كما أشار قائد الثورة الإسلامية سماحة القائد السيد علي خامنئي- حفظه الله- أن الصناعة النووية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية صناعة رائدة. ومن بين التطبيقات الرئيسية لهذه الصناعة هي الزراعة والأمن الغذائي. وتلعب الزراعة النووية في إيران دورا رئيسيا في ضمان الأمن الغذائي للبلاد. وقد حققت هذه التقنية نجاحات كبيرة في زيادة الإنتاج الزراعي وتقليل المخلفات.
ووفقًا للتقارير الرسمية، بدأ معهد أبحاث الزراعة النووية الإيراني أنشطته البحثية عام 1974 نحو الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية في الزراعة، وتأسس كمعهد أبحاث مستقل عام 2013. وقد ساهمت الزراعة النووية الإيرانية في زيادة الإنتاجية الزراعية، خفض المخلفات، ولعبت دورًا هامًا في ضمان الأمن الغذائي.
بعض الإنجازات البارزة
من أبرز نجاحات الزراعة النووية في إيران إنتاج صنفين من الأرز، وهما "كيان" و"هَستي"، واللذين اعترفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصائصهما. ويتميز هذان الصنفان، اللذان تم إنتاجهما من خلال تعريض صنفي "طارُم" و"هاشمي" لأشعة جاما، بمقاومة استثنائية لإجهاد الجفاف.
يُنتج صنف "كيان" 3 أطنان للهكتار في ظروف الجفاف، وحوالي 6 أطنان للهكتار في ظروف الري العادية، وهو تحسن ملحوظ مقارنةً بالصنف المحلي المحلي، "طارم"، الذي يُنتج ما بين 3.5 و4 أطنان في أفضل الظروف، و600 كيلوغرام فقط في ظروف الجفاف.
أدخل باحثو الزراعة النووية في البلاد 14 صنفًا من الأرز والقطن وفول الصويا وبذور اللفت واليوسفي بخصائص فريدة باستخدام التربية الطفرية وأشعة جاما. بالإضافة إلى الأرز، نجحت منظمة الطاقة الذرية أيضًا في إنتاج صنفين من القطن، "فخر" وجاحش"، واللذين أظهرا أداءً أفضل من الأصناف التقليدية.
وتشير هذه الإنجازات إلى الإمكانات الكبيرة للزراعة النووية في تحسين مختلف المنتجات الزراعية.
أعلن المعهد الوطني لتحسين وإنتاج البذور والشتلات عن إدخال 140 صنفًا من منتجات متنوعة من مجموعات الحبوب المروية والذرة والأعلاف والبذور الزيتية والبقوليات للمزارعين في السنوات الأخيرة. وتتميز معظم الأصناف المُدخلة خلال السنوات التسع الماضية بمقاومة عالية أو مواتية أو تحمل جيد للإجهادات الحية وغير الحية، بما في ذلك الآفات والأمراض الرئيسية والجفاف ونقص المياه. وقد مكّنت هذه النجاحات إيران من تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 98% في مجال بذور القمح والشعير، 89% في مجال الذرة، و100% في مجال الذرة الرفيعة والبقوليات.
تكنولوجيا الإشعاع وتقليل المخلفات
بالإضافة إلى تحسين الأصناف، تلعب تكنولوجيا الإشعاع دورًا هامًا في تقليل المخلفات الزراعية. كما أعلن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن حوالي 30% من إجمالي الإنتاج الزراعي السنوي في البلاد، والبالغ 130 مليون طن، يُهدر، أي ما يعادل 40 مليون طن من المنتجات. ويمكن أن يُقلل استخدام الإشعاع من هذا الهدر بنسبة 40%.
يبلغ عدد أنظمة الإشعاع النشطة في إيران حاليًا خمسة أنظمة، أربعة منها ثابتة وواحدة محمية بأشعة "غاما". وتتراوح الطاقة الإجمالية لأنظمة الإشعاع في البلاد لتشعيع الأغذية بين 10,000 و50,000 طن.
وقد وضعت منظمة الطاقة الذرية برنامجًا متوسط المدى لتوسيع أنظمة الإشعاع في جميع أنحاء البلاد، حيث سيصل حجم الإشعاع على المنتجات الزراعية إلى 150,000 طن في المرحلة الأولى، وأكثر من مليون طن في المرحلة الثانية.
توجد لإشعاع المنتجات الزراعية فوائد عديدة، منها الحد من التلوث الميكروبي، الفطري والطفيلي لمختلف المنتجات الغذائية، تحسين الحفاظ على العناصر الغذائية وقيمتها الغذائية، تحسين جودة المنتجات الغذائية، الحفاظ على جودتها لفترة طويلة، ومنع هدر نسبة كبيرة منها. كما تضمن هذه التقنية عدم تلوث المنتج والبيئة.
التطورات التقنية والإبداعات
من أهم الابتكارات في هذا المجال استخدام تقنية البلازما الباردة لمكافحة الأفلاتوكسين في المنتجات الزراعية. وقد طورت شركة تطوير تقنية البلازما، بعد أن حققت نتائج إيجابية من أبحاثها حول تأثير البلازما الباردة في إزالة الأفلاتوكسين، نظامًا لمعالجة الفستق باستخدام هذه التقنية.
ويمكن لهذه التقنية أن تفتح أسواقًا جديدة، مثل الأسواق الأوروبية، للفستق الإيراني، حيث يُعاد حوالي 20% من الفستق الإيراني المُصدّر سنويًا بسبب وجود الأفلاتوكسين فوق المستوى المسموح به.
تُعتبر أجهزة التشعيع بأشعة "غاما"، التي دخلت مرحلة الإنتاج بفضل جهود الباحثين النوويين في البلاد، خطوةً هامةً نحو توسيع نطاق المعرفة المحلية وتلبية احتياجات البلاد في مختلف المجالات الصناعية والطبية، وخاصةً الزراعية. وتتميز هذه الأجهزة بالقدرة على تشعيع منتجات الحبوب والبقوليات بكميات منخفضة لأغراض التطهير، مكافحة الإنبات، والحد من آفات التخزين، وذلك لزيادة سعة التخزين عن طريق تقليل الحمل الميكروبي والقضاء على الكائنات الدقيقة الملوثة والمفسدة للأغذية.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية
لعبت الزراعة النووية دورًا هامًا في تقليل اعتماد البلاد على المنتجات الزراعية المستوردة. وأكد "سيد رضا رفيعي"، الرئيس التنفيذي لشركة "شاربرتو إيرانيان" المعرفية، أنه إذا تم تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا التشعيع بأشعة غاما، يُمكن تحويل النفايات الزراعية إلى سلع تصديرية.
على سبيل المثال، يُنتج في البلاد حوالي 5 ملايين طن من البطاطس سنويًا، إلا أن أكثر من مليون طن منها يُهدر، ويمكن حفظه وتحويله إلى سلع تصديرية عن طريق الإشعاع.
يُسهم استخدام التقنيات النووية في تحسين جودة ومعايير المنتجات المُصدرة. وتدعم وزارة الجهاد الزراعي تطوير استخدام الطاقة النووية في القطاع الزراعي من خلال نهج يهدف إلى تحسين جودة ومتانة المنتجات الزراعية، وتقليل الهدر، وتلبية معايير التصدير الدولية. وهذا يُسهم في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الإيرانية في الأسواق العالمية.
التعاون الدولي والاعتراف العالمي
أشاد الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بمعهد أبحاث الزراعة النووية الإيراني لجهوده الواسعة في مجال الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة على هامش الدورة الخامسة والستين للمؤتمر العام للوكالة في فيينا.
جاء هذا النجاح نتيجة لجهود مجموعة تحسين النباتات التابعة لمعهد أبحاث الزراعة النووية، حيث أُدرج المعهد ضمن قائمة أفضل 11 مؤسسة فاعلة من دول مثل بنغلاديش والصين وكوبا والهند وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا. وقد أدت الخبرات الدولية والتوافق بين منظمة الأغذية والزراعة والوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ ستينيات القرن الماضي إلى تشكيل مجموعة داخل الوكالة للعمل في مجال الزراعة النووية. وقد مهدت هذه التعاونات الطريق لنقل المعرفة والخبرات الدولية إلى إيران، وساهمت في تسريع تقدم البلاد في هذا المجال.
التحديات والطريق إلى الأمام
يُعدّ توسيع البنية التحتية للإشعاع من التحديات الرئيسية التي تواجه الزراعة النووية في إيران. فنظرًا لضخامة حجم الإنتاج الزراعي في البلاد، فإن القدرة الحالية لأنظمة الإشعاع لا تلبي احتياجات البلاد.
فقد أكد رئيس الاتحاد الوطني للمنتجات الزراعية في إيران على ضرورة تجاوز الأنشطة العلمية والبحثية في مجال المزارع المرحلة التجريبية وتنفيذها على المستوى الوطني. ولمواجهة هذه التحديات، وُقِّعت مذكرات تفاهم رباعية بين جمعية المنتجات العضوية الإيرانية، ومنظمة الطاقة الذرية، ومنظمة وقاية النبات، والاتحاد الوطني للمنتجات الزراعية، لتسريع إدخال التقنيات النووية الجديدة في مزارع وبساتين البلاد. وتُمهد هذه المذكرات الطريق لمزيد من التنسيق بين مختلف المؤسسات والاستغلال الأمثل للقدرات المتاحة.
لدى إيران خطط شاملة لتطوير الزراعة النووية، تشمل توسيع أنظمة التشعيع، تطوير أصناف جديدة، وتحسين التقنيات الحالية. وصُممت هذه الخطط لتحقيق 40 قدرة هيكلية كامنة ومحتملة للزراعة الإيرانية، والتي يمكن تفعيلها دون الاعتماد على المفاوضات النووية. ولتحقيق هذه الأهداف، يجب أن يحل "العمل من أجل الازدهار" محل "الانتظار للانفتاح".
الزراعة النووية ودورها في ضمان الأمن الغذائي
ستلعب الزراعة النووية الإيرانية دورًا رئيسيًا في ضمان الأمن الغذائي في البلاد والمنطقة. ونظرًا للظروف الجغرافية والمناخية لإيران، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تُحوّل البلاد إلى مركز غذائي إقليمي.
يلعب استخدام الطاقة النووية دورًا هامًا في إنتاج الأسمدة العضوية، حماية البيئة، النظام البيئي والتنوع البيولوجي، تآكل التربة، الطاقة والموارد، والإنتاجية الزراعية.
لا تقتصر الزراعة النووية الإيرانية اليوم على كونها تقنية متقدمة لإنتاج منتجات زراعية مقاومة وعالية الإنتاجية فحسب، بل تلعب أيضًا دورا حيويا كأداة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي، تقليل الهدر، تحسين معايير التصدير، وحماية البيئة.
وقد تحققت هذه الإنجازات في ظلّ خضوع البلاد لأشدّ العقوبات الدولية، مما يُظهر بحد ذاته قوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية العلمية والتكنولوجية في هذا المجال الاستراتيجي.