على رأس ثلاثمئة يوم من معركة طوفان الأقصى، أعلنت قيادات محور الجهاد والمقاومة دخول "مرحلة جديدة" من المواجهة مع العدو الإسرائيلي، بعد "التصعيد الخطير" والحماقات الغبية التي أقدم عليها السفاح نتنياهو ومن خلفه بايدن، عبر اغتيال القامة السياسية الفلسطينية المهمة، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو "ضيف عزيز" في العاصمة الإيرانية طهران، بعد ساعات من المشاركة في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وجاء الاغتيال الجبان غداة عدوان إسرائيلي عاشم على الضاحية الجنوبية لبيروت، تسبب بتدمير واسع لأماكن مدنية، ومقتل خمسة مدنيين، بينهم أطفال ونساء، واغتيال القائد العسكري الكبير في حزب الله السيد فؤاد شكر، بالتزامن مع عدوان أميركي على بابل العراقية تسبب باستشهاد أربعة من المنتسبين إلى الحشد الشعبي، بينهم قيادي، وبعد أحد عشر يوماً من العدوان على ميناء الحديدة المدني.
هذه الحماقات الأميركية الإسرائيلية تضع المنطقة برمتها على فوهة بركان، وتدفع في اتجاه توسيع المعركة، وربما حرب إقليمية، على عكس ما تدعيه واشنطن من "الحرص على عدم توسيع المعركة"، بدليل أن هذه الجرائم جاءت بعد عودة نتنياهو من واشنطن، وبعد حفلة التصفيق الحمقاء داخل أروقة الكونغرس الأميركي.
ولو كانت حريصة على خفض التصعيد لما منحت المجرم نتنياهو الضوء الأخضر بالاغتيال والعدوان والعربدة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ولما قدمت إلى المجرمين الصهاينة دعماً عسكريا واستخباريا وغطاءً سياسياً في تنفيذ هذه الحماقات وما سبقها من جرائم إبادة على مدى عشرة أشهر في غزة والضفة، وآخرها تصفية الصحافيين.
استحقاقات الرد الحتمي
منذ الساعات الأولى لجريمة اغتيال القائد الفلسطيني المقاوم إسماعيل هنية في طهران، توعدت إيران، على لسان قائدها الأعلى السيد علي خامنئي، بـ"رد قاسٍ" وتدفيع العدو ثمناً باهظاً ثأراً لضيفها العزيز.
وبينما أكدت المقاومة الفلسطينية أنها سترد على الجريمة، أعلن اليمن، في بيان للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، استعدادها للمساندة على الانتقام للشهداء.
وأكد في كلمته خلال اليوم التالي أن "الرد العسكري لا بد منه"، مشدداً على تجاهل المساعي الأوروبية لمحاولة احتواء موقف الرد لإنقاذ العدو الإسرائيلي، بعد أن فعل فعلته.
وهذا الموقف تقاطع مع موقف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أكد فيه أن "الرد آتٍ، حتمي ومدروس"، ولا يقبل النقاش، وأن "الأمر في يد الميدان، وظروفه وفرصه"، مخاطباً الإسرائيليين بأنهم سيبكون كثيراً.
ماذا عن دور اليمن وحساباته؟
خلال معركة طوفان الأقصى، التي تطوي يومها الثلاثمائة، قدم اليمن دوراً متميزاً وموقفاً متقدماً في معركة الإسناد لغزة منذ الأسابيع الأولى، في المستويات كافة: عسكرياً، وشعبياً، وسياسياً، وفي كل الصعد، وعلى نحو فاجأ ولايزال يفاجئ الجميع، من "غلاكسي ليدر" إلى "يافا"، مروراً بإذلال حاملة الطائرات الأميركية "آيزنهاور"، وفرض حصار شبه كامل على سفن العدو الإسرائيلي، والدول والشركات المساندة له، وتعطيل ميناء "إيلات" وشلّه، وكل ذلك لم يكن بهدف "التسويق السياسي" أو "خطف الأضواء"، كما يتوهم البعض، بل كان نابعاً من خلفية أخلاقية، إنسانية، ودينية.
وخلال معركة طوفان الأقصى، أدار اليمن عملياته الإسنادية لغزة، بحكمة وجدارة وقوة واقتدار وتأثير في الإسرائيلي والأميركي والبريطاني. واستطاع، عبر مراكمة الخبرة خلال تسعة أعوام من الحرب، أن يهزم "تحالف الازدهار"، وأن يهشم "الردع الأميركي"، ويُسقط هيبته، ويجبر حاملات الطائرات الأميركية على المغادرة، ويحول مهمتها من الهجوم إلى الفرار والفشل فيما جاءت من أجله، وهو فتح الطريق أمام السفن الإسرائيلية والحد من العمليات اليمنية.
وفي المحصلة، تصاعدت العمليات وتوسعت، ونفذ اليمن أكثر من 170 عملية استهداف لسفن إسرائيلية وأميركية وبريطانية ويونانية، وأخرى مرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وفرقاطات، والقائمة تطول. وكان اليمن يفاجئ العدو في كل مرحلة من المراحل الخمس، بتوسيع مسرح العمليات من المتوسط إلى الهندي، مروراً بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وخليج عدن وبحر العرب.
وكان اليمن، ولا يزال، يُدخل أسلحة جديدة على خط العمليات عبر تطوير وتصنيع محليَّين، كانت باكورتها صاروخ فلسطين، وقوارب طوفان المدمرة، وصاروخ حاطم 2 فرط الصوتي، وصولاً إلى طائرة "يافا" التي أسقطت منظومات الكشف والحماية الإسرائيلية والأميركية والعربية، وضربت قلب الكيان، وقلب "تل أبيب".
حتى إن بعض الصهاينة وصف العمليات بطوفان الأقصى 2. ومن أجل محاولة ترميم هيبة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، أقدم العدو على استهداف ميناء الحديدة أواخر الشهر الماضي، متسبباً بتدمير منشآت اقتصادية مدنية، وقتل وجرح عدد من المدنيين. وأعلن السيد عبد الملك أن العدو لن يستطيع أن يردع اليمن، وأن القوات المسلحة مستمرة في عمليات الإسناد، عبر البحر وفي عمق الكيان. والأهم من ذلك أن الرد آتٍ.
وفي الحسابات والعقيدة اليمنية، فإن من الخطأ قبول تجزئة المعركة، والاستفراد بكل جبهة وحدها، وأن العمل والجهاد المشترك والمنسق والمدروس والمؤلم والرادع ضرورة وواجب شرعي، وأن الكيان اللقيط مهما عربد فهو إلى زوال، وأن الصراع معه صراع وجود وليس صراع حدود، بدليل أن اليمن دخل المعركة على رغم بعده عن فلسطين المحتلة جغرافياً، وهو أمر لم يكن في حسابات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفق تصريح لرئيس اللجنة الاقتصادية في الكنيست، على هامش النقاش بشأن كيفية إبقاء ميناء "إيلات" حياً بعد أن أدخلته العمليات اليمنية، على مدى تسعة أشهر، في حالة شلل تام، فلم يستقبل سوى سفينة واحدة، باعتراف اليهود أنفسهم.
ما نريد الوصول إليه أن اليمن الحاضر والمؤثر والفاعل، خلال 300 من طوفان الأقصى، يرى أمامه استحقاقات مهمة للرد، أولها مواصلة عمليات الإسناد، براً وبحراً وجواً، للشعب الفلسطيني، ورداً على جرائم العدو الإسرائيلي بحقهم وحصاره لهم. هذا أولاً.
ثانياً: الرد على العدوان الإسرائيلي على ميناء الحديدة المدني، واستشهاد وإصابة عدد من المدنيين.
ثالثاً: الجاهزية، بالتنسيق والتعاون مع محور الجهاد والمقاومة، للثأر والانتقام للشهيدين القائدين (هنية وشكر) وكل الشهداء. والموقف واضح ومعلن، وهو أن الرد العسكري أمر لا بد منه.
ما بعد 300 يوم ليس كما قبلها: ما ملامح المرحلة الجديدة
ختاماً، ليس معلوماً كيف ستكون ملامح المرحلة الجديدة، ولا كيف ستكون طبيعة الرد. ما يمكن التكهن به أن نتنياهو وكيانه سيعيشان أياماً سوداء وليالي حمراء قاسية جداً، وهذا ما يخشاه العدو ويخافه، ولا يستطيع تصور كيف سيكون؟ ومتى؟ وبأي حجم؟ وبأي تأثير؟ وهل سيكون مشتركا (رداً موحداً)، أم متفرقاً (ردوداً متوالية).
لربما كان نتنياهو وحاشيته في حالة سكر حينما اتخذا قرار الإقدام على هذه الحماقات التي ستفتح عليهما أبواب جهنم، أو ربما يريدان عمداً الهروب من فشلهما إلى الأمام عبر الدفع نحو حرب كبرى. وأياً تكن الدوافع والأهداف، فإن العواقب ستكون وخيمة على الإسرائيلي ومن معه.
علي ظافر
كاتب يمني