لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، ونعني بها: ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن الزيارات الجامعة الاخرى... وقد حدثناك في لقاءات سابقة عن مقاطع متسلسلة منها،ونقدم جديداً من ذلك في لقائنا الحالي،وهو المقطع القائل (مخاطباً الائمة عليهم السلام) (بكم فتح الله وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا بأذنه...).
ان فقرة (بكم فتح الله وبكم يختم)... هذه الفقرة من الزيارة، تضل من النصوص المفتوحة او ما يطلق عليها في اللغة الادبية المعاصرة بـ(تعدد التأويل) اي امكانية ان ترشح بجملة استخلاصات، بقدر ما ترشح به ارضية قارئ الزيارة ثقافياً،... ولعلك تتساءل عن الامكانات الا ستيحائية في هذا الميدان، فنقول: ان قارئ الزيارة من الممكن ان يستخلص مثلا بان الائمة (وهم خلفاء الرسول(ص)). تفتتح بهم الخلافة او الحجة التي ينبغي ان يعرفها كل واحد في زمانه... كما تختتم بهم الخلافة او الحجة، حيث الوراثة الارضية في نهاية الحياة تتحقق من خلالهم... فالافتتاح هو بوصاية علي(ع) والختام بالامام المهدي(عج).
وهناك الاستيحاء الآخر، وهو ما يرتبط بنشأة الكون، حيث تشير النصوص المتنوعة الى ان الله تعالى من خلال محمد(ص) واهل بيته المعصومين: فتح صفحة الوجود وبهم ختمها، ودعاء التوسل يشير الى هذا المعنى كما هو واضح.
ايضاً: ثمة استيحاء او استلهام آخر وهو: ان مطلق المبادئ الخيرة، تفتح بممارساتهم، وتختتم بها... وهناك استيحاءات اخرى لم يُسمح لنا بها اذا لم تقترن بالنصوص الشرعية المسبقة لهذا الاستخلاص او ذاك.
من هنا لا يحق لنا ان ننصاع الى ما يطلق المعاصرون من التيارات الادبية او الفلسفية وسواها مما تذهب الى ان كل نص قابل لقراءة خاصة، بقدر عدد قراٌئه، حيث لا ينسحب هذا المبدأ على النص الشرعي الا في نطاق بلاغي خاص يرتبط بالتذوق الفردي الصرف، بعكس ما لو ارتبط النص بتفسير شرعي، حيث لا اجتهاد مقابل النص كما هو واضح.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ باقر الصادقي اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات، اهلاً بكم في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان وفيها يجيب خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي على ما يصلنا من اسئلة فيما يرتبط بموضوع هذا البرنامج، سماحة الشيخ الصادقي معنا على خط الهاتف، سماحة الشيخ سؤال هذه الحلقة عن الوصف الذي وصف به النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه في العديد من النصوص الشريفة المروية عن ائمة اهل البيت عليهم السلام، وصف نادر وهو وصفه بانه صلى الله عليه وآله الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل ما المقصود بهذا الوصف؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بالنسبة الى الخاتم لما سبق باعتبار ان ختمت النبوات بنبينا الاكرم صلى الله عليه وآله يعني النبوات ابتداءً من آدم الى عيسى بن مريم فختم بعد عيسى بنبينا الاكرم صلى الله عليه وآله وختمت النبوات بها، اما بالنسبة الى الفاتح لما استقبل طبعاً باعتبار ان الله عز وجل فتح الكون وخلق الكون وبلا شك انه بنور النبي صلى الله عليه وآله، يعني حينما كانوا انوار اول ما خلق الله نور نبينا صلى الله عليه وآله وخلق منه كل خير، فما يفيد حديث النبي مع جابر الانصاري حينما قال اول خلق الله نور نبيك يا جابر ثم خلق منه كل خير، ولذا في بعض النصوص بكم فتح الله وبكم يختم، اشارة الى هذا المعنى باعتبار ان الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه وخاتم الاوصياء وعلى القول بالرجعة فهم سوف يختمون بلا شك السفارات والحكومات من قبل الله تبارك وتعالى، فاذن الخاتم لما سبق يعني لما سبقه من النبوات والانبياء الذين سبقوا النبي، والفاتح لما استقبل بلا شك انه بالنسبة للامور المستقبلية النبي صلى الله عليه وآله سوف يكون هو فاتح لها وهو منير الدرب لها ومرشد والائمة هم الامتداد الطبيعي وخاتم الائمة هو الامام المهدي الذي سوف يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً وهو الامتداد الطبيعي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين، سماحة الشيخ فيما يرتبط بالفاتح لما استقبل هل يمكن ان يشار به الى المراتب الخاصة التي تصلها الامة في ظل شريعة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله ومن خلال اتباع اوصيائه عليهم السلام؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم بلا شك هذا من جملة الامور هي في اول الامر التي تنقدح في ذهن السامع الكريم بلا شك هذا معنى مراد ومطلوب وان النبي والائمة من بعده هم الذين يفتحون كل شيء بالنسبة الى ما يرتبط بالعقيدة وبالدين وبالمذهب للامور المستقبلية، والديانة الخاتمة تستوعب كل ما تستجد له البشرية من علوم من تطورات من امور ما يحتاجه الانسان في ارتباطه بالله عز وجل وفي العقيدة بلا شك عند النبي وعند الائمة ولذلك عرف بالفاتح لما استقبل.
المحاور: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ باقر الصادقي، وجزا مستمعينا الكرام الله تبارك وتعالى كل خير وهم يتابعون بامعان ما تبقى من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة.
*******
بعد ذلك نواجه العبارتين الاتيتين، وهما (وبكم نزل الغيث، وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا بأذنه)... فما تعني هاتان العبارتان؟
هنا لا مناص لنا من الاشارة الى ان النصوص الشرعية التي تربط بين الظاهرة الكونية وبين المعصومين عليهم السلام من حيث الاشارة الى ان الله سبحانه وتعالى من اجل المعصوين عليهم السلام انشأ ذلك.
هذه الاشارة تفسر لنا جملة من الظواهر الفرعية المتنوعة، منها مثلاً: انزال الغيث، والسؤال المهم جداً: لماذا ينتخب النص مفردات معينة دون سواها (كالغيث مثلاً)؟
الجواب هو: ان الغيث وصلته بالارض ونباتها، ومن ثم: الطعام وملحقاته الى ان تتوقف الحياة البشرية كلها: تفسر لنا متانة هذا التشدد في معطيات خاصة لها قيمتها الاشد خطورة: كالنبات واستملائه الغذاء الضروري للبشر وسواهم... لكن: اذا كان الغيث مرتبطاً بأستمرارية حياة الانسان وغيره، فما هو السر الكامن وراء الاستشهاد بالمفردة الثانية، وهي (وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض الا بأذنه)؟
في تصورنا ان المعصومين عليهم السلام ما داموا هم الصفوة البشرية الممارسة للعبادة في افضل مستوياتها،وان الله تعالى من اجلها منح هذا الوجود،حينئذ فأن البشر المضاد في سلوكه (كالكفاراو المشككين او المنحرفين او العصات...)، يضل مستحقاً لعقاب الله تعالى (ومنه: ان تقع السماء على الارض مثلاً: عقاباً للمنحرفين) ولكن الله تعالى من اجل المعصومين عليهم السلام: يمنع من ذلك، وهذا ما حدثتنا النصوص الشرعية بها: عندما اشارت الى ان العقاب الاجتماعي الذي نزل على المجتمعات البائدة: رفعها الله عز وجل عن امة محمد(ص)تكريماً له.
اذن امكننا ان نفسر جانباً من مقطع الزيارة المتقدم، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى زيارة الائمة عليهم السلام دواماً، وان يوفقنا الى الطاعة، انه ولي التوفيق.
*******