إن مقاطعة شركات الطيران الإيرانية ومطالبة الإمارات بالجزر الثلاث، واستخدام كلمة "احتلال" ضد طهران بهدف صرف الأذهان عن الكيان الإسرائيلي المحتل، تظهر أن جولة جديدة من السياسات الأوروبية المناهضة لإيران قد تبلورت. لكن السبب الذي دفع أوروبا إلى تبني هذه السياسة المناهضة لإيران في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها منطقة غرب آسيا، هو محور مقابلة صحيفة شرق مع "علي رضوان بور"، الأستاذ الجامعي وكبير محللي قضايا القارة الخضراء.
صحيفة "شرق": يبدو أننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة تعزيز السياسات المناهضة لإيران من جانب الأوروبيين، والتي رافقها فرض عقوبات على شركات الطيران من جهة، ومن جهة أخرى، مطالبة دولة الإمارات العربية المتحدة بالجزر الثلاث. وكانت شدة وجهة النظر المعادية لإيران لدى الأوروبيين كبيرة لدرجة أنهم استخدموا كلمة "المحتل" للإشارة إلى إيران. من وجهة نظرك ما أسباب تصاعد هذه السياسة المناهضة لإيران في القارة الخضراء خلال الأيام الأخيرة؟ فهل يعود الأمر فقط إلى الادعاءات حول دعم طهران لموسكو في حرب أوكرانيا، أم أن هناك أسبابا أخرى؟
علي رضوان بور: في اعتقادي أن المحور الرئيسي لتبني أوروبا لهذه السياسات المناهضة لإيران يكمن في افتقارها إلى الاستقلال السياسي. وكما ترون، فالحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي وحده غير قادر على تبني سياسة مستقلة مبنية على مصالحه تجاه الدول الأخرى. وشبه مارك إيسكينز، وزير خارجية بلجيكا في التسعينيات، والذي كان أيضًا ممثل الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية، الاتحاد الأوروبي بالعملاق الاقتصادي والقزم السياسي. العملاق الاقتصادي لأن الاتحاد الأوروبي يعتبر قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين، ولكن في مجال السياسة الخارجية والدبلوماسية فإن هذا الاتحاد يتخلف تماما عن الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك، في الأمور التي تنطوي على حساسيات، يحاول هذا الاتحاد أن يظهر أن لديه سياسة مستقلة عن أمريكا ببعض التصريحات والمواقف. هذا بينما في الأسابيع والأشهر الأخيرة، وبسبب الادعاءات المتكررة بشأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حاول الاتحاد الأوروبي تشويه صورة إيران في العالم ببعض الإجراءات والمواقف والعقوبات، وأهمها اتهامها بإرسال باليستيات وصواريخ إلى روسيا في حرب أوكرانيا، وقد أثرت القضية نفسها بطريقة أو بأخرى على نظرة الاتحاد الأوروبي لسيادة إيران على الجزر الثلاث، الأمر الذي ينتهك سيادة جمهورية إيران الإسلامية ووحدة أراضيها.
وحقيقة الأمر هي أنه بما أن الأوروبيين لا يستطيعون تبني سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية مهمة مثل الحرب في أوكرانيا، فإنهم يسعون إلى المواجهة مع طهران بنفس النهج الذي اتبعته واشنطن.
صحيفة "شرق": هل سيؤدي ذلك إلى تفاقم الخلل في العلاقات بين إيران وأوروبا في ظل حكومة السيد أردوغان؟
علي رضوان بور: إن التصعيد ليس خطأ إيران؛ لأن السيد بزشكيان، سواء في حملته الانتخابية أو في مراسم تنصيبه، وبعد ذلك في مرات عديدة في اللقاءات والاجتماعات، قال إن السياسة الخارجية للحكومة الرابعة عشرة تقوم على نفس المبادئ الثلاثة التي اعتبرها المرشد الأعلى الثورة، أي الشرف والحكمة والمنفعة. وعلى أساس هذه المبادئ الثلاثة، ستسعى الحكومة الجديدة إلى تنظيم العلاقات مع كافة الأطراف الإقليمية وخارجها. وعليه، فإن الحكومة الرابعة عشرة ستتخذ قراراتها، حيثما كان ذلك ضروريا، من أجل حماية المصالح والأمن الوطني. ولكن لإكمال ما قلته، يبدو أن سياسات الكيان الصهيوني المناهضة لإيران وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية جعلت الأوروبيين غير قادرين على اتباع سياسة مستقلة تقوم على الاحترام المتبادل تجاه إيران.
صحيفة "شرق": على الرغم مما قلته فإن النقطة المهمة في العلاقات مع أوروبا تعود إلى الموعد النهائي في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 وقبل انتهاء صلاحية القرار 2231 كضامن لتنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة أو تفعيل آلية الزناد وإعادة 6 قرارات لمجلس الأمن. وفي هذه الحالة كيف ترون العلاقات بين طهران والقارة الخضراء؟
علي رضوان بور: فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، فإن الدولة التي انسحبت من هذا الاتفاق لم تكن إيران. ومع ذلك، إذا سعى الأوروبيون، وخاصة الدول الثلاث الأعضاء في خطة العمل الشاملة المشتركة، في الوقت المتبقي، إلى تفعيل آلية الزناد واستعادة قرارات مجلس الأمن، فإن صورتهم ستكون موضع شك.
لماذا؟ لأنه لم تكن طهران هي التي انسحبت من خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي هذا الصدد، يعترف الأميركيون أنفسهم بوضوح أن أكبر كارثة في السياسة الخارجية في عهد "دونالد ترامب" كانت الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو عكس ما تؤكد وسائل الإعلام الأمريكية أن ميثاق إبراهام وتطبيع علاقات الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع الكيان الصهيوني كانا من أكبر إنجازات "دونالد ترامب". وهذه نقطة أعلنتها "ناشيونال إنترست" وبعد انسحاب أمريكا أصبح الأوروبيون يائسين في تنفيذ التزاماتهم بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، ولهذا السبب، حتى الآن، لم يكتف الأوروبيون بالوفاء بالتزاماتهم، بل لقد تصرفوا ضدها بالفعل، وكان هذا تأكيدًا للنقطة التي ذكرتها سابقًا، وهي أن الأوروبيين لا يستطيعون اتباع سياسة منفصلة بشكل مستقل عن أمريكا في أي قضية، بدءًا من الحرب في أوكرانيا وحتى خطة العمل الشاملة المشتركة وغيرها من القضايا الحساسة.
صحيفة "شرق": لقد ذكرت المبادئ الثلاثة للكرامة والحكمة والنفعية من جهة الحكومة، وفي نفس الوقت الذي اقيمت مراسم تنصيب بزشكيان، أعربت أيضًا عن رأيها في تحسين العلاقات مع أوروبا. فهل يمكن ملاحظة تحسن العلاقات في ظل هذه النقطة؟
علي رضوان بور: كما قلت من قبل، فإن السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان ترتكز على اهداف الرئيس نفسه، وعلى المبادئ الثلاثة: الحكمة والشرف والمنفعة في رأي المرشد الأعلى. لكن في مراسم تنصيب السيد بزشكيان أشار المرشد الأعلى إلى نقطة مهمة جداً وهي أنه كلما تعرضت مصالح إيران الوطنية وأمنها القومي للخطر سواء في العلاقات مع الأوروبيين أو أمريكا أو آسيا أو أفريقيا أو أي مكان آخر، يجب أن نقف ضده، ولكن إذا كان لدى كل دولة وكل جهة فاعلة اقتراح وحل لتحسين العلاقات وبما يتوافق مع مصالح إيران، فيمكننا إعادة النظر في علاقاتنا.
بشكل عام، يمكنني الإجابة على هذا السؤال بالطريقة التالية: إذا سعى الأوروبيون في الأشهر المقبلة حتى أكتوبر 2025 إلى تكثيف سياستهم المناهضة لإيران واتخاذ إجراءات مثل تفعيل آلية الزناد وإعادة قرارات مجلس الأمن، بالإضافة إلى تدمير صورتهم، يجب عليهم أيضًا أن يتحملوا المسؤولية عن عواقب هذا العمل. لكن من ناحية أخرى، بدلاً من تكثيف السياسة المناهضة لإيران، إذا كان لدى أوروبا حل في إطار المفاوضات الدبلوماسية وعلى أساس الاحترام المتبادل، فإن حكومة السيد بزشكيان ستستجيب له بالتأكيد بشكل إيجابي على أساس الثلاثة مبادئ الشرف والحكمة والنفعية. لذا فإن مستقبل العلاقات بين إيران وأوروبا يعتمد على أداء الأوروبيين أنفسهم.
المصدر : Pars Today