البث المباشر

معايير محبة أهل البيت واتباعهم في كلام سيد الساجدين

الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 14:07 بتوقيت طهران
معايير محبة أهل البيت واتباعهم في كلام سيد الساجدين

قد تناول الإمام السجاد (ع) معايير محبة أهل البيت (ع) واتباعهم في جزء من الصحيفة السجادية.

من الأساليب الفعالة التي كان يستخدمها أهل البيت (عليهم السلام) في تربية وتعليم الشيعة هو استخدام الأدعية والأذكار والمناجاة. ولقد كانت هذه الطريقة فعالة وملائمة جداً للظروف الصعبة والأجواء الخانقة التي خلقها الأعداء ضد أهل البيت (ع).

وكان التعبير المباشر عن المعرفة الدينية والحقيقة الإلهية في تلك الفترة يحمل مخاطر كثيرة، لذلك كان أهل البيت (عليهم السلام) يستخدمون الأدعية والأذكار والمناجاة لإيصال المفاهيم التوحيدية والأخلاقية والاجتماعية العميقة إلى الشيعة. وهذه الطريقة لم تنقذ حياة الشيعة فحسب، بل سمحت لهم أيضاً بالتعرف على المفاهيم الدينية السامية في صورة الأدعية والمناجاة، وتطبيقها في حياتهم.

وكان للإمام السجاد (عليه السلام) دور كبير في هذا المجال. وقدم من خلال تأليفه مجموعة من الأدعية المعروفة باسم "الصحيفة السجادية"، التعاليم الإسلامية النقية للمجتمع في شكل الأدعية والمناجاة. وبهذا استطاع الإمام الرابع للشيعة أن يزرع بذور الإيمان والمعرفة في نفوس الشيعة في فترة الظلم، وأن يترك إرثاً دائماً من تعاليم أهل البيت (ع) للأجيال القادمة.

وبالإضافة إلى جوانبها التعبدية، فقد تضمنت هذه الأدعية مفاهيم معرفية وأخلاقية واجتماعية عميقة ساعدت الشيعة على تقوية أنفسهم روحياً والتعرف على التعاليم الدينية في الظروف الصعبة.

إن تقوية التوحيد والإيمان بالله، اجتناب الشرك، ضرورة التوبة والاستغفار، طرق الاستغاثة، تقوية عنصر الشكر، الصبر، المثابرة، والدعوة إلى حفظ كرامة الإنسان، الدعوة إلى التعاطف، الدعوة إلى العمل الصالح، مراعاة حقوق الآخرين، وتجنب الدنيا وأيضاً فإن بيان صفات المنتظرين الحقيقيين، وبيان صفات الشيعة الصادقين كانت من موضوعات هذه الأدعية.

على سبيل المثال، يقدم الإمام السجاد (ع)، محبي أهل البيت (عليهم السلام)  في إحدى المقاطع المتعلقة بدعاء "عرفة" في الصحيفة السجادية، على النحو التالي:

«اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى أَوْلِيَائِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمُ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمُ، الْمُقْتَفِينَ آثَارَهُمُ، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمُ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلَايَتِهِمُ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإِمَامَتِهِمُ، الْمُسَلِّمِينَ لِأَمْرِهِمُ، الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَاعَتِهِمُ، الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمُ، الْمَادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمُ، الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الْغَادِيَاتِ الرَّائِحَاتِ

إن أهم ما يميز العشاق أو الأتباع الصادقين والحقيقيين لأهل البيت (ع) هو الاعتراف بمكانتهم العالية والفريدة. ويتضمن هذا الموقف أبعادًا مختلفة؛ ومنها مكانة أهل البيت الدنيوية والروحية، التي تتعلق بمكانتهم المعنوية والولائية في الكون، وكذلك مكانتهم العلمية والأخلاقية في العالم، والتي تعتبر نموذجاً مثالياً للإنسانية.

إن الاعتراف بهذه المكانة هو الأصل الرئيسي لاتباع أهل البيت (عليهم السلام)، لأنه بدون الاعتراف بعظمتهم وصلاحهم لا يمكن أن يتم الاتباع الحقيقي. ولهذا كانت هذه الصفة في قمة صفات أهل البيت (ع).

إن الصفة الثانية لمحبي أهل البيت (ع) في دعاء الإمام السجاد (ع) هي «الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُم»، أي اتباع طريق أهل البيت ومنهجهم. إن هذه المنهجية تشمل كل جوانب حياة وسلوك الرسول الأعظم (ص) وأهل البيت (عليهم السلام)، وهي نموذج مثالي للحياة الفردية والاجتماعية للبشر.

إن اتباع هذا الطريق يعني الالتزام العملي بالتعاليم الدينية والأخلاقية والاجتماعية لأهل البيت (عليهم السلام)، بما في ذلك التقوى والعدل والعطف والإيثار والسعي إلى النمو الروحي والعلمي. ولا يقتصر هذا الالتزام على العبادات والطقوس، بل يشمل كل جوانب الحياة؛ من كيفية التعامل مع الآخرين إلى إدارة الشؤون الشخصية والاجتماعية.

ومن خلال اتباع هذه الطريقة فإن محبي أهل البيت الحقيقيين لا يجدون أنفسهم على طريق الهداية فحسب، بل يصبحون أيضًا قدوة حية للآخرين ويحافظون على إرث أهل البيت حيًا في المجتمع.

الصفة الثالثة من صفات أتباع أهل البيت (عليهم السلام) الحقيقيين هي «الْمُقْتَفِينَ آثَارَهُم»، أي الذين يتبعون تراث العترة ويقتدون بهم. تتضمن هذه المعالم كل التراث العلمي والعملي والأخلاقي لأهل البيت عليهم السلام، والذي تم حفظه في صورة أحاديثهم وأخلاقهم وتعاليمهم. ومن أهم نماذج هذه المعالم، هي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في الفقه والأخلاق والمجتمع والاعتقاد، والتي تعتبر دليلاً للحياة الفردية والاجتماعية للإنسان.

وبالالتزام بهذه الأعمال والعمل بها فإن الأتباع الحقيقيين لا يحققون السعادة الدنيوية والآخرة فحسب، بل يحافظون أيضاً على إرث أهل البيت حياً وينقلونه إلى الأجيال القادمة.

الصفة الرابعة من صفات محبّي للعترة هي «الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِم» أي متمسكون بحبل العترة. يرمز هذا الحبل إلى الارتباط الوثيق بأهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بسلوكهم العملي وأسلوب حياتهم. وأن التمسك بهذا الحبل يعني الالتزام بكل الأوامر والأخلاق والقيم التي دعا إليها أهل البيت (ع). وهذه الصفة لا تقوي إيمان الإنسان فحسب، بل تضعه على طريق الهداية والنجاة، وتحميه من الضلال والانحراف. كما أن الآية 256 من سورة البقرة والآية 22 من سورة لقمان جاءت في ضرورة الاعتصام بالعروة الوثقى لأهل البيت عليهم السلام.

الصفة الخامسة هو التمسك بولاية أهل البيت (عليهم السلام): «المتمسكون بولايتهم». إن التمسك بالولاية يعني القبول الكامل بقيادة أهل البيت وولايتهم في جميع مجالات الحياة. ويتضمن هذا الاعتصام والتمسك مقدمة تتضمن أربع خصائص سابقة: الاعتراف بمكانة أهل البيت عليهم السلام العالية، الاقتداء بمنهجهم وأخلاقهم، الاقتداء بأعمالهم وتعاليمهم، والاتصال بالعروة الوثقى المتينة للعترة. وإنما يمكن بإدراك هذه الخصائص الثلاث، الاعتصام والتمسك بولاية أهل البيت (ع) حقيقة وعمقا.

تتضمن خصائص ثلاث أخرى لمحبي أهل البيت (ع) كالتالي:

لْمُؤْتَمِّينَ بِإِمَامَتِهِم"، أي من يقبل إمامتهم ويتبع هدايتهم وقيادتهم؛

"الْمُسَلِّمِينَ لِأَمْرِهِم"، الذين يستسلمون لأوامرهم ويقبلون توجيهاتهم وأوامرهم دون تردد.

"الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَاعَتِهِم"، الذين يبذلون أقصى جهدهم واجتهادهم في اتباعهم وطاعتهم، ولا يألون جهداً في هذا الأمر.

وفي نهاية المطاف تصل كل هذه الخصائص إلى ذروتها، وهي "«الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمُ، الْمَادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمُ»"، أي انتظار الفرج والرغبة في إقامة حكم أهل البيت الصحيح، حيث لا ترى العيون إلا أهل البيت عليهم السلام.

إن المحبين الحقيقيين لا يلتزمون بسيرهم وتعاليهم في الوقت الحاضر فحسب، بل يتطلعون أيضًا إلى المستقبل الذي ستقام فيه حكومتهم الإلهية العادلة.

إن هذا التوقع ليس مجرد أمنية أو حالة تفاعلية، بل هو مسار ديناميكي ونشط يدعو الفرد إلى السعي لتمهيد الطريق لظهور العدالة وإقامتها. ولذلك فإن محبي أهل البيت (ع) الحقيقيين، بالإضافة إلى المحبة والطاعة لهم، فإنهم ينتظرون دائماً تحقق الوعد الإلهي والنصر النهائي للحق على الباطل.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة