تحت الأنقاض أو ينتظرون كسرة خبز وجرعة ماء، ضمير كل حر. جرائم لم تعد تُوصف بمصطلحات "الصراع" أو "التوتر"، بل هي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قتل منظم وحصار وحشي وإبادة جماعية. هنا تتجلى وحدة الأمة الإسلامية.
اليوم، الساحة الرئيسية لوحدة الأمة الإسلامية هي قضية فلسطين ومقاومة جرائم إسرائيل.
لذا، يُعد أسبوع الوحدة فرصةً لدحر مخططات أمريكا وإسرائيل المجرمين، وللتذكير بأن "عدونا ليس فردًا واحدًا أو جبهة واحدة، ألا وهو الكيان المحتل وداعموه".
ونتيجةً لذلك، فإن أسبوع الوحدة ليس مجرد سبعة أيام عادية، بل فرصةٌ للتفكير والتعبير والعمل باسم أمةٍ واحدة.
يُعد أسبوع الوحدة، في عام ١٤٤٧ هـ، فرصةً نادرةً للأمة الإسلامية للوقوف صفًا واحدًا وصوتًا واحدًا مع شعب غزة المظلوم، وفي وجه مجرمي إسرائيل وداعميها الغربيين.
فإذا تجاوزت هذه الوحدة الشعارات ووصلت إلى ميدان العمل، فإنها ستطوي صفحة التاريخ، وتضع حدًا لأكثر من ٨٠ عامًا من الظلم، وجميع أنواع الجرائم، والإبادة الجماعية.