نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونتابع ذلك من خلال تقديمنا لمقطع جديد جاء فيه عن صفات الله تعالى (اسمع السامعين، ابصر الناظرين، احكم الحاكمين، اسرع الحاسبين، ارحم الراحمين، خير الغافرين، قاضي حوائج المؤمنين مغيث الصالحين)، هذه الفقرات من الدعاء او هذه المفردات من الصفات هي امتداد لما سبقها من فقرات تتحدث بدورها عن صفاته تعالى حيث كانت تتناول جانباً من حاجات العبد من حيث الشدائد التي يواجهها وحيث جاءت المفردات تعبيراً عن ذلك مثل مجيب دعوة المضطرين، المهم هو ان نتابع ملاحظة هذه الصفات وهي في الواقع تتناول ما يرتبط بعظمته تبارك وتعالى الكاشفة عن معرفته المطلقة بما هو دائر في خليد العباد وحاجتهم.
اذن لنتحدث عنها بحسب تسلسلها ونبدأ ذلك بفقرة اسمع السامعين وابصر الناظرين.
من الحقائق التي لا تخفى عليك هي ان السمع والبصر بالنسبة الى التجربة البشرية يعدان من اهم الاجهزة المعرفية بل تكاد المعرفة تنحصر بهما بصفة ان ما يسمع به الشخص وما يبصره هما اللذان يمدانه بالخبرة ويشكلان معرفته بما يدور حوله لكن بما ان الله تعالى منزه عن الحدوث فحينئذ يظل التعبير عن السمع والبصر مجازياً بمعنى انه تعالى على معرفة تامة بما يتلفظ به الشخص من كلمات وما يمارسه من حركات عندما يتجه اليه العبد بالدعاء او مطلقاً.
وبهذا نستخلص بانه تعالى هو اسمع من سواه من المخلوقات وابصر من سواه بما يدور في خلد عبده من حاجات وطموحات واشباع، ويظل كلاً من عبارة اسمع السامعين وابصر الناظرين تعبيراً عن انه تعالى كما قلنا يسمع دعاء عبده ويبصر حركاته المعبرة عن حاجاته.
وهذا فيما يتصل بعبارتي اسمع السامعين وابصر الناظرين، ولكن ماذا بالنسبة الى الفقرات الاخرى من مقطع الدعاء، يقول الدعاء بانه تعالى احكم الحاكمين اسرع الحاسبين ترى ماذا نستخلص منهما؟ أي من هاتين العبارتين؟ لعلك تنقل ذهنك الى اليوم الاخر لتواجه هذه الصفات التي تتحدث عن الله تعالى فما دامت الفقرات السابقة تتناول شدائد الحياة بالنسبة الى العبد، وما يستتبع ذلك من لجوء العبد الى الله تعالى بالدعاء وما يرتبه الله تعالى على ذلك من اجابة تقول بانه تعالى مجيب دعوة المضطرين حينئذ نتوقع بان الدعاء قد انتقل من حاجات العبد الدنيوية الى حاجاته الاخروية لكن عندما نتابع الدعاء نجد مثلاً فقرة تقول بانه تعالى قاضي حوائج المؤمنين وهذه العبارة تشمل الحاجات الدنيوية ايضاً لذلك نتوقع منك ان تتساءل عن الاسرار الكامنة وراء هذه الفقرات من الدعاء ما دمت مطالباً بان تقرأ ادعيتك وانت محيط بمعانيها.
اذن ماذا نستخلص من عبارة انه تعالى احكم الحاكمين واسرع الحاسبين؟ هذا ما نكرر سؤاله الان، للاجابة عن السؤال المتقدم نقول لا مانع من ان نستخلص بان عبارتي احكم الحاكمين، اسرع الحاسبين بانهما تتناولان البيئة الاخروية ولكن في الوقت نفسه لا مانع من انهما تتناولان البيئة الدنيوية ايضاً، هنا يجدر بنا اولاً ان نعرف دلالة هاتين العبارتين نقول ان عبارة احكم الحاكمينتعنيانه يحكم على عبده بما هو عدل وصائب بمعنى انه تعالى عندما يسمع وينظر الى دعاء عبده فانه يحكم عليه بقضاء حوائجه بما هو عدل وصائب والامر كذلك بالنسبة الى عبارة انه اسرع الحاسبين، حيث تعني انه لا يتردد البتة في حكمه عندما يقوم تعالى بمحاسبة عبده انه اسرع ما يكون في حسم المواقف حيث ان عبارة الحاسب معناها العالم بالحساب فيكون المعنى انه تعالى اسرع ما نتصوره من تقويم الموقف وتقديم الحكم سواءاً كان ذلك يتعلق بامور الدنيا او الحساب في اليوم الآخر.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من دلالة ما تعنيه العبارتان المذكورتان والمهم هو ان نتجه الى الله تعالى بالدعاء، وان نخلص له في ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******