خطت إيران الإسلامية مع تطوير "قاعدة تشابهار الفضائية"، خطوة كبيرة نحو الاستقلال الفضائي والمنافسة مع القوى الإقليمية والعالمية. وبفضل موقعها الاستراتيجي على ساحل "مكران"، فإن هذه القاعدة لا تزيد من القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية الإيرانية فحسب، بل لديها القدرة على أن تصبح مركزًا دوليًا للمهام الفضائية.
في حين تسعى دول مثل الإمارات العربية المتحدة وتركيا إلى تحقيق برامج فضائية طموحة، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طريقها إلى أن تصبح قوة فضائية رائدة، بالاعتماد على التكنولوجيا المحلية والقدرة على الإطلاق المستقلة.
تعتبر قاعدة "تشابهار" الفضائية أحد أهم المشاريع الفضائية الإيرانية نظراً لموقعها الاستراتيجي. وبفضل إمكانية الوصول إلى المياه المفتوحة، وعدد السكان المنخفض، والظروف الجغرافية المناسبة، توفر هذه القاعدة القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية إلى مدارات مختلفة. كما أن قربها من المحيط الهندي يعني أنها، على عكس القواعد المحلية، لا تعاني من القيود المفروضة على الإطلاق فوق المناطق السكنية. وقد تؤدي هذه الميزة إلى تحويل إيران إلى مركز فضائي إقليمي وتمهد الطريق لتقديم خدمات إطلاق الأقمار الصناعية إلى دول أخرى.
ومن بين الأهداف الرئيسية لهذا المشروع يمكن الإشارة إلى زيادة قدرة الجمهورية الإسلامية على إطلاق الأقمار الصناعية، تقليل الاعتماد على القواعد المحلية، إنشاء البنى التحتية اللازمة للقاذفات الثقيلة، تطوير التعاون الدولي في مجال الفضاء، وتعزيز الأمن الوطني والصناعات الدفاعية.
لقد تقرر تنفيذ هذا المشروع على عدة مراحل. وفي المرحلة الأولى التي ستكتمل بنهاية عام 1403هـ الإيراني، سيتم تنفيذ عمليات الإطلاق الرسمية الأولى باستخدام منصات تعمل بالوقود الصلب لإرسال الأقمار الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وفي المرحلة الثانية، يتضمن جدول الأعمال تطوير البنية التحتية المتقدمة، بما في ذلك منصات الإطلاق الأكثر قوة، مرافق الدعم وتحديث أنظمة التحكم والاتصالات. وتلعب هذه المرحلة دوراً أساسياً في تطوير القاعدة، ويمهد تنفيذها الناجح الطريق لدخول المرحلة الثالثة، وهي عمليات الإطلاق الثقيلة والمهام الفضائية الأكثر تعقيداً.
ومع ذلك، فإن بناء هذه القاعدة يأتي مع العديد من التحديات. ومن أهم العوائق ضرورة تطوير البنية التحتية للنقل والمواصلات في منطقة "مكران"، الأمر الذي يتطلب استثمارات كبيرة، وسيتم توفير تمويل هذا المشروع من قبل الحكومة والمؤسسات ذات الصلة مثل منظمة التخطيط والميزانية ووزارة الاتصالات، على الرغم من أن خطة التنمية السابعة والخطة العاشرة لبرنامج الفضاء قد أكدت وخططت أيضًا لتنمية هذه المنطقة.
التحديات التقنية وظروف الطقس القاسية في المنطقة
يعد تعزيز التعاون الدولي أحد أهم الحلول لجذب الاستثمارات ومشاركة الدول الأخرى في استخدام قاعدة "تشابهار" الفضائية. كما أن التعاون مع الدول ذات الخبرة في هذا المجال يمكن أن يساعد في تسريع تطوير البنية التحتية التقنية والتشغيلية.
تواجه مشاريع الفضاء دائمًا تحديات تقنية غير متوقعة. ويتطلب تصميم أنظمة الإطلاق، خاصة في المرحلتين الثانية والثالثة، دقة عالية واختبارات متكررة. ومن بين الحلول المقترحة للتغلب على هذه التحديات هي إنشاء مركز أبحاث مستقل لتطوير التقنيات الفضائية المتعلقة بهذه القاعدة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال منصات إطلاق الأقمار الصناعية الثقيلة.
تخلق سواحل "مكران"، بسبب درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية، ظروفًا صعبة لتنفيذ مشاريع البناء والمنشآت. ومع ذلك، وبفضل اتخاذ التدابير المناسبة، تمكنت الفرق الفنية والهندسية من إدارة هذا التحدي وتشغيل القاعدة.
الدعم الحكومي والمتابعة المستمرة
تُعرف قاعدة "تشابهار" الفضائية بأنها أحد المشاريع ذات الأولوية للحكومتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، ولهذا السبب فإن الدعم الحكومي يمكن أن يكون له تأثير كبير في تسريع عملية تطوير القاعدة.
قال "حسن سالارية" نائب وزير الاتصالات ورئيس منظمة الفضاء الإيرانية، بشأن تقدم قاعدة الإطلاق في "تشابهار":
"إن خطتنا أنه تدخل المرحلة الأولى من قاعدة "تشابهار" الفضائية حيز التشغيل هذا العام وأن تتم عمليات الإطلاق الأولى من هذا المركز.
وبحسب ما قاله سالارية، سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى بحلول العام المقبل، ونظراً للارتباط المباشر بين المراحل المختلفة لهذا المشروع، فإن العمل جارٍ على تطوير المرحلة الثانية في الوقت نفسه. وقد جرت مفاوضات جيدة في هذا الصدد، ويجري الآن تمويل المشروع. ونأمل أن تصبح هذه القاعدة الفضائية أحد مراكز الإطلاق المهمة في المنطقة، بدعم من كافة المؤسسات ذات الصلة.
الرؤية المستقبلية: إيران كمركز فضائي في المنطقة
ستكون قاعدة "تشابهار" الفضائية بعد إكمال مراحل التطوير، قادرة على تحويل إيران إلى مركز لإطلاق الصواريخ الفضائية في غرب آسيا. ولن تساهم هذه القاعدة في زيادة إمكانية إرسال الأقمار الصناعية الإيرانية فحسب، بل يمكنها أيضًا تقديم خدمات الإطلاق للدول المجاورة وتعزيز مكانة إيران في صناعة الفضاء.
تتنافس الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال تطوير قاعدة "تشابهار" الفضائية، مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة وتركيا، والتي تكون لديهما برامج فضائية طموحة.
تسعى الإمارات العربية المتحدة للحصول على مكانة خاصة في الساحة الفضائية بمشاريع مثل برنامج محمد بن راشد للفضاء. ومع ذلك، فإن إيران الإسلامية، وبفضل منصاتها المستقلة لإطلاق الأقمار الصناعية وتكنولوجيتها المحلية، تتمتع بإمكانات عالية للتفوق على هذه المنافسة.
وستتمكن إيران الإسلامية مع اكتمال هذا المشروع، من التعاون مع الدول الحليفة مثل روسيا والصين وتحديد مهام فضائية مشتركة. ويمكن أن توفر هذه التعاونات الأساس لنقل المعرفة، زيادة القدرات التقنية، وتطوير تكنولوجيات الفضاء المتقدمة.
تعتبر قاعدة "تشابهار" الفضائية نقطة تحول في صناعة الفضاء الإيرانية، حيث يمكنها استغناء البلاد من الاعتماد على قواعد أخرى، وأن تمهد الطريق لعمليات الإطلاق المستقلة، وتضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين الدول الفضائية المتقدمة في المنطقة.