وتسافر أعمدة الغبار الضخمة التي تنشأ على بعد آلاف الأميال في منطقة الصحراء الإفريقية، بواسطة العواصف الترابية حول العالم كل صيف، حاملة مزيجا من الملوثات ومسببات الأمراض المحتملة عبر القارات.
وقاد الدكتور شانكار تشيلام، الأستاذ بجامعة تكساس إيه آند إم، مهمة فهم المتنقلين البيولوجيين داخل العواصف الترابية. ويعمل هو وفريقه على تحديد الميكروبات، وتحديدا البكتيريا والفطريات، التي تهاجر مع الغبار واستكشاف تأثيرها المحتمل على صحة الإنسان.
وتتناول أبحاث الدكتور تشيلام بشكل فريد كيفية إدخال العواصف الترابية الصحراوية لهذه الميكروبات إلى أمريكا الشمالية.
وقام الدكتور تشيلام وفريقه بتحليل عينات من الغبار الصحراوي الذي وصل إلى هيوستن في عام 2018، وقياس المعادن والبكتيريا والفطريات للتحقق من أي روابط.
ومن المثير للدهشة أن النتائج التي توصلوا إليها كشفت عن روابط قوية بين التنوع البيولوجي للميكروبات وعناصر محددة، وخاصة الكالسيوم.
وفي حين أن هذه العناصر تحدث بشكل طبيعي في الصحراء الكبرى، فإنها موجودة أيضا في البيئات المحلية لأمريكا الشمالية. ويظل تحديد المصدر الدقيق للغبار وحمولته يمثل تحديا يواصل العلماء مواجهته.
ولعل الاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة هو أنه حتى سحب الغبار التي تبدو هامدة مليئة بالنشاط البيولوجي.
وسمح تحليل الحمض النووي عالي التقنية للفريق بإنشاء مخزون من البكتيريا والفطريات، حتى لو لم تكن الميكروبات نفسها نشطة.
والمثير للدهشة أنهم عثروا على آثار للعديد من مسببات الأمراض المعروفة بأنها تسبب المرض لدى البشر بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويحذر الدكتور دانييل سبالينك، الأستاذ المساعد في جامعة تكساس إي أند إم، قائلا: "لا يخبرنا هذا ما إذا كانوا سيتمكنون من نقل العدوى إلينا وإصابتنا بالمرض، ولكن على الأقل تم التعرف على الحمض النووي للعديد من البكتيريا والفطريات المسببة للأمراض في الغبار الإفريقي".
ويؤدي تغير المناخ إلى تغيير أنماط الطقس على مستوى العالم. ويؤثر هذا التحول على سلوك العواصف الترابية، ما يؤدي إلى اختلافات في تواترها وشدتها.
وتنتقل العاصفة الترابية في الصحراء الكبرى إلى ما هو أبعد من حدود أمريكا الشمالية، ما يؤثر على النظم البيئية العالمية بطرق عميقة.
وينطلق هذا الغبار الذي ينشأ من الصحراء الكبرى الشاسعة، في رحلات عبر القارات تؤثر على المناخ وبيولوجيا المحيطات والأنظمة البيئية البعيدة عن مصدره.
وأثناء انتقاله عبر المحيطات والقارات، فإن الغبار الصحراوي يعكس ضوء الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، ما يؤدي إلى تبريد سطح الأرض. وتعمل هذه الظاهرة الطبيعية كموازنة لتأثيرات الاحتباس الحراري لغازات الدفيئة، ما يوضح كيف يمكن أن يؤثر غبار الصحراء على درجات الحرارة العالمية.
ويحمل الغبار أيضا الكائنات الحية الدقيقة والمواد المغذية، مثل الفوسفور الذي يُخصب النظم البيئية النائية، من غابات الأمازون المطيرة إلى البحر الكاريبي، ما يدل على دورات المغذيات المعقدة في الطبيعة.
وتستفيد بيولوجيا المحيطات أيضاً من الغبار الغني بالمغذيات. وعندما يستقر الغبار الصحراوي على مياه المحيط، فإنه يوفر المعادن الأساسية التي تحفز نمو العوالق النباتية التي تشكل أساس السلسلة الغذائية المحيطية، وتدعم مجموعة متنوعة من الحياة البحرية.
وبالتالي فإن تدفق المواد الغذائية من الصحراء الكبرى يمكن أن يعزز الإنتاجية البحرية، ما يؤثر على أعداد الأسماك وصناعة صيد الأسماك العالمية.
لكن تأثير الغبار الصحراوي ليس مفيدا دائما، وفي النظم البيئية غير المعتادة على تدفق الجزيئات والمواد المغذية الأجنبية، يمكن للغبار أن يعطل البيئات المحلية.على سبيل المثال، يمكن لترسب الغبار المفرط أن يخنق الشعاب المرجانية، ويحجب ضوء الشمس ويعوق عملية التمثيل الضوئي.
وعلاوة على ذلك، فإن الآثار الصحية للغبار الصحراوي تمتد عبر القارات، حيث لا يحمل الغبار العناصر الغذائية فحسب، بل يحمل أيضا الملوثات ومسببات الأمراض التي يمكن أن تؤثر على جودة الهواء والصحة العامة.
وقد تواجه المجتمعات الواقعة في مسار أعمدة الغبار هذه مشاكل متزايدة في الجهاز التنفسي والحساسية والأمراض، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى المراقبة والتأهب الصحي العالمي.