كيف؟؟
نعلم -بداهةً- بقول رسول الله ص: "إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب اللهِ فما وافق كتاب اللهِ فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط [الطبرسي، مجمع البيان، ج 1، ص 13].
ونؤمن بقول الرسول ص: "إنه سيجيئُكُم رواةٌ، فما وَافَقَ القرآنَ فخذوا به وما كان غير ذلك فَدَعُوهُ» [تفسير الطبري، للآية 10 من سورة الدخان].
وقول النبي ص: "إِنَّهُ سَيُكْذَبُ عَلَيَّ كَمَا كُذِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي فَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ حَدِيثِي وَأَمَّا مَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَلَيْسَ مِنْ حَدِيثِي. [المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 242.وأصله في كتاب قرب الإسناد للحِمْيَري، ص 44].
بناء على ذلك:
عندما نقرأ رواية معينة ونجدها غير منسجمة مع سياق الآيات القرآنية فلا يمكن القبول بها، بل نتريث في ترويجها ونتروى في جعلها مسطرة وقاعدة لمعرفة أصحاب النار وأهل الجنة.
ومن أجل أن لا يطول المقام ويمِلّ القارئ من المقال نلج إلى أحد المصاديق. فقد طالعت اليوم رواية تخص قول الله عز وجل:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور:۳۵]
وفي تفسيرها ينهمك العلامة الطباطبائي ابتداء من الصفحة 119 من الجزء 15 من الميزان فما بعدها حتى الصفحة 138 ويفتح بحثاً فلسفيا ثم روائياً حتى الصفحة 143 يتضمن 16 رواية بشأن آية النور وما حواليها من السياق، ولكنه لا يقطع بصحة أي رواية واحدة منها بالذات، لا عن تفسيرها ولا عن مصاديقها، وهي كثيرة تشمل نبينا محمداً ص والإمام علياً ع والسيدة فاطمة س والحسنين ع والأئمة ع بل حتى الأنبياء والاوصياء والأولياء ع وكذلك قلب المؤمن، فتأمّل.
ومن باب المثال: ينقل العلامة الطباطبائي عن تفسير القمي بإسناده عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام، قوله عز وجل في هذه الآية الله نور السماوات والأرض قال ع: بدأ بنور نفسه "مثل نوره" مثل هداه في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح والمصباح جوف المؤمن والقنديل قلبه، والمصباح النور الذي جعله الله في قلبه. يوقد من شجرة مباركة قال: الشجرة (هو) المؤمن زيتونة لا شرقية ولا غربية قال: على سواد الجبل؛ لا غربية أي لا شرق لها، ولا شرقية أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإذا غربت غربت عليها يكاد زيتها يضيء يكاد النور الذي في قلبه يضيء وإن لم يتكلم، نور على نور فريضة على فريضة، وسنّة على سنّة يهدي الله لنوره من يشاء يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس فهذا مثل ضربه الله للمؤمن.
ثم قال: فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور:
مدخله نور،
ومخرجه نور،
وعلمه نور،
وكلامه نور،
ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور. [تفسير الميزان/ج 15ص119حتى143].
بيد أنني فوجئت برواية عن الإمام علي بن أبي طالب ع نشرها السيد هاشم معروف الحسيني في كتابه "دراسات في الحديث والمحدثين" ج1 ص 270 يقول فيها عن آية النور: [ويل لمن يقرأها ولا يفهم معناها]!!، وجاء البعض ليروّج لها عبر معظم المنتديات.
كيف يعني؟؟
الويل: واد في جهنم.
والقرآن الكريم نزل رحمةً للناس كلهم أجمعين. فالقليل منهم فهم بعض آياته، والأكثرية العظمى والأغلبية الساحقة من أهل الأرض قد يكونون لم يفهموه كله بالضبط، وربما لم يعرفوا مغزى آية النور فهل هم من أهل جهنم كلهم؟؟!!، هكذا بهذه السهولة؟؟!!
إن القرآن نزل لكل الناس في كل البلدان والازمان.
فما ذنب الياباني والصيني والهندي والروسي والباكستاني والتركي والايراني والاوربي والامريكي والاسترالي، عندما يقرأ هذه الآية بالذات فربما لا يفهمها بدقة.
بل حتى العرب وعددهم يربو على 450 مليون نسمة معظمهم مسلمون لكنهم قد لا يفهمون تأويل أو مصداق هذه الآية بدقة.
فهل المقصود إن لكل هؤلاء الناس الويل لعدم فهمهم آية محددة بنمط معين؟؟؟
كم عدد من يفهمونها بهذا النمط في الكرة الارضية؟؟
الويل وادٍ في جهنم ولو أردنا إدخال الناس كلهم فيه لعدم فهمهم لآية واحدة فهذا مستحيل، عقلاً وشرعاً وخلافاً لعدالة الله ورحمته بعباده.
بل حتى القرآن الكريم كله، لو لم يتمكن المسلم المؤمن الصالح من فهمه فلن يدخل في [ويل]، لأن هذا لا يتيسر بسهولة ولا يعلم تأويله إلا الله [مُنزِلهُ] والنبي الأعظم [من خُوطِبَ به] والمعصومون فقط.
فهل خُلقت الجنة وعرضها كعرض السماوات والارض ليدخلها 14 شخصاً فقط؟؟؟ والباقون كلهم في النار!!؟؟
بقلم: د. رعد هادي جبارة
الأمين العام للمجمع القرآني الدولي