بهذه المقدمة افتتحت المجلة مقابلة مع المؤرخ العسكري بينوا بيهان، بدأها بأنه سيكون من الخطأ أن تعتمد "إسرائيل" على قوة دفاعاتها، مؤكدا أن الهجوم الإيراني لم يكن يهدف إلى إحداث أضرار بشرية ومادية بقدر ما كان اختبارا للأسلحة بقياس جودتها وقياس قوة دفاعات العدو، خاصة أن المواجهة الإستراتيجية والعسكرية قد بدأت للتو.
وأشار المؤرخ العسكري الفرنسي -في المقابلة التي لخصها جوليان بيرون- إلى أن إيران لا يبدو أنها استخدمت أحدث أسلحتها في هذا الهجوم، حيث بدأ الهجوم بإرسال عدد من المسيرات باتجاه "إسرائيل".
ولفت، في هذا الصدد، إلى أن طهران تمتلك عدة نماذج من المسيرات، يمكن استخدام العديد منها كذخائر بعيدة المدى، خاصة مسيرة "شاهد-136″، وهي صغيرة الحجم يمكن أن تصل إلى 2500 كيلومتر، ولكن سرعتها لا تتجاوز 185 كيلومترا في الساعة وحمولتها 50 كيلوغراما من المتفجرات.
وهذه المسيرة -حسب الخبير العسكري- سهلة الإسقاط نسبيا، ولدى طهران أنواع أكثر تقدما منها، شاهد-238، التي تعمل بمحرك صغير وهي بالتالي أسرع.
ومع أن اختراق هذه المسيرات للدفاعات الإسرائيلية ليس متوقعا، فإن دورها ربما يكون إجبار المدافعين على استخدام جزء من وسائلهم ضدها، وبالتالي استهلاك ذخائرهم التي هي أكثر تكلفة من المسيرة نفسها، إذ إن أرخص الصواريخ المتاحة لـ"إسرائيل" أغلى بـ3 أو 4 مرات من شاهد-136.
ولعل هذه المسيرات أيضا تسهم في شغل جزء من الدفاعات الإسرائيلية، للسماح للأسلحة الأخرى المستخدمة، كصواريخ كروز بالحصول على احتمال أكبر للنجاح.
كما أنه من المنطقي -حسب الخبير- أن طهران أرادت تقييم الرد الإسرائيلي على فئات مختلفة من الأسلحة، لتحسين قدراتها على تنسيق هذه الذخائر المختلفة معا في ضربة متزامنة.
وتستطيع "إسرائيل، فنيا وتكتيكيا، حسب الخبير، إسقاط هذا العدد الكبير من المسيرات، لأنها تمتلك 280 طائرة مقاتلة، وهي مدعومة جيدا بوسائل كشف متقدمة، كما تمتلك نظام دفاع جوي-أرضي يعتبر من الأفضل في العالم، من حيث الأداء الفني أو كثافة الوسائل.
لكنه نبه إلى أن المساهمة الأميركية تبقى مع ذلك، ضرورية بالنسبة "لإسرائيل"، من ناحية تعزيز قدرات التزود بالوقود أثناء الطيران، ثم من أجل "فتح" المجال الجوي العراقي والأردني دبلوماسيا، كما أن قدرات الإنذار المبكر الأميركية والفرنسية والبريطانية، كانت مهمة.
وبالتالي فإن "إسرائيل" رغم قدراتها الفنية والتكتيكية، تحتاج إلى الدعم الغربي من الناحية الدبلوماسية، وعلى المستوى الاحتياطي من الذخيرة، خاصة أن الصواريخ الاعتراضية، بحكم مهمتها، أسلحة متطورة للغاية وبالتالي باهظة الثمن ومتوفرة بأعداد محدودة، مقابل مخزون كبير من الأسلحة لدى طهران.
وهنا جزء من التهديد الضمني الإيراني -حسب بينوا بيهان- فهي تهدد بحرب استنزاف تعتقد أن "إسرائيل" وحلفاءها لن يتمكنوا من تحملها على المدى الطويل.
لكنه نبه إلى أن القبة الحديدية ليست الوحيدة لدى "إسرائيل"، إذ لديها نظام دفاع شمسي متعدد الطبقات، يجمع بين عدة أنظمة مختلفة ومتكاملة، مثل نظام آرو طويل المدى المضاد للصواريخ، ونظام باتريوت الأميركي، وخليفته المعروف باسم "مقلاع داود"، كما تمتلك بعض أنظمة الدفاع النقطية، بما فيها "الشعاع الحديدي"، وهو نظام طاقة موجه لا يزال تجريبيا.
وخلص الخبير العسكري إلى أن إيران تسعى إلى تحقيق 3 أهداف من هذا الهجوم الذي يجمع بين المسيرات والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.
أما الهدف الأول، فهو إظهار القوة والتحدي من خلال ضرب "إسرائيل" مباشرة، بدلا من الاستعانة بوسيط ينفذ الضربة، مما يظهر أن طهران لا تخشى ردا إسرائيليا محتملا، ويردع تل أبيب عن تكرار مثل هذه الضربات.
والهدف الثاني هو البقاء من دون عتبة الحرب المفتوحة، واستقرار الوضع بدلا من تصعيده، ولهذا السبب، "أبلغ" الإيرانيون عن هجومهم على نطاق واسع، مع علمهم التام أن ذلك سيصل إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل".
وكان الهدف من التخلي الطوعي عن أي تأثير للمفاجأة هو على وجه التحديد ضمان أن تكون "إسرائيل" في حالة دفاع، بحيث يمكن أن تكون الضربة ضخمة، وتحقق الهدف الأول، ولكن آثارها الحقيقية محدودة لا تفي بتحقيق الهدف الثاني، ومع ذلك فإيران تريد أيضا تحقيق هدف ثالث.
وهذا الهدف هو وضع "إسرائيل" في معضلة إستراتيجية في أعقاب الهجوم، فإما أن تقبل التهدئة أو تتصرف بشكل ضعيف، وإما أن تصعد، وترد بعنف أو بشكل غير متناسب، وفي هذه الحالة تواجه خطر العزلة الدبلوماسية وربما العسكرية.
وختم المؤرخ العسكري الفرنسي بأن التأثير العسكري لم يكن الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه هذه الضربة، خاصة أن إيران لم تستخدم أقوى أسلحتها، مشيرا إلى أن المواجهة الجيوسياسية بين إيران و"إسرائيل" قد تحدث على المدى الطويل.
أما اليوم، فقد أصبحت طهران في قلب اللعبة في "الشرق الأوسط"، وهي على قدم المساواة مع "إسرائيل" من حيث القدرة على العمل الإستراتيجي، رغم التباين الكبير بينهما في الوسائل العسكرية، على حد تعبيره.