البث المباشر

'طوفان الأقصى'.. سوريا العالقة بين الحروب

الخميس 14 مارس 2024 - 20:52 بتوقيت طهران

مع دخول العام الرابع عشر للكارثة السورية المستمرة لا يظهر أفق واضح لنهايتها، ويستمر السوريون بالبحث عن الحلول الفردية خارج بلدهم بشكل متصاعد.

ثلاثة عشر عاماً على بدء الكارثة السورية الأكبر في تاريخها الممتد منذ أكثر من عشرة آلاف عام، وهي على مشارف عامها الرابع عشر بلا ملامح واضحة لأفق الخروج والتعافي، وسط أجواء إقليمية قابلة للانفجار ولا تُعرف نتائجها على سوريا بعد، ما يدفع بالسوريين إلى المزيد من سياسات البحث عن مخارج فردية بشكل جماعي، إن كانت ذات طابع اقتصادي أم بصيغة تحولات ديموغرافية داخلية وخارجية للبقاء على قيد الحياة بشكل مقبول.

على الرغم من تطور المستوى المعيشي للسوريين قبل الحرب التي خاضوها فيما بينهم بسنوات، بيد أن كل المؤشرات التي سبقت الحرب تدل على أن بلدهم ذاهب للانفجار الكبير، بدءاً من اجتياح العراق المترابط مع سوريا في شهر مارس/ آذار عام 2003، ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري شهر فبراير/ شباط 2005، الذي كان فاتحة لبدء اجتياح أنكلو ساسكسوني جديد لمنطقة المشرق عبر البوابة السورية -اللبنانية، وأخذ وجهاً متعدد الأبعاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وثقافياً.

تلى عملية الاغتيال ببضعة أشهر التوقيع على إعلان دمشق في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2005، الذي غابت عنه فلسطين والجولان والموقف من "إسرائيل" بشكل متعمّد، ليعطي دلالة على طبيعة توجهات العمل على التغيير ضمن سوريا، ويلقي بظلال الشك حول الدوافع الحقيقية لبدء المطالبة بعملية التغيير فيها، وهي التي كانت وما زالت تحتاج إلى عملية تغيير واسعة وعميقة لبنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما ينعكس على السوريين جميعاً ضمن بيئتهم الداخلية والإقليمية التي لا يستطيعون الانفكاك عنها.

جمّدت حرب تموز 2006 بعد انتصار حزب الله الاستمرار بالنهج نفسه لاجتياح المشرق، وتم الانتقال للعمل على خطين متوازيين متكاملين مع بعضهما البعض، الأول كان العمل على استقطاب سوريا ضمن منظومة إقليمية بإغراءات اقتصادية وانفتاح سياسي عربي وتركي عليها، والثاني هو الانتقال إلى خطة تفجير سوريا من الداخل بعنوان الحاجة إلى التغيير الداخلي من بوابة "الربيع العربي"، وهذا ما نجح فيه النظام الغربي عامةً لتوفر أسبابه الداخلية المتعددة المؤهلة لنجاحه.

لم يدرك السوريون في البداية أنهم يخوضون حرباً فيما بينهم أبعد وأوسع من ساحتهم الداخلية إلا بعد مضي ردح من الزمن، وحافظوا على سردياتهم المبررة لاستمرار الحرب رغم انكشاف البعدين الإقليمي والدولي وانخراط أغلب دول العالم في الحرب بشكل مباشر أم غير مباشر، فتوصلوا إلى نتيجة بأن كارثتهم لن تنتهي إلا من بوابة نتائج الصراع الدولي المحتدم في الساحة السورية، ما عزّز الاصطفافات السورية الاستقطابية بين الأفرقاء على اعتبار أن الصراع الدولي سيُولد كنتيجة للحرب السورية، وفيها سيتحدد النظام الدولي الجديد، الذي سينعكس داخلياً بتحديد الطرف المنتصر الذي سيقود سوريا في المرحلة القادمة.

اكتشف السوريون خلل رهاناتهم مع اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 وانتقال الصراع على بنية النظام الدولي إلى ساحة جديدة، انتقل فيها النظام الغربي للتدخل بشكل واضح في حرب جديدة، من خلال دعمه المكشوف والصريح لأوكرانيا مالياً وعسكرياً، بعد أن تخفَّى خلف عنوان دعم الجماعات السورية المعارضة على مدى أحد عشر عاماً، سالكاً السبيل إلى ذلك من خلال الدول الإقليمية المحيطة بسوريا، وخاصةً تركيا التي لعبت دوراً محورياً في الكارثة السورية، عدا عن احتلالها مناطق واسعة من الشمال السوري تجاوز أكثر من 9 %، مترافقاً مع تغيير ديموغرافي كبير وتهجير سكان منطقة عفرين والمناطق الممتدة بين تل أبيض ورأس العين، بالإضافة إلى دور النظام العربي المدمر من خلال واجهة الجامعة العربية.

تحوّلت رهانات السوريين إلى الساحة الجديدة من الصراع الدولي، واعتبروا أن نتائج الحرب في أوكرانيا هي من سيحدد مسارات النظام الدولي، بين استمرار النظام الغربي المهيمن ببنيته الحالية أن يفرض عملية التغيير في سوريا، وبين نظام دولي متعدد الأقطاب يتيح لكل من روسيا والصين دوراً كبيراً في تثبيت معالم النظام السياسي الحالي مع تغييرات سياسية واقتصادية تحقق الاستقرار والبدء بعملية الخروج من كارثتهم، وسيطر الترقب على السوريين بعد أن تحول الصراع السوري إلى ملف ثانوي أمام الملف الأوكراني.

اكتشف السوريون خلل رهاناتهم مرة ثانية مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، بعد أن أحدثت زلزالاً عالمياً تجاوز كل نتائج الحربين السابقتين، ما دفع بالنظام الغربي إلى التدخل المباشر في حرب الإبادة لأهل غزة انطلاقاً من يقينه المطلق بأنه يخوض حرباً وجودية لا يسمح لنفسه بالخسارة فيها، وأن هذه الساحة الثالثة هي الأخطر بين كل ساحات الصراع، على الرغم من المساحة الصغيرة جداً للصراع والتي لا تتجاوز 365 كم2 بشكلها المكثف، ولكنها تحمل بروز قوى قديمة متجددة تحمل تهديدات واضحة لتغيير ملامح المنطقة الأخطر في العالم الممتدة من إيران إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر والخليج، وهي المنطقة المتحكمة بممرات التجارة العالمية برياً وبحرياً عدا عن مصادر الطاقة الهائلة فيها.

تم فرض واقع جديد للحرب الأسطورية الأطول مع النظام الغربي في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا، مع عجز آلة الحرب الغربية عن تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو، والصمود الأسطوري للمقاومة في غزة مع حاضنتها المدنية رغم الإبادة والتدمير والتجويع.

أعاد انتقال الصراع الدولي الأعنف رهانات السوريين من جديد إلى أهمية بلدهم مما يجري، وخاصةً أن أهمية الدور السوري في هذه الحرب يمكن أن يكون مؤثراً في تحديد مستقبل بلدهم من جديد، مع استعادة أهمية الدور الجيوسياسي لسوريا في تحقيق الاستقرار المطلوب دولياً بعد نهاية الحرب بغض النظر عن نتائج الحرب المستمرة في ساحات المواجهة، فسيطر الترقب عليهم وذهبوا إلى عدم الانخراط المباشر في الحرب من جهة دمشق، التي عادت إلى خوض سياسة التوازن بين المسارات العربية المُعوَّل عليها في المرحلة القادمة اقتصادياً وسياسياً، وبين استمرار البقاء ضمن محور المقاومة الذي استطاع أن يكون حائط السد أمام الاجتياح الغربي، وأثبت أنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه في المرحلة القادمة، وهو قادر على إعادة رسم خرائط المنطقة بتوافقات دولية وإقليمية انطلاقاً من واقع إنجازاته المتراكمة خلال أربعة عقود ونيف من العمل المتواصل في مواجهة الغرب.

وفي الطرف المقابل من السوريين الذين وضعوا رهاناتهم على النظام الغربي ساد الصمت والترقب المشوب بالقلق من تداعيات هذه الحرب، فهم من جهة يسيطر عليهم القلق جراء انتصار قوى المقاومة الذي سيدفع بالنظام الغربي إلى التفاوض معها على ملفات المنطقة بما في ذلك سوريا على حسابهم، والقلق الآخر من نجاح النظام الغربي في بناء نظام إقليمي عربي يضم كلاً من السعودية والإمارات ومصر والأردن، يستطيع استقطاب خيار دمشق نحوه التي تقف عقبة أمام تحقيق الاستقرار المطلوب للمنطقة الأهم في العالم، ما يفرض ثمناً سياسياً في الداخل السوري.

مع دخول العام الرابع عشر للكارثة السورية المستمرة لا يظهر أفق واضح لنهايتها، ويستمر السوريون بالبحث عن الحلول الفردية خارج بلدهم بشكل متصاعد، وخاصةً بعد أن نشرت وكالة الاتّحاد الأوروبي للجوء (EUAA) تقريراً في نهاية شباط/ فبراير الماضي عن أرقام اللجوء، حيث تصدر السوريون الأرقام بزيادة قدرها 38 % مقارنةً مع عام 2022، ليصل عددهم في عام 2023 إلى 181000 طلب لجوء، عدا عن أعدادهم الكبيرة جداً (لا يوجد إحصاءات) التي غادرت للبحث عن العمل في الإمارات والعراق ولبنان، والأفق الوحيد لبقاء السوريين وعودتهم هو بالتغيير الداخلي العميق المتعدد الأبعاد المترافق مع المشاركة بقطف ثمار معركة "طوفان الأقصى" والحرب الوجودية في غزة، لتجاوز مخاطر استمرار ما يُحاك لبلدهم.

أحمد الدرزي - موقع الميادين

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة